بقلم: د. يحيى الوكيل
اللقطة الأولى:
دكتور "محمد عمارة" عضو مجمع البحوث الإسلامية يتهم البابا "شنودة" صراحةً وعلانية أنه السبب فى الفتنة الطائفية ومحركها الأول، ويقدّم دليلاً علميًا أقوى مما قدم "نيوتن" للتدليل على صحة نظريته للجاذبية! تصوروا!!
ودليل الدكتور العلامة، أن الفتنة الطائفية لم تحدث إلا فى عهد البابا "شنودة"! ولكن الدليل فاسد؛ لأن الدكتور الحاصل على أعلى شهادة علمية، فاته فى استدلاله الكثير من المعطيات:
- ماذا عن الأحداث التى سبقت تولى البابا "شنودة" كرسى الكرازة المرقصية، كحرق كنيسة "السويس" فى الخمسينيات من القرن الماضى؟ وماذا عن العمليات الإرهابية للإخوان المسلمين ضد اليهود – والمسيحيين – المصريين فى أربعينيات القرن نفسه؟
ألا يدل هذا على وجود النية لدى المتشددين من الإسلاميين والإرهابيين ومن فى حكمهم على التعامل مع من يخالفونهم فى "نظرتهم للدين" بالعنف والإرهاب؟ أو كما تحب سيادتكم يا دكتور أن تسميها- وأنت تزعق بأعلى صوتك فى استوديوهات قناة الجزيرة- "الفتنة الطائفية"؟ وأن هذه النية موجودة من قبل كرازة البابا "شنودة" بسنوات – بل و بقرون؟
- لماذا لم تربط بين تولى "السادات" الرئاسة وبين اشتعال نيران الفتنة الطائفية؟ لقد كان تمويل "السادات" لهذه الجامعات بالمال وبالسلاح – نعم بالسلاح الذى اتهمتم كنائس "مصر" بجمعه، وهم من العنف براء حتى الآن – هو السبب فى كل حالات العنف التى طالت المسيحيين وغيرهم من المسلمين ممن يخالفون من يناصرهم الدكتور "محمد عمارة" فى "نظرتهم للدين".
لماذا أخرجت "الزعيم المؤمن" من المعادلة يا دكتور؟
- فى كل الأحداث المسجلة كان المعتدى هم الإرهابيون المتأسلمون، فهل يأتمر هؤلاء بأوامر البابا "شنودة"؟
البرنامج محمّل على اليوتيوب، وأنصح به لعلاج ضغط الدم المنخفض لما فيه من صراخ ومقاطعة من الدكتور للمذيعة، وغير ذلك من أسباب النرفزة.
اللقطة الثانية:
"خالد الجندى"– الإعلامى الإسلامى وصنيعة "محمود سعد" التليفزيونية– يناقش قضية صلب المسيح من وجهة نظره، ولن أقول من وجهة النظر الإسلامية، فقد علّمنى جدى لأبى وكان يدرس فى الأزهر شيئًا آخر تمامًا.
وفى مناقشة نجم نجوم القنوات الأزهرية والحكومية، عارض العقيدة المسيحية فى أهم أركان إيمانها ببساطة، فلم يوقفه أحد، ولم يعترض عليه أحد، ولم تقم الدنيا ولم تقعد كما حدث مع الأنبا "بيشوى"، وما صرّح به من رأيه عن جمع القرآن، وإن كان قد أثر على ما ذكر من آيات تتعرض للعقائد المسيحية.
أعترف إننى لم أكن فى قمة تركيزى وأنا أتابع البرنامج، فقد كان يعتصرنى حزن على غياب – بل وموت – معنى العدل.
لا يكابر إلا مخبول فى اختلاف العقيدتين: المسيحية والإسلامية، ولا يكابر إلا مخبول فى أن أتباع كل عقيدة يجدون أتباع العقيدة الأخرى على خطأ، ولو لم يفعلوا لاتبعوا العقيدة الأخرى ما داموا يجدونها صحيحة.
هذه هى الحقيقة العلمية الجافة والسليمة؛ ولأنها علمية فهى لا تمنع تعايش العقلاء بل وتجد فى الاختلاف إثراءًا.
إذن فمن الطبيعى أن يوزع نجم النجوم ابتساماته على الشاشة وهو يجد حسب عقيدته أخطاء فى العقيدة المسيحية، ولكن من الطبيعى أيضًا أن يجد الأنبا "بيشوى" حسب عقيدته أخطاء فى العقيدة الإسلامية.
غير الطبيعى أن نفرد مساحة على برنامج فى التليفزيون الحكومى لـ"خالد الجندى" لكى يهاجم عقيدة إخوانه فى الوطن.
غير الطبيعى أن يُهاجَم الأنبا "بيشوى" و يُبارَك "خالد الجندى".
غير الطبيعى أن نسأل عن أسباب الفتنة الطائفية بعد أن رمينا إخوانًا لنا فى الوطن بالكفر والشرك، وفى التليفزيون الحكومى وليس فى خرابة تتجمع فيها خفافيش الظلام.
اللقطة الثالثة:
وكاتب كبير يحكى فى أهم برنامج حوارى على التليفزيون الحكومى المصرى عن لقائه بالرئيس ضمن وفد من المثقفين المصريين الذين تفضل سيادة الرئيس بمقابلتهم بعد مقابلته لوفد فنانى مسلسلات رمضان؛ وبدأ الكاتب "محمد سلماوى" كلامه بذكر شيئ عن أهمية الإعلام مستشهدًا بـ"جورينج"، وزير إعلام "هتلر"!
وهنا فقدت تركيزى مع البرنامج مرة ثانية، ليس من الحزن هذه المرة ولكن من الضحك.
الكاتب الذى أشير إليه من الكتاب الجيدين، وأقدِّر كتاباته، وأغلب الظن عندى أن خطأه بخصوص وزير إعلام النازى– دكتور "يوسف جوبلز"، وليس "جوزيف جوبلز" كالخطأ الدارج– خطأ غير مقصود.
ما أثار ضحكى هو أن المذيع والمذيعة اللذان استضافا الرجل، لم يقوما بأى محاولة للتصحيح، وهما ومن مثلهما لا يفوتون فرصة لاستعراض معلوماتهما– أو بالأحرى معلومات المعدين.
إذن فهما لم يعلما.
وتلا ذلك مباشرة مداخلة من وزير الثقافة المصرى، وفاته أيضًا أن ينبّه لتصحيح الخطأ.
لم أسمع مما قال شيئًا هذه المرة، فيكفينى أن الرجل غير صادق الوعد ولم يترك كرسى الوزارة بعد هزيمته فى انتخابات رئاسة منظمة اليونسكو– والتى لا ترد عنها بالمناسبة أى أخبار فى أجهزة الإعلام الحكومية منذ خسارة سيادته.
إذن فوزير ثقافة "مصر" ومذيعوها ومثقفوها الذين يقابلهم الرئيس– بعد أن يقابل الفنانين طبعًا – لا يعلمون.
عرفتم الآن مدى عمق المناقشات الثقافية التى حظى بها الرئيس مع الجمع من هؤلاء؟
عرفتم أن من يدَّعون مثقفين فى هذه البلد إنما هم محسوبون على الرضاء الحكومى وليسوا المثقفين بالفعل؟
لو كان مثقفوا هذا البلد الحقيقيون قريبين من مواقع صنع القرار بالفعل، لما كان للدكاترة "العوا" و"محمد عمارة" و"زغلول النجار" وجود؛ لما كان لدعاة الفتنة وجود، ولحافظت النهضة الفنية والثقافية فى فترة الستينيات على زخمها، وحفظت للبلد احترامه بدلاً من أن تجترئ عليه ضباع الصحراء.
اللقطة الرابعة:
وووووششششششششششششش
بعد كل ما سبق، ألا توافقوننى إنها أفضل ما يمكن رؤيته؟