بقلم إستير ابيحائل
    " الفتنة نائمة، لعن الله من ايقظها" -- حديث، يقول علماء المسلمين انه ضعيف،  إلا ان الإسلاميين قد استطاعوا بمهارة إستخدامه في تشكيل ثقافة الخوف بين الشعوب التي غمروها بمفاهيمهم وثقافتهم ...  فقد صور لنا الإسلاميون ان الفتنة   اقوى وأشد بطشا من القتل.. فهم يصفون الفتنة كما يوصف الأشخاص. فيقولون انها تغضب وتهدأ، تنام وتستيقظ، تضرب وتنتقم وتقتل، ولايسألها احد عما تفعل!   قال عنها العالم الإسلامي، الدكتور سليم العوا  "في زمن الفتنة لا يسمع  للعقلاء "   فهي تفرض سيطرتها على حامليها بعد ان تزج بهم في منطقة اللاشعوروتسلبهم ارادتهم.
.    . يقول لنا الإسلاميون انهم يحملون بين صدورهم غول رهيب، وانهم لايملكون تهدئته. فقد القوا بمسؤلية تهدئة غول الفتنة وإستيقاظه على اكتاف الأقليات غير المسلمة..فإذا اطاعوا تنام الفتنة وإن هم عصوا تستيقظ الفتنة لتحرق الأخضر مع اليابس.. وامعاناً في تخويفنا قالوا لنا اننا اذا ازعجنا الفتنة فإنها تقوم لتفترسنا، و تدمر ممتلكاتنا وتهتك اعراضنا. قالوا ان " الفتنة" تستقيظ إذا خالفنا ما شرطوا علينا من شروط الآمان، تقوم لتأخذ الآمان منا!!  فطبقا للوثيقة العمرية الخيار لنا، فإذا اردنا ان ننعم بالسلام علينا ان لا نُحدث "اي لا نبني" في مدينتنا كنيسة. ايضاً لا نجدد ما خرب من كنائسنا، فصوت خراب الكنائس لا يزعج نوم الفتنة ولكنه صوت بنائها يفزعها من نومها. ثم اعطونا قائمة مزعجات الفتنة! القائمة طويلة منها عرفنا ما يجب ان يكون عليه لباسنا، وكيف نقرع نواقيسنا وكيف ندفن موتانا. ويقول الإسلاميون ان محاولة الإستنجاد من الفتنة (أوالإستقواء بالخارج) سوف تزيد هذا الوحش القاتل هياجا. وعلى العقلاء ان يحرصوا على أن تظل الفتنة نائمة لأننا نحن واياهم وبيننا غول الفتنة موجودون داخل أسوار عالية لن يفلح معها العالم الحر في الوصول الينا ولا لأصواتنا الوصول اليه.
    قصة "الفتنة النائمة" لم تحظ بعد بلقب "الأسطورة" الذي حظت به قصة "الأميرة النائمة"، رغم انها قصة اغرب من الخيال. ولم تحظ ايضا بلقب "التاريخ المظلم" الذي حظت به قصة الصليبيين رغم انها اكثر ظلاماً من العصور الوسطى. يبدو ان الفتنة مازالت قصة حقيقية يعيشها المصريون، يعانون منها، يكتبون عنها، بعضهم يهدد بها و البعض الآخر يخافها، ويعملون لها الف حساب،  ويطرحها الإسلاميون على مائدة الحوار القبطي الإسلامي كشرط من شروط النسيج الواحد .
    الفتنة النائمة ليست خيالا ولم تصبح بعد تاريخا فهي واقع نعيشه. الفتنة التي تنام في صدر الإنسان لا ترفع منه بل انها تصّغرنفس حاملها قبل ان تتمكن من سلب إرادته واستخدامه بالطريقة التي تحلو لها. فها هي تدمر حامليها تاركةً اياهم بين نيران الحقد والكره والوهم والتخلف. نراها تشق الصف و تبث الكره. نراها تضر بصاحبها بقدر ما تضر بالآخر.فالفتنة توهم صاحبها بانه يملك الحقيقة المطلقة فيعيش في وهم يعجزه عن توسيع افقه وقبول الآخر.
    الفتنة لا تدرك ان لصاحبها حدود لا يجوز له تجاوزها، وهي لا تدرك ان الشخص الآخر له فرديته وحريته وهى تفرض على الآخرالتعاون معها دون الإلتفات لمشاعر هذا الآخر واحتياجاته. وهى تعتمتد على ضعف الآخر الذي لا يقدر على المقاومة.
    الفتنة تطلب ممن تعتدي عليهم ان يكنّوا لها الإمتنان لانها ابقتهم احياء. الفتنة تعمل بميكانيكية الجماعة البدائية، فهي تتجاهل وجود الفرد و ترجع تصرفاته للجماعة فالفرد ياخذ قيمته من انتمائه للجماعة وليس من ابداعاته و تفوقه او من نقصه وانحلال سلوكه.
    الفتنة تحمِّل من تعتدي عليهم مسئولية اعتدائها عليهم. وتضرب بحرية الإنسان واحترامه لنفسه و لغيره عرض الحائط. الفتنة تسلب حاملها عقله و عقلانيته، تفقده علمه و تعلمه تفقده مشاعر الرحمة الإنسانية و الأُخوة و الإخاء.

ما هي خيارات غير المسلمين امام اطروحة الفتنة؟
    لابد من الإشارة إلى ان الفتنة تطرح خياراتها بعد ان ينتهي دور خيارات الجهاد. فالخيار يبدأ بالإختيار بين دخول الإسلام، وبين القتال والهرب إلى خارج البلاد ، أو قبول الذمية. ثم بعد ذلك تأتي الفتنة لتطرح خياراتها على من تبقى من المواطنين الذين لم يهربوا ولم يقتلو.   هذه هي خيارات الوحدة الوطنية كما تطرحها  "الفتنة"٠
    الإختيار الأول: أن يقبل الأقباط "الذميون" التنازل عن حقوقهم في مقابل آمانهم  وأن تتراجع الكنيسة عن المطالبة بمساواة الأقباط مع المسلمين أمام القانون وكما قالت الدكتورة سعاد صالح في تأكيدها بعدم امكانية اعتلاء القبطي لمنصب رئيس الجمهورية "لا ولاية لغير المسلم على المسلم". وان لا يجاوب المسيحيين اتهام القرآن لهم بالكفر. وأن يرضى الأقباط بالوظائف الأدنى في الدولة وأن تقبل الكنيسة حكماً مدنياً يقضي بإجبارها بالقيام بطقوس دينية مخالفة للعقيدة المسيحية.
    الإختيار الثاني: هو أن تستمرالكنيسة في مطالبها العادلة بالمساواة  وبحرية اعتناق الدين وممارسته في العلن. وأن ترفض الكنيسة تدخل القضاء في العقيدة المسيحية وكيفية ممارسة طقوسها. وان يواصل الأقباط مطالبهم بان تحمى الدولة اعراضهم وممتلكاتهم وأن ترفض الكنيسة الخضوع للتهديد والترهيب من غول الفتنة الشرس.
 اذا اخذ الأقباط باختيار الفتنة الأول يعيشوا في بلدهم صاغرين مذلولين واذا أخذوا باختيار الفتنة الثاني، فإنهم قد يدفعون ثمناً يفوق ما يملكون؟

هل من المعقول ان تكون الفتنة النائمة طرح من اطروحات مسألة الوحدة الوطنية؟
    هل يعقل ان تجادل حقوق غير المسلمين في القرن الواحد والعشرين بمفاهيم الفتنة التي تنام وتستيقظ على هوى الإسلاميين؟ كيف تعيش الأقليات مع خيارين افضلهما ان تُسلب حريتهم؟ كيف نقبل مفهوم العقوبة الجماعية التي تنزلها الفتنة على كل الأقباط عندما يخالف فرداً منهم شروط الإسلاميين؟ كيف نتحاور مع غول لم يسمع في حياته عن مواثيق حقوق الإنسان ولا يهمه الإنسان وحقوقه؟ الى متى نحمِّل الفتنة مسئولية اخفاقنا في قبول التعددية وإحترام فردية الإنسان؟
    محاولة معالجة قضية وطنية كقضية حقوق الأقباط في داخل اطار الوحدة الوطنية والنسيج الواحد من منظور "الفتنة النائمة" الذي كان السبب في المكانة الأولى في معاناة الأقليات وردهم عن حقوقهم الدستورية لن يقدم حلا للمعايشة السلمية بين ابناء الوطن الواحد..
    الفتنة بمعطياتها المطروحة لا يمكن ان تقدم خيراً للوطن وللمواطنين بل انها تعمل على استضعاف خيوط النسيج الأقل تبايناً. الفتنة النائمة ظلم، ووجودها على طاولة المدوالات القبطية الإسلامية فيه إمعان في ظلمهم وتخويفهم واستضعافهم.  الظلم شر، والشر لا يبني نفس الإنسان، فالظالم والمظلوم كلاهما يقعان ضحية الكره، والانقسامات، ويبقى الوطن المنقسم حبيساً للتخلف والفقر والبؤس.
 
ولنطرح نحن ايضاً خياراتنا
امامنا خيارات أٌخرى عديدة غير تلك الخيارات التي تقدمها لنا الفتنة.
اول هذه الخيارات هي ان نختاران لا نقبل اننا امام خيارين لا ثالث لهما.
لنا ان نختار ان نطرح الخوف خارجاً.
أن نتكلم و لا نصمت.
 ن نرفض أن يكون الطريق الوحيد للوحدة الوطنية هو اذلالنا.
أن نرفض تحمُّل مسؤلية الجرائم التي ترتكبها الفتنة.
 أن نلفظ الفتنة و كل ما بها من كره و دمار وقتل 
أن  نرفض الشعور بالإمتنان للفتنة التي لم تفتك بنا بعد.
نحن نملك خيار المصالحة التي ستقدم السلام المبني على العدل والمساواة واحترام فردية الإنسان.
نحن نملك انفسنا ونملك أن لا ندع مفاهيم الفتنة تمتلكنا 
نحن نملك ان نأمر الفتنة بأن تحمل عصاها على كاهلها وترحل عن أرض مصر بلا رجعة.