محمود بسيونى
علي مدار تاريخه الدبلوماسي الطويل كان وزير الخارجية سامح شكرى من أنصار الدبلوماسية الهادئة المؤثرة دون صخب ، او بمعنى أدق لا يميل للشو الاعلامى ، حريص في اختيار واستخدام مفرداته ، دقيق في الاعراب عن توجهاته وتحديد اشاراته ، هاديء لا يخضع لمفتعلي الازمات ، طويل النفس في التفاوض المنطلق من ثوابت الامن القومى المصرى ، لذا كان تصرفه مع ميكرفون الجزيرة خلال المفاوضات السداسية مفاجئا ، ويؤكد ان مصر تقترب من الحزم في ازمة سد النهضة ، فهى رسالة شديده اللهجة للمتلاعبين خلف الكواليس لتهديد حقوقنا التاريخية في مياة النيل شريان حياة المصريين .
كل الذين يعرفون شكرى يؤكدون ان خروجه عن النص مع الجزيرة ليس عشوائيا ، ومؤشر على تعقد الوضع ونفاذ الصبر ، وان المفاوض المصرى سئم اللعبة السخفية فى سد النهضة ومحاولات حلف قطر وتركيا واسرائيل الضغط الخشن على مصر فى منابع النيل .
جمادا سوتي، المتحدث باسم جبهة “تحرير شعب الأورومو” الإثيوبية قال فى حوار نشرته العرب اللندنية ان تركيا وقطر وإسرائيل تشارك في بنائه عن طريق المعدات والشركات والتمويل غير المباشر.
مؤكدا أن هناك أياد خارجية تلعب في الأمر وتؤثر في السياسة الأثيوبية والهدف الضغط على مصر والتحكم في المياه ثم بيعها بعد ذلك وممارسة نوع من السيطرة لحساب دول أخرى لافتا الى ان تمويل تركيا لسد النهضة الأثيوبي تحت غطاء تقديم منح ومساعدات مليونية لتطوير السكك الحديدية الأثيوبية ومصنع “إيكا أديس″ على الرغم من أن هذا الخط موجود منذ عهد الفرنسيين والحكومة أوقفته منذ 17 عاما لعدم جدواه الاقتصادية اما قطر فتدعم بناء السد، من خلال مشروع استثماري وزراعي ضخم تموله الدوحة لزراعة مليون ومئتي ألف فدان في منطقة السد ودفعت الجزء الأول من قيمة التعاقد الذي استفادت منه الحكومة الإثيوبية في بناء السد.
حديث سوتى ومحاولات الدبلوماسية الاثيوبية تعطيل المفاوضات وطرد الشركات الفنية والحديث المتزايد فى الاسراع بوتيرة البناء قبل الانتهاء من التفاوض ، وتغير المواقف السودانية تؤكد ان هناك محاولات للضغط على مصر بورقه المياة فى مقابل مطالب سياسية لحلف تركيا وقطر فحواها التصالح مع الاخوان وتعطيل التواصل المصرى الروسى فى الملف السورى و وقف تحركات مصر نحو السيطرة على ثرواتها الغازية فى البحر المتوسط حيث تؤكد المؤشرات ان الاكتشافات الغازية الاخيرة امام السواحل المصرية تشير الى احتياطى هائل من الغاز سيدفع مصر الى صدارة الدول المصدره للغاز بحلول عام 2017 .
خلال العام الاول لحكم الرئيس السيسى سعت الدولة المصرية والدبلوماسية المصرية الى التهدئة ، والتفاوض انطلاقا من المصالح المشتركة بين الشعبين فلا يصح ان تسوء العلاقات بين دول المنبع والمصب ، وحاول الرئيس السيسى فى خطابه امام البرلمان الاثيوبي ان يقول ان مصر تغيرت وانها تريد العودة لافريقيا وانشاء علاقات جيدة مع الجميع بلا تعالى او افكار مسبقة خاصة وان اثيوبيا عانت من الحروب الكلامية بينها وبين مصر عقب حادث اغتيال الرئيس الاسبق حسنى مبارك ، وقدرته على وقف اى تمويل للسد الذى اعتبره الاثيوبيين مشروعهم القومى لتوليد الطاقة .
وعقب 25 يناير زارت وفود شعبية مصرية العاصمة الاثيوبية وقالت لم قابلتهم فى اديس ابابا ان الشعب المصرى ليس لديه مانع من بناء السد وان مبارك كان الحاجز بين الشعبيين ،وعلى أثر هذه الاحاديث وما شهدته مصر بعدها من حالة توتر وعدم استقرارسياسى ، استغلت اثيوبيا الفرصة وبدات فى الاسراع بعمليات البناء ووقف التفاوض لدرجة تسمح بتهديد حصة مصر المائية .
ساء الوضع بيننا وبين اثيوبيا أبان حكم الاخوانى محمد مرسى عقب فضيحة الاجتماع الذى عقده مع قادة الاحزاب والنشطاء السياسيين أنذاك ونقله التليفزيون الرسمى على الهواء وتحدثوا فيه عن عمليات عسكرية واستخبارتية لتدمير السد ، وهو ما اثبت للاثوبيين الخلل الكبير فى التفكير المصرى تجاه حل أزمة السد ، واعاد كل شيء الى نقطة الصفر .
كل هذه العقبات النفسية والسياسية تقف حجرة عثرة امام تنمية العلاقات بين مصر واثيوبيا ، سعت الرئيس السيسى الى جمع كروت تفاوضية بعدما ضاعت اوراقا كثيرة فى الماضى ، وسط تضارب فى اراء الخبراء المصريين حول أزمة السد ، فمنهم من يطالب بالشده ، ومنهم من ذهب الى العمل العسكرى مرة اخرى ، لكن مصر أختارت طريق التفاوض الصعب لحفظ علاقات تاريخية يجب ان لاتمس مع اثيوبيا ، خاصة وان المتلاعبون خلف الكواليس يسعون بشده للضغط على مصر للوصول الى الحل العسكرى لان ما سيتبعه سيكون قطع ودخول مصر فى حالة حرب مع دولة المصب مما يهدد حياة ملايين المصريين .
التفاوض السياسى ليس جديدا على مصر فلقد استعدنا طابا بالتفاوض وبالتحكيم الدولى ، وعبر اليات الدبلوماسية النشطة التى تبرع فيها مصر ، وينتمى الوزير سامح شكرى الى هذه المدرسة المصرية العتيده ، ولعل نجاح مصر فى عضوية مجلس الامن بالانتخاب ورئاسة لجنه مكافحة الارهاب فيه ، يؤكد قدرة الدبلوماسية المصرية على مواجهة التحديات فى افريقيا عبر نشاطتنا الدبلوماسية المتعدده التى لم نلجا لها لطمانه الجانب الاثيوبى .
رسالة أسد الخارجية تجاه ميكرفون الجزيرة رمز حلف تركيا وقطر واسرائيل لخصت كل الالام مصر فى ملف سد النهضة وأعطى اشارة الى اثيوبيا اننا نعى ما يحدث ، ونعرف أكثر من غيرنا حدود خطواتنا فى ملف حساس وشائك كسد النهضة ، وان مصر لن تتنازل ، ولن تتوقف عن حماية حقوقها ولن تجور قطعا على حقوق ومصالح الشقيق الاثيوبى .