الأقباط متحدون | بناء الكنائس: الغلط فين؟!
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٥:١٨ | الثلاثاء ١٢ اكتوبر ٢٠١٠ | ٢ بابه ش ١٧٢٧ | العدد ٢١٧٣ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

بناء الكنائس: الغلط فين؟!

الثلاثاء ١٢ اكتوبر ٢٠١٠ - ٠١: ٠٤ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: نجيب جبرائيل
حتى أوائل السبعينيات كان هناك برنامج  شهير فى الإذاعة، تقريبًا على إذاعة الشرق الاوسط أو البرنامج العام، يقدِّمه المذيع  الشهير آنذاك "على فايق زغلول" كان  يسمَّى "الغلط فين؟" حيث يذكر بعض الجمل او مقطع من مقاطع أغنية يغيِّر فيها لفظ أو كلمة وعلى المستمع أن يصححها، وهنا يكسب فى المرة الأولى 75 جنيه. وإذا صحَّح كلمة أو كلمتين فى المرة الثانية يكسب 375 جنيه، وهذا المبلغ يساوى الكثير فى هذا الوقت. فمثلاً كان يقدِّم كوبلية من أغنية لـ"أم كلثوم" يا محيرنى راح من عيونى النوم" والصح "راح من جفوني النوم" – "هجرتك يمكن أنسى هواك" والصح "هجرتك يمكن أنسى جفاك"... وهكذا..

قصدت أن أورد هذه المقدمة لأقيس عليها موضوعًا آخر بالتأكيد فيه غلط، ولكن الغلط فى هذه المرة هو غلط لا يتعلق بمقطع أغنية أو اسم زهرة، وإنما متعلق بشريحة هامة وكبرى فى نسيج هذا الوطن وهى أكثر من خمسة عشر مليون مسيحي يشكِّلون أكبر من عدد سكان خمس دول عربية مجتمعة وهى "ليبيا"  و"تونس" و"لبنان" و"الكويت" و"الإمارات". هذا فضلاً عن أكثر من ثلاثة مليون قبطى بالخارج.  فما زالت مشكلة بناء الكنائس وامتناع الدولة عن إصدار قانون موحَّد لبناء دور العبادة حيث يعتبر هذا الموضوع هو حجر الأساس فى تعظيم مشاكل الاحتقان بين الأقباط والمسلمين فى العشرين سنة الأخيرة، والتى كان من نتائجها نزيف وقتل وحرق للأقباط وممتلكاتهم، هذا فضلاً عن خلق مناخ مشحون بالكراهية تجاه الأقباط..

ولقد آليت على نفسى أن أبحث وبكل صراحة، بل وبكل جرأة، سر عدم تحرك الحكومة على إصدار هذا القانون واتخاذها سياسة التسويف والمماطلة لدورة برلمانية تلو الدورة، وأحيانًا يعلو صوتها عند ظهور احتقان طائفي لتعطي الوعود فى صورة مسكنات، ثم تعود ريما إلى عادتها القديمة. وقلت فى نفسي يجب لبحث هذا الموضوع أن أمسك الخيط من أولة لمعرفة الغلط فين، فتساءلت فى نفسى إن ذلك يمكن أن يرجع لأحد ثلاثة أسباب رئيسية :
- دور الأزهر ومشيخته، وضرورة الحصول على رضاه باعتبار أن "مصر" دولة إسلامية ودستورها ينص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع، ولا يمكن مساواة الأغلبية المسلمة بالأقلية المسيحية فى بناء دور العبادة، فيظل الأقباط هم أهل ذمة وليسوا بمواطنين فى هذه الخصوصية على وجه التحديد.
- والسبب الثانى: قد تكون هناك تيارات إسلامية سلفية ترصد حركات الحكومة وتتربص بأى قانون يكون من شأنه تحقيق مواطنة أو فى مصلحة الأقباط.
- السبب الثالث: قد يكون الموضوع كله لعبة سياسية تجيدها الحكومة مثل لعبة شد الحبل جذبه ورخيه، أو العصا والجزرة.
- السبب الرابع: وهناك سيناريو رابع لا أستطيع أن أخفية؛ لأنه يهمس كثيرًا فى أذني، وكان مصدر هذا الهمس أحد الرجالات الكبار بالحزب الوطني حين قال لي: إن رفض الحكومة إصدار هذا القانون قد يكون راجعًا إلى عدم موافقة قيادة الكنيسة القبطية عليه، خشية إنه لو صدر هذا القانون أن تقوم الكنيسة الإنجيلية بما تملك من أموال، وما قد يجلب عليها من إغراق البلاد بالكنائس البروتستانتية، وقد يقابلها فى ذلك أيضًا أموال دول الخليج الإسلامية، فنكون بصدد "مارثون" خطير فى بناء المساجد والكنائس.
- السبب الخامس : وهناك سيناريو خامس أكثر بهتانًا وضعفًاـ وهو أن هناك صعوبة قد تقابل الحكومة عند إصدار هذا القانون وهى تعدد أشكال بناء الكنائس واختلافها عند الأرثوذكس عن البروتستانت والمعمدانية بخلاف المسجد ذات الشكل الواحد، فإن القانون يجب ان يصدر على هذه الأشكال المعمارية جميعًا.
وكما قلت، أخذت على عاتقي أن أبحث هذا الموضوع بنفسي مبتدأً بحث السيناريو الأول وهو موقف الأزهر ومشيخته من إصدار هذا القانون، فتقابلت مع فضيلة الإمام الأكبر الراحل الدكتور "محمد سيد طنطاوي" شيخ الجامع الأزهر مرتان، هذا الرجل السمح، وكان موضوع المقابلة الأولى بخصوص الفتوى التى كنت قد طلبتها من دار الإفتاء المصرية بصدد ما نُشر فى احدى كتب كلية الحقوق بالصف الثالث بجامعة القاهرة لأحد المسلمين والذى وصف تبرع المسلم ببناء الكنيسة بعدم الجواز شرعًا؛ لأن بناء الكنائس مثل بناء نادى للقمار أو ملهى ليلي أو مكان لتربية قطعان الخنازير والكلاب، فتقابت مع فضيلته لأعرف رأى الأزهر الرسمي فى مسألة بناء دور العبادة "الكنائس"، ولمدة ساعة ونصف كان أشهر ما قاله فضيلته عبارته الخالدة، والتى تناقلتها كافة وسائل الإعلام حينذاك من إنه "أود أن أرى فى كل شارع مسجدًا وكنيسة". وأضاف أيضًا فى المقابلة الثانية- وهذا كله مسجَّل صحفيًا  وتلفيزيونيًا: إنه لو عرض على الأزهر مشروع قانون بناء دور العبادة الموحَّد لوافق عليه الأزهر فورًا. وتأكيدًا لذلك، وفى المقابلة مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الحالى الدكتور "أحمد الطيب"، والتى تربطني به صداقة ومودة منذ أن كان مفتيًا بالديار المصرية، فقال لي بالحرف الواحد: "إن الأزهر لا يمانع مطلقًا فى بناء الكنائس وضحك قائلاً: "إننى فى الأقصر بلدى يصفوني بأننى نصفى شيخًا والنصف الآخر قسيسًا".

ثم جاء الأسبوع الماضي فى لقاء على قناة الحياة فى برنامج "الحياة اليوم"، وفى المقابلة مع سعادة السفير "محمد فتحي رفاعة الطهطاوي"- المتحدث الرسمي باسم الأزهر- وكان معه نيافة الأنبا "بسنتي"- أسقف حلوان- وأخذ ممثِّل الأزهر الرسمي مندهشًا من عدم وجود قانون موحَّد ينظم دور العبادة، وأيضًا عدم إعطاء الفرص فى الوظائف العليا للمسيحيين مثل تعيين مسيحي فى وظيفة رئيس جامعة! ومن هنا أدركت أن موقف الأزهر الذى يمثل ملايين المسلمين فى "مصر" لا يمانع مطلقًا ولم ولن يقفوا حائلاً فى إصدار قانون ينظم بناء دور العبادة أسوة بالمسلمين، ومن ثم أغلقت هذا التساؤل الأول.

أما عن النقطة الثانية، وهو وجود تيارات إسلامية سلفية تقف لهذا الموضوع؛ أعتقد الردعليها وبكل بساطة أن هذه التيارات السلفية المتشددة ليست ضد المسيحيين بل لها مواقف ضد الحكومة نفسها، والأدل على  ذلك وتأكيدًا له، ما جاء على لسان المرشد العام للإخوان المسلمين منذ سنتين عندما قال: "طظ فى مصر"، وإن المسلم الماليزى أفضل لديه من المسيحي المصري. لكن الدولة فى "مصر" بهيبتها وسلطاتها تستطيع أن تكبح جماح هؤلاء، بل أن هناك قوانين صدرت أكثر جرأة من قانون بناء دور العبادة الموحَّد، وحظر نشاط الجماعات المحظورة، ولم يستطع أحد منهم الوقوف فى وجه الدولة.

ومن ثم فأن هذا السبب أيضًا لم يكن سببًا مقبولاً أو مُبرَّرًا؛ لإمتناع الدولة عن إصدار قانون موحَّد لدور العبادة.

 ثم قبل أن ننتقل إلى البند الثالث، رأيت أن أغطى البندين الآخرين المتعلقين بسيناريو  تخوف الكنيسة القبطية من انتشار الكنائس البروتستانتية بإغراق البلاد بمظنة أن هناك أموال ضخمة تأتيها من الخارج.. فلا أعتقد أن رئيس الكنيسة القبطية البابا "شنودة" يرى أن أولاده ومواطنيه يُقتلون ويُمنعون من الصلاة إلا بإذن ويفكر هذا التفكير. كما إننى لا أعتقد إنه حتى بناء الكنائس الإنجيلية سوف يكون بهذا الإفراط والإغراق، وأن القانون فى النهاية سوف يحسم نسب بناء الكنائس لكل طائفة حسب عدد السكان.

أما عن صعوبة إصدار القانون وتعدُّد أشكال الكنائس الأرثوذكسية والمعمدانية والكاثوليكية، فحتى إن وجدت هذه الأشكال فإصدار قانون لن تكون فيه صعوبة من هذه الأشكال الهندسية  والمعمارية، فكل قانون يحدِّد دور البناء ونوعيته وأشكاله الهندسية، واللائحة التنفيذية تصدر منظمة لذلك، مثل قانون الإسكان، وقانون تنظيم  السجون وتصنيف معاملة السجناء وأماكن إقامتهم، وقانون المرور، وتحديد أشكال ومركبات المرور.

أما وإن استعرضنا ما سلف ذكره من نقاط وسناريوهات، أعتقد ويعتقد معي الكثيرون- بأن تلك ليست هى السبب فى عدم إصدار قانون بناء دور العبادة الموحَّد. إذن ينبغى علينا أن نفكِّر جميعًا الغلط فين؟ ونبحث عن ماهية دور الحكومة فى هذا الشأن، ونتساءل معًا: هل الحكومة تستقبل الأقباط شدًا وجذبًا، تارة فى الاطمئنان على حصول على أصواتهم إلى جانب الحزب الوطنى وخاصة حيث تكثر أصواتهم فى  مناطق الصعيد حيث يشكِّل صوت الأقباط لوبى وضغط قوي فى ظل منافسة الوطن من أصحاب القبليات ورأس المال؟ وإلى متى سوف ينتهى هذا السيناريو وتلك اللعبة الحكومية والتى أصبحت مكشوفة فى كل انتخابات برلمانية ورئاسية؟  ولماذا لم توف الحكومة بتعهداتها حتى إن كان فى ذهنها هذه اللعبة بعد إنهاء الانتخابات، وتنفِّذ وعدها بإصدار القانون؟

ولكن ربما ما يكون هناك تفسير آخر وهو أن الحكومة تريد وتجيد لعبة التوازنات بين الأقباط والمسلمين، وأن التعامل مع الأقباط ترى الحكومة أن يكون فى شكل جرعات مثل ما يُعطى للمريض أو هبة أو عطية، ولكن لا يكون على شكل حقوق أو قوانين؛ حتى تضمن الدولة عدم تغلب المتشددين والسلفيين، وهم يشكلون قوى لا يُستهان بها فى هذه الأيام، وخاصة فى ظل النشاط المتعاظم للجماعة المحظورة.   وفى هذا تضحية بالأقباط؛ لأنهم بالفعل ليسوا فى ذهن الحكومة.

ولكن ربما نرجِّح سيناريو أكثر واقعية، وهو أن الحكومة تريد وترغب أن تكون مثل تلك الموضوعات كقانون بناء دور العبادة الموحَّد وتعيين رئيس للجامعة من الأقباط؛ لتشغل الأقباط وليكون هناك حراك وفتن غير معلنة بين الأقباط والمسلمين، حتى لا يكون لديهم الوقت سواء من هنا أو من هناك للتفكير فى فساد الحكومة وعدم المطالبة بالديمقراطية، وعدم تحويل المجتمع من مجتمع ديني إلى مجتمع مدنى ليبرالي؛ لأن الليبرالية المرأة الوحيدة التى تعكس عورة الحكومة وسيئاتها.

ودعنا جميعًا وهى دعوة من محدثكم وكاتبكم نجيب جبرائيل- لبحث الغلط فين، لكن اعذروني،  فلن تكون المكافاة 75 جنيه أو 375 جنيه، وإنما سوف تكون مكافأة سماوية ربانية.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :