الأقباط متحدون | الفتنة الطائفية بين العامة والنخبة والسلطة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٨:٠٢ | السبت ١٦ اكتوبر ٢٠١٠ | ٦ بابة ١٧٢٧ ش | العدد ٢١٧٧ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

الفتنة الطائفية بين العامة والنخبة والسلطة

السبت ١٦ اكتوبر ٢٠١٠ - ٤٠: ١٠ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم :منير بشاي
ليس من طبيعتى تفسير كل ظواهر الحياة على أساس نظرية المؤامرة. وعادة أحرص على الإبتعاد عن هذا التأويل إلا إذا كانت هناك أسبابا قوية لا تستقيم الأمور إلا بوجودها. ويبدو أننا الآن بصدد حالة ينطبق عليها هذا التوصيف بالنسبة للإحتقان الطائفى الذى يجرى فى مصر هذه الأيام.
    وصراحة لا أصدق أن كم الغضب الموجه ضد الأقباط فى هذه الأيام، يرجع إلى ما يعلنوه من شكايات ضدهم.  فواضح أن هذه الشكايات إما كاذبة مفتعلة أو لا يقبلها عقل أو منطق.
    لا أصدق أن كلمة نطق بها أحد الأساقفة، وقد إقتطعت من سياقها، يمكن أن تهدد بإشعال نيران  الفتنة الطائفية فى وطن بأكمله. وكان من الممكن حل المشكلة باجراء بسيط وهو طلب توضيح من الأسقف يشرح ما كان يقصده. وإذا لم يحدث إقتناع، فمن الممكن الرد على الكلمة الواحدة بعشرة، ووسائل الإعلام كثيرة ومتاحة للجميع لبث الرأى والرأى الآخر.
    ولا أصدق أن هناك مبرر لإقحام قداسة البابا شنودة كهدف لغضب الجماهير. أى خطأ إرتكبه؟ هل كان الغضب بسبب تمسكه بعقيدته فى مسائل الأحوال الشخصية؟ وهل هذه أمور تهم أحدا من المتظاهرين؟ لماذا كل هذه البذاءات والإهانات الموجهة للبابا شخصيا؟ هذا الرجل لا يستطيع أحد أن يزايد على وطنيته. فكعلمانى تطوع كضابط للإحتياط وخدم وطنه فى حرب فلسطين. وكان طوال حياته صحافيا مرموقا وكاتبا موهوبا وخطيبا مفوها يعكس نبضات هذا الوطن. وبعد أن إنضم إلى الإكليروس إستمر فى توجهاته الوطنية. وعندما إختارته العناية الالهية بطريركا كانت له مواقفه الوطنية الواضحة. ولا ينسى أحد رفضه للتطبيع مع إسرائيل وإعلانه أنه لن يدخل القدس إلا مع أخوته المسلمين. وقد منع الأقباط من الحج للقدس. وهو الذى كرّمه المسلمون قبل المسيحيون فى كل الوطن العربى وأطلقوا عليه إسم بابا العرب.
    ولا أعتقد أن أحدا يصدق خرافة أن الأقباط يكدسون الأسلحة فى الكنائس والأديرة بعيدا عن أعين الدولة، وأنهم ينوون إستعمالها ضد المسلمين فى يوم من الأيام. وإذا كانوا يقولون أن الأقباط أقلية لا تتجاوز ٤-٦ فى المئة من عدد السكان فكيف تستطيع هذه القلة مها كانت قوتها المزعومة أن تهدد الغالبية ومعهم الدولة والجيش وقوات الأمن المركزى والشرطة الذين يمتلكون الصواريخ والدبابات والطائرات والبارجات الحربية؟
    ولا أظن أن وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة هما السبب المباشر فى هذا الاحتقان الطائفى. فقصة وفاء قديمة وقد أعلن النائب العام المسلم الديانة وقتها أنها قالت له بلسانها أنها مسيحية وستظل مسيحية وستموت مسيحية وأغلق ملفها منذ زمن بعيد. أما كاميليا فلم يكن هناك شك فى يوم من الأيام أنها تريد تغيير دينها وقد ظهرت فى فيديو وأعلنت بصورتها وصوتها هذه الحقيقة وأصدرالتلفزيون المصرى شهادته بصحة هذا التسجيل.
هذه القضايا أو غيرها لا تعالج بالمظاهرات والهتافات والتهديدات. هناك أمن وبوليس وبلاغات يمكن أن تقدم وقضاء يمكن أن يبت فى مثل هذه الدعاوى.
ولكن يبدو أن وراء الأسباب المعلنة للاحتقان الطائفى هناك أسبابا خفية.
فبالنسبة للعامة من الواضح أنها تخفى فى صدورها مشاعر الغضب من أشياء كثيرة فى المجتع تراكمت معا وسببت ضغطا كان مهيأ للإنفجار لأى سبب. فهناك ضيق الأحوال المعيشية من إنتشار البطالة وضعف الدخول فى مواجهة الغلاء المستفحل. وهذا تسبب فى إنتشار الفساد فى كل مرافق الحياة.  والإنفتاح الإقتصادى قد أفرز فوارقا طبقية وإتساع الفجوة بين الثراء الفاحش والفقر المدقع. وهذا الضيق المعيشى صاحبه إلتجاء للدين، فإزدادت الجرعة الدينية المتشددة وظهر الكثيرون من الدعاة المتطرفين الذين كان همهم الأول شحن الجماهير بالعداء ضد أخوتهم فى الوطن. وطغت النعرة الدينية المتعصبة على مشاعر المواطنة التقليدية.
    هؤلاء المواطنون البسطاء من الاسلاميين السلفيين كانوا جاهزين للتحرك لدى أول نداء يصدر لهم من القادة الإسلاميين أو ما يسمونهم بالنخبة.  وقد جاء التحريض فى الحوار الذى أجراه الدكتور العوا على قناة الجزيرة وأثار خلاله إدعاءات لا أظنه هو شخصيا يصدقها. وقد يكون السبب الحقيقى لغضب هؤلاء القادة الإسلاميين من الأقباط هو إعلان بعض الأساقفة تأييدهم للنظام وللتوريث بينما كانوا هم يأملون أن يحدث تغيير يؤدى إلى صعود الإسلاميين للحكم.  أما النخبة غير المتأسلمة فحتى الآن يبدو صوتها خافتا إلا من بعض الأصوات الجريئة القليلة وقد يكون هذا راجع إلى أنها تتحاشى التصادم مع التيار الإسلامى العنيف.
    أما الدولة فيبدو أن لها حسابات مختلفة. فبعد قيام المظاهرات العنيفة ضد الأقباط لاحظنا أن رد الفعل لدى السلطات كان فاترا للغاية مما جعل الكثيرون يتساءلون فى قلق أين الدولة؟ ولماذا لم تتحرك كما هى عادتها لوقف هذا الغضب قبل أن تندلع الشرارة وتنتشر بطريقة لا يمكن معها إحتواء النيران؟
    ولكن يبدو أن الدولة أرادت أن توجه رسالة مزدوجة. فبالنسبة للمتظاهرين يبدو أن رسالة الدولة هى الإيحاء لهم أنهم ما داموا يتظاهرون ضد الأقباط فالدولة لن تتصدى لهم لتثبت أنها لا تأخذ جانب الأقباط، وأنها فى مجال الدفاع عن الإسلام لا تقل عنهم غيرة.
    أما بالنسبة للإقباط فكانت الدولة تريد أن تعطيهم مذاقا لما يحمله الإسلاميون من كراهية نحوهم. وكانت تريدهم أن يختبروا شيئا من الرعب يعبر عن ما يمكن أن يحدث لو حكم الإسلاميون مصر. وفى نفس الوقت تريد أن تثبت لهم أنها هى الوحيدة القادرة أن تحميهم من هؤلاء الأعداء الذين يريدون أن يأكلوهم أحياء. والهدف طبعا أن تضمن الدولة تأييد الأقباط للنظام وللتوريث.
    فى الختام كلمة أقولها لجميع الأطراف: إرفعوا أيديكم عن الأقباط. إتركوا الأقباط بعيدا عن مؤامراتكم وصراعاتكم وحذرا من أن تستخدموهم فى لعبتكم للوصول لأغراضكم الخاصة.
    وتمنياتى أن تضطلع الدولة بمسئوليتها لحماية جميع مواطنيها ولا تلجأ للعب بالنار لأن النار إذا إشتعلت قد تكون هى أول ضحاياها.
    وعشت يا مصر سالمة آمنة لكل أبنائك.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :