بقلم - محمود بسيوني 
حينما ظهرت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان كان الهدف الأسمى لها هو صنع عالم يحترم حق الإنسان في الحياة والتعبير والصحة والتعليم والتنمية والاختيار، وحرية العقيدة إلى أخر المبادئ التي جاءت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ومع الوقت تحولت من أداة لرفاهية البشرية إلى سلاح في يد دول العالم الكبرى تعبث بها مع باقي دول العالم الفقيرة أو التي تسعى لاستغلالها، وحينما ترضى عن سياسة دوله تنتهك حقوق الإنسان تغض الطرف عنها بل وتستكمل مساعدتها طالما تسير في فلكها.
 
لنكن أوضح ونذكر أمثلة ساطعة على ذلك في نهاية التسعينات حينما سئلت مادلين أولبرايت عن وفاه أكثر من نصف مليون طفل من جراء الحصار الاقتصادي على العراق قالت انه ثمن مناسب للحصار، لم تخرج منظمات حقوق الإنسان او الصحافة الغربية لتنتقد أو تقف أو تطالب بمعاقبة الولايات المتحدة لأنها فوق النقد ! 
وفى عام 2009 كنت في زيارة للولايات المتحدة وسنحت لي فرصة مقابلة ملك الصحافة الاستقصائية في العالم بوب ودورد صاحب الكشف عن فضيحة ووترجيت وسألته عن كتبه الثلاث الذي انتقد فيهم بوش وإدارته بعدما اكتشف العالم زيف دعاوى غزو العراق، قلت له نصًا هل انتهى سحرك ، لقد كتبت عن الرئيس نيكسون تحقيقات استقصائية فانتهى سياسيا وكتبت ثلاث كتب عن إدارة بوش واستكمل مدته الرئاسية ..ما تفسيرك؟ فكان رده لو حاكمنا بوش وهو يستحق كان يجب أن نحاكم معه النظام السياسي الأمريكي بالكامل وهذا مستحيل.
 
ملخص الأمر إننا أمام انتقائية في التعامل مع دول بعينها لا تسير على الطريق المرسوم أمريكيا، وحينما لا ترغب أن تظهر الولايات المتحدة في الصورة للمحافظة على علاقتها الدبلوماسية تبدأ المنظمات الحقوقية الدولية مثل هيومان رايتس ووتش التي تأسست في سنة 1978 للتحقق من أن الاتحاد السوفيتي يحترم اتفاقات هلسنكي، ثم اندمجت معها منظمات أخرى لتمارس نفس الدور بشكل موسع ضد الدول التي تخالف النهج الأمريكي في العالم.
ثم تحركت الولايات المتحدة في مجال التمويل للمنظمات الحقوقية ونجحت خلال الفترة ما بين 2004 الى 2011 في صنع جيل كامل تابع لما تقوله هذه المنظمات ومروج لأفكارها وفى القلب منها إثارة قضايا التعذيب لشل حركة أجهزة الشرطة، ثم الدفاع عن المتهمين في قضايا الإرهاب وصولا إلى الترويج لفكرة الشذوذ الجنسي تحت لافته "حرية التصرف في الجسد أو الحرية الجنسية، وليس من الصعب الآن أن تجد في هذه الأوساط من يتحدث عن حقوق المثليين باعتبارها حق غير قابل للانتقاص رغم أنها تتصادم مع الأديان.
وحينما سقط حكم الإخوان ورفضت مصر الإملاءات الأمريكية ، بدأت الولايات المتحدة بمعاقبة مصر سياسيا وإعلاميا وحقوقيا، ولان الإرهاب المتنامي في سيناء لا يمكن مواجهته بدون الجيش المصري فكان الإفراج على مراحل عن السلاح المتوجه لمصر بعد حظره عقب فض رابعة، ولعل هذا ظهر في المحاولات المستميتة لإظهار نظام الحكم في مصر بأنه قمعي ويقوم بتعذيب المواطنين وإخفائهم ثم مؤخرا قتلهم بعد تعذيبهم للأجانب كما في حالة الشاب الإيطالي جوليو ريجينى.
فرغم عدم معقولية اتهام أجهزة الأمن المصرية في ذلك إلا أن التعامل الإعلامي الغربي بدأ في دس السم في الأخبار التي تتابع الحادث لتصنع لمصر أزمة مع ايطاليا ومع الغرب.
وكان للمراسلين الأجانب في مصر دور البطولة في هذا التلاعب فكما روى الكاتب الصحفي ماجد حبته قصه الفبركات التي يقوم بها المراسلين الاجانب في موضوع الشاب الإيطالي قال ان صحيفة " نيويورك تايمز "الأمريكية" نشرت تقريراً، تضمن معلومات "مفبركة"، عن شاب "إيطالي" لقى مصرعه في "القاهرة"، ونقل موقع "أصوات مصرية" التابع لوكالة رويترز "البريطانية الأمريكية" تلك المعلومات "المفبركة". 
وعن الموقع "البريطاني الأمريكي" نقل موقع البداية "المصري" ونشر تقريراً عنوانه: مسؤولون مصريون لـ«نيويورك تايمز»: الشرطة احتجزت جوليو ريجيني قبل مقتله لأنه كان «وقحًا» مع الضباط وظنوا أنه جاسوس وكل الوقائع الواردة في القصة منسوبة إلى "مصادر" مجهولة، من رابع المستحيلات أن يكون لها وجود إلا في "خيال" كاتب التقرير فلا يعقل ان ثلاثة مسؤولين أمنيين مصريين سيعترفون "ضمنيا" لـ"مصري يراسل جريدة أمريكية" بمسئولية الداخلية عن مقتل مواطن إيطالي . 
نفس القصة تظهر في تقرير اخر نشرته قال "ستيفاني توماس" عبر وكالة رويترز و كانت تغطى احداث التحرير ولديها نفس العلاقات مع نفس النشطاء التي نقلت عنهم ان هناك تحالف سيظهر قريبا بين الاخوان ونشطاء اليسار وان ذلك يهدد الحكم في مصر ، وعلى الفور تعاملت معه المواقع الاخبارية المصرية والعالمية على انه امر مسلم به رغم ان كل الشواهد تؤكد ان ذلك التحالف متحقق بالفعل وليس جديدا حتى تبنى عليه الصحفية تقريرا يحمل هذا العنوان.
 
المؤكد ان بطء حركة الدولة المصرية في التعامل مع الاعلام الخارجي وتخبط الاعلام المصري هو السبب في تفاقم هذه الازمة ، فيما يشبه التسليم بان المواقف الغربية لن تتغير طالما وضعت هدف لها هو النيل من الاستقرار في مصر وجرها مرة اخرى للفوضى التي تعم المنطقة، رغم ان هناك ما يمكن ان نبنى عليه اعلاميا في الخارج عبر طرح رؤى واصوات صحفية جديدة لوجهة نظرها عبر اللقاءات المباشرة مع صحفيين كبار في الصحف الغربية التي لا تتحكم فيها السياسة الخارجية الامريكية ، ويمكن الاستفادة في المواجهة بالتواجد الدولي الكبير للدول الحليفة مثل روسيا والصين وغيرها من حلفاء مصر ، لكن للأسف لايزال ملف الاعلام يبحث عن حل وافكار جديدة تمكن الدولة المصرية من كسر تلك الكماشة.