تأملات من وحى القمر الهارب
بقلم: محبة مترى
قمر تائه يا اولاد الحلال ...اشعر انى اكاد اسمع صوت المنادى يبحث عن القمر المختفى....فقد ضحكت عندما قرأت عن اختفاء القمر ايجبت سات1 , عن مداره وفقدان التحكم به من المحطة الارضية...وبالرغم من ان الخبر محزن فان شر البلية مايضحك فلم اتمالك نفسى من الضحك فقد كان هذا اخر ماينقصنا وهو اختفاء القمر والذى ينفق عليه سنويا 30 مليون دولار , وكان العلماء الاوكرانيين قد قاموا بتدريب العلماء المصريين على تشغيله والتحكم فيه ثم تركوه امانة بين ايديهم وعادوا الى بلادهم ومن بعدها حدث ماحدث , وتساءلت اين اختفى القمر؟
هل ياترى اختطف؟ ام ضل طريقه؟
هل ذهب الى اوكرانيا وحن الى مسقط رأسه؟
ام هرب بجلده من مساره المرسوم متمردا عليه ليجرب حظه فى مسار آخر لدولة غنية ؟ حتى انت ياقمر؟!!!
ام مما شاهده وصوره عن بلدنا الحبيبة من صور صادمة قد لاتعجبه ؟ وقد كان يظن ان له الشرف فى تصوير جيولوجيا ارض الفراعنة ؟
ام ربما انزعج عندما سمع شكوى الناس وسجل معاناتهم من ارتفاع الاسعارالجنونى واخرها الطماطم فكانت كالقشة التى قصمت ظهره فلم يحتمل وذهب جوعانا بغير رجعة ؟
ام سرقه لص لوحة زهرة الخشخاش عندما علم انهم لايعاقبون اللصوص كبار الحجم؟ فان سرقت (اسرق قمر) بالمرة؟
ام ربما يكون اختطفته عصابة ونش مترو الانفاق الذى اختفى منذ فترة طويلة تمرست فيها العصابة على السرقات الاكبر والاعقد بعدما عرف افرادها كيف يطوون الونش مثل قطعة قماش صغيرة فى الجيب ويخفونه ؟
ام هل علم ان الدلتا فى طريقها الى الغرق وظل يطلق التخذيرات وصفارات الانذار لعل احد يستيقظ فى هذه البلد ويفعل شيئا الا ان اصواته ذهبت ادراج الرياح لان كل مافعلوه هو انهم نقلوا الينا نحن المواطنين البسطاء هذه التحذيرات ولم يفعلوا شيئا كأن الامر لايعنيهم فدورهم ابلاغنا ونحن نتصرف بان نستعد بسفن عائمة مثل فينيسيا او نتعلم العوم ؟ فاصابه الجنون ؟
هل انتحر القمر ليرتاح مما سمعه ورآه فلم يتحمله؟ فتمرد على صانعيه العلماء واراد ان يثبت لهم ان لديه ايضا الذكاء والارادة ليتحرر مثلما هجره فريق العلماء المصريين ,باحثين عن دول تقدر علمهم بالاموال والمكانة اللائقة ولاتجمد خبراتهم وعلمهم ومهاراتهم فى الثلاجة وقد تركوه حزينا كئيبا شريدا بدون هوية ؟ فلا يعرف اذا كان مصرى ام اوكرانى؟
وماذا لو سقط القمر؟ واين سيفعلها ؟ وهل سطح عمارتنا سيتحمله لو اراد هبوطا اضطراريا فينزل فى ضيافتنا؟
وياتري ماهو حجمه لنستعد لهذا الحدث الجلل؟ فكل معلوماتى عن الاقمار الصناعية لاتتعدى سوي برنامج google earth .
ولكى اقطع الشك باليقين قمت بتشغيل البرنامج وذهبت من خلاله الى الحى الذى اقطن به وحركت المؤشر يمينا ويسارا الى ان وصلت الى سطح العمارة التى اقطن بها , لم يعجبنى شكلها من اعلى كنقطة صغيرة وسط هذا الحشد من المبانى الاسمنتية التى اصبحت تحجز الشمس والهواء بسبب ارتفاعها وتلاصقها فى شوارع ضيقة فلم يتركوا فيها ثقب ابرة دون بناء , اخذت اقترب اليها اكثر لعلنى اشاهد ماذا يلقى جيراننا فوقها من مخلفاتهم القديمة التى يستغنون عنها ولكن فى نفس الوقت اوفياء لها يعتزون بها لدرجة تصويرها بالاقمار الصناعية, فاكتشفت انها ليست عمارتنا فقط كذلك بل كل العمارات المحيطة بهذا الشكل ,ابتسمت عندما تذكرت ان بعض المخلصين وخاصة ممن يعيشون بالخارج اقترحوا ان نتغلب على ازمة اسعار الخضر بزرعها على اسطح العمارات فى اصص مناسبة وبطرق بسيطة فنضرب عصفورين بحجر بكون لدينا اكتفاءا ذاتيا وفى نفس الوقت نواجه جشع التجار وقد نسوا ان جشع التجار يمكن مجابهته اما عاداتنا المصرية فلصيقة بنا الى الممات مهما تطور العالم من حولنا.....الابتسامة تحولت الى مرارة عندما شاهدت على السطح فرن لصنع الخبز البلدى خاص بجارى ساكن الطابق الاخير وعدد من اسطوانات البوتاجاز المتراصة متجاورة والذى مازالت زوجته الجامعية تستعملها مثلما كانت تحيا بالريف ونسيت انها الان تقطن بالمدينة الجميلة وبمنطقة راقية وليست شعبية ولا عشوائية مع علمها بخطورة ذلك بجوار انابييب الغاز الطبيعى وحمدت الله انها لم تستخدم اسلوب جدتى فى اشعال الكانون بالحطب , مع ركن خاص استولت عليه بوضع اليد لجلسة خاصة لزوجها لشرب الشيشة فظهرت هنا ثقافتها فى ان تبعد صغارها عن دخانها فاصبحت تخشى من دخان الشيشة ولاتخشى من دخان الحرائق ,اما فى فى الاعياد فيتم استخدام السطح فى ذبح الحيوانات بدلا من ان نشغل وقت السلخانة بكل هذا الكم من الذبائح اذا فلماذا وجدت اسطح العمارات؟ وعلى المتضرر ضرب رأسه فى اقرب حائط اذا شعر باى رائحة غير محببة او لاسمح الله حدث تلوث او لاقدر الله تسربت دماء الذبيحة الى البالوعات فملأت الشقق بالمخلفات الدموية واعادتنا الى العصور البدائية..
خرجت من تأملاتى التى اتعبتنى وقلبت على المواجع وشعرت باليأس من اصلاح اى شئ فاذا كنا نحن المصريين نود الهروب من واقعنا المر فهل نستكثر على قمر صناعى الهروب وقد كان منشاه جمادا ولكن من كثرة مما عاينه وشاهده قد تحركت مشاعره واحزانه اشفاقا علينا...
امسكت بصحيفة المصرى اليوم واندمجت فى السلسلة الحوارية الرائعة مع الدكتور فاروق الباز ..الملك كما يطلق عليه علماء ناسا .... شعرت بمعنوياتى ترتفع ...كم هو عظيم فى ادبه الجم واخلاقه العالية مثلما هو عظيم ومتفرد فى علم الجيولوجيا....قرات كلماته فهمت لماذا وكيف وصل لهذه المكانة العالمية ,شغف شديد وحب لمجاله واجتهاد وتكريس حياته للعلم الذى احبه منذ ان كان طفلا يكتشف ويحلل ويبحث كل ماتقع عليه يديه من البيئة المحيطة من صخور الارض ورمالها ...الى ان التحق بالجامعه فقام بتدريسه اساتذة لايقلوا عنه فى حب العلم والامانة والضمير فانتجوا هذا العالم الكبير كبذرة نمت وترعرعت بالخارج على نفس المنهاج ولكن مع اتاحة كل الامكانيات لباحث شاب وجيولوجى نابه وذكى , حياته هى الحجر والتربة اللتان جعلهما حبه يبوحان له بكل اسرارهما ولو كان ظل بمصر كان اقصى ماوصل اليه مدرس باحد المعاهد فى غير تخصصه وكان الان محالا على المعاش بدون اى استفادة من خبراته ... ومن المحزن حقا ان نرى هذا الجيل البائس من الشباب خريجى كليات العلوم او مايماثلها يعمل كبائع بيتزا او مندوبا للمبيعات ولم ولن تتاح لهم الفرص التى اتيحت من قبل ايام الزمن الجميل الذى كان يزخر باناس يحملون معانى الشرف والضمير وحب الوطن ...ولا اعرف اى مستقبل ينتظر الجيل الحالى من اطفالنا...
ومن خلال هذا المقال اناشد القمر ان يعود فورا ويعود معه الامل .....فهل احد منكم يعلم اين اختفى القمر؟؟؟ وماذا رأى ؟ وأعدكم بالسرية المطلقة . !!!!
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :