د.صموئيل فكرى
اليوم و بعد غياب طويل عن التدوين اعود اليكم بمقالة جريئة وشائكة وصريحة عن "الطلاق" في نصوص الانجيل، فدعونا معاً نخوض الرحلة الكتابية المسيحية في الطلاق وبتفسير لغوي وتاريخي ونصّي دقيق.
اولاً: ما جاء بإنجيل يسوع المسيح بحسب البشير متى 5 و 19:
ففي متى 5 يتحدّث المسيح بخطاب العرش وعظة الجبل عن مواضيع كثيرة ولكن من 31- 32 يتحدّث فقط عن الطلاق وقبلها عن الزنا وبعدها عن القسم، ويستخدم هنا كثيراً تعبير: سمعتم انه قيل.. وأما أنا فأقول لكم، هذا يعني بداية عهد جديد وثورة جديدة وعمق جديد وحياة جديدة يجب ان نحياها بعيداً عن اقاويل الناس التراثية وعاداتهم وامثالهم بل حياة بحسب الحق، وهنا يقول:
وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق.وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي.
وللتعمّق اكثر دعونا نذكر ما جاء بمتى 19 في تعليم يسوع عن الزواج والطلاق:
وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ قَائِلِينَ لَهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟» 4 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًاإِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ». قَالُوا لَهُ: «فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟» قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي».
والخلفية التاريخية هنا كانت توضّح الخلاف بين اليهود بين مدرستي شمعي وهليل حول تفسير ما جاء في تثنية 4: 1 - 4، حيث آمن اصحاب مدرسة شمعي بأن عبارة "اكتشف فيها عيباً ما" وتشير إلى علّة الزنى وهو السبب الوحيد الذي يسمح بالطلاق، غير ان هليل سمحوا بأن يطلّق الرجل زوجته إذا فعلت أي شيء يستهجنه حتى إذا تسبّبت في حرق الطعام اثناء الطهي، ومن الواضح أن الرب يسوع أيّد اكثر مدرسة شمعي(متى19: 9)ولكنه فعل ذلك بعد أن أشار إلى النموذج الإلهي الأصلي للزواج وهو زواج رجل واحد بإمرأة واحدة فيتكوّن الجسد الواحد وهذا ماذكر ايضاً في سفر التكوين بالتوراة1 و 2.
وفي الترجمة العربية المبسّطة يذكر ويوضّح بنص الاصحاح الخامس بأنك تعرّض زوجتك لإرتكاب الزنا إذا طلّقتها دون أن تكون قد زنت. وفي نص الاصحاح التاسع عشر بنفس الترجمة يصرّح بأن كل من يطلّق زوجته إلا إذا زنت ويتزوّج بأخرى يرتكب الزنى.
وفي ترجمة MSG الإنجيليزية يقول عن نص الاصحاح الخامس:هل تذكروا قول الكتاب: "من يطلّق امرأته، دعه يفعل ذلك قانونياً، فيعطيها وثيقة طلاق وحقوقها القانونية"؟، وكثيرون منكم يستخدمون ذلك غطاءاً لأنانيتهم ونزواتهم، ويدّعون ويتظاهرون ببرّهم لأنهم فعلوا ذلك قانونياً، ولكن لا تظاهر بعد من فضلكم، إذا طلّقت امرأتك فأنت مسئول ان تجعلها زانية إلا إذا جعلت نفسها كذلك بإرتكابها الزنا، وإذا تزوجت بأخرى زانية مطلّقة فأنت تلقائياً تزني. فلا تستخدموا غطاء قانوني لتغطية فشلكم وفسادكم الاخلاقي.
وفي ذات الترجمة لنص الاصحاح التاسع عشر يقول: لقد منح موسى بالطلاق تنازلاً لقساوة قلوبكم، ولكن هذا ليس بحزءٍ من خطة الله الاصلية. ستصبح مُدان وعرضة للزنا إذا طلّقت زوجتك الامينة وتزوّجت بأخرى. والاستثناء هنا في حالات ارتكاب زنا احد الزوجين.
ويقول المُفسّر ماك آرثر بأن الرابيين اليهود تعاملوا بتحرّر مع نص تثنية 24 مجملين بأنه يسمح للرجل بالطلاق لأي شيء لا يسعده في زوجته، ولكن موسى كتب هذا في الشريعة لحماية حقوق المرأة المطلّقة وليس لتبرير الطلاق تحت أي ظروف.
ويستطرد قائلاً إذا كان الطلاق لغير علّة الزنا الجنسي فأي زواج يعتبر زنا لأن الله لا يعترف بالطلاق وقيل عنه في القديم "يكره الطلاق". لم يفهم اليهود نص تثنية 24 فهم دقيق فهو لم يكن وصية للطلاق كما يقول الهليليين البراجماتيين.
ويصرّح ماك آرثر تعليقاً على "قساوة قلوبكم" بأن الطلاق المفر والملجأ الاخير الوحيد لكل من تقسّى قلبه من جرّاء الفساد والشر والسقوط في الزنا والنجاسة الجنسية خارج الزواج.
وتأتي قساوة قلوبكم باليونانية في هذا النص SKLEROKARDIA أي تصلّب القلب وهي نفس الكلمة العلمية لتصلّب الشرايين وهذا توضيح رائع لقساوة القلب ويحذّر بولس كل من تقسّى قلبه ولم يتب يذخر لنفسه غضب في يوم الغضب واستعلان دينونة الله وأدعوك عزيزي القاريء ألا تستهن بغنى لطف الله وإمهاله وطول اناته فهو بذلك يقتادك إلى التوبة بلطفه.
قد تزني بحلّك عهد الزواج الاصلي وطلاقك لأسباب تافهة والزواج مرة ثانية - تفسير HCSB
لم يوصي موسى بالطلاق، ولكنه سمح، وهذا محل الخلاف بين بعض الفريسيين ويسوع. فلم يكن طلاق منذ البدء. فقط سُمح به بعد أن دخلت الخطية وتقسّت القلوب. ولقد سمح يسوع ايضاً بالطلاق والزواج الثاني فقط إذا كانت هناك خيانة زوجية بارتكاب زنا خارج إطار الزواج لأن الخيانة الزوجية بعلاقة جنسية لغير الزوج تدمّر اتحاد الجسد الواحد في الزواج.
يُتبَع....للحديث بقيّة.