بقلم: محمود بسيوني
 
لا اعلم لماذا شعر صلاح يوسف رئيس الإدارة المركزية للبحوث الضريبية بمصلحة الضرائب المصرية ، بالخوف بعد تصريحاته عن دراسة المصلحة فرض ضرائب على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أسوة بقرار المملكة المتحدة الذى ألزم الموقع الشهير بتسديد الضرائب، ودفعه خوفه او اوامر عليا في وزارته بإصدار بيان يكذب فيه نفسه ويؤكد ان الحكومة تدرس فرض الضرائب على التجارة الالكترونية فقط !

من حق مصر اسوه بدول كثيرة بدأت في محاسبة مواقع التواصل الاجتماعي على ارباحها من استخدام مواطنيها ، فبحسب تقرير نشرته هيئة الاذاعة البريطانية "بى بى سى " ستقوم شركة فيس بوك بدفع ملايين الدولارات للمملكة المتحدة عن معظم ارباحها من الاعلانات التي تقوم بها الشركات البريطانية على موقع التواصل الاجتماعي واجراء إصلاح جذري للهيكل الضريبي يتماشى مع الاليات المطبقة في بريطانيا ، ، وهو ما يحدث في الهند وقبلها في الامارات وهى الدول التي بدأت تراجع علاقتها الاقتصادية بمواقع التواصل الاجتماعي ، حيث يلجأ الفيس بوك، إلى إدارة موقعها من إيرلندا التي تعتبر إحدى دول الملاذات الضريبية والتي تفرض ضرائب بنسبة منخفضة جدا عن الإيرادات التي تحققها الشركات العاملة على أرضها تصل إلى نسبة 12.5%.

مطالبة مصر بحقها من فيس بوك هو حق اصيل للحكومة والدولة والمواطن ، لا علاقة له بأي بعد سياسي ، او بكون الفيس بوك منصة للهجوم على الحكومة او النظام ، بل محاولة جادة ومتأخرة لتقنين لوضع خاطئ امتد منذ ظهور هذا الموقع في مصر وحتى هذه اللحظة .

وخلال حوار طويل دار بيني وبين الصديق الرائد خالد أبو بكر، المتحدث باسم مجموعة الجيش المصري الإلكتروني، اكد لي ان المصريين  ينفقون سنويًا أكثر من 250 مليون دولار على إعلانات الفيس بوك، وأن الفيس بوك مع توسعاته المستقبلية سيتحول مع الوقت إلى فجوة اقتصادية جديدة تختفى فيها العملة الصعبة عبر ما يدفعه المصريون مقارنة بما يدفعه أقرانهم في الدول العربية والأفريقية، حيث تنفق مصر أضعاف غالبية الدول العربية والأفريقية، حيث تنفرد مصر بصدارة الاشتراك في الفيس بوك بحوالي 27 مليون مستخدم.

واستبعد ان يكون لدى الدولة أي إمكانية لضبط الإنفاق في هذا القطاع، الذى لا يعود على الاقتصاد الوطني بأي استفادة مالية ، إضافة إلى أخطاره الأمنية ، ووافقت ابو بكر على اهمية ان تنتبه الحكومة والبرلمان لأهمية تقنين وضع مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وجوجل وتويتر وضرورة وجود اتفاق ملزم مع الشركة وفتح مكتب لها في مصر بما يسهل على الدولة محاسبتها ضريبيا وكذلك تسهيل المهمة امام الاجهزة الأمنية معرفة الحسابات المحرضة أو الداعية للعنف ومروجة الشائعات، ومحاسبتها على غرار الاتفاق الموقع بين الشركة وبين دولة الإمارات العربية المتحدة لحفظ الأمن في مصر.

بالطبع الامر ليس بهذه السهولة ..اعلم ذلك جيدا ..واعلم انه سيحتاج الى تشريع يحاسب الشركات متعددة الجنسيات ، بل سيتطلب ذلك مراجعة وتعديل كافة الاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر والخاصة بمنع الازدواج الضريبي، من أجل محاسبة تلك المواقع على ارباحها  التي تحققها داخل مصر ، بل ان هناك خبراء حذروا من ذلك سيتسبب في استنزاف عملتنا الاجنبية في تحويل أرباحها للخارج.. الا ان هذا الوضع يبدوا مزعجا اذا ما سلمنا به لاستمرار هذا التعامل المتعالي مع الدولة المصرية خاصة واننا من كبار مستهلكي هذه الخدمة في الشرق الاوسط .

القضية هنا مرتبطة بحق الدولة في حماية حقوق الشعب المهدرة ، خاصة وان عالم السوشيال ميديا والتجارة عبر الانترنت يتسع يوما بعد يوم ولا يوجد تشريعات مصرية تتعامل مع الشق الاقتصادي والأمني لهذه الظاهرة ، كما ان خوف الدولة من هروب الاستثمار الأجنبي يضعها تحت ضغط متواصلة وابتزاز مستمر تضيع خلاله حقوقها بعكس ما تقوم به بريطانيا والهند وقبلهم الامارات في هذا المجال ونجحت فيه في فرض ارادتها على الشركة ، خاصة وان تعنتها لن يكون في صالحها ، فالسوق المصري وملايين المشتركين على مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن خسارتهم بسهولة وبالتالي على الشركة ان تراجع نفسها ..وعلى الحكومة ان تكون اكثر قوه في المطالبة بحقوقها ، كما ان الرأي العام المصري سيؤيد الحكومة في هذا المنحى ، خاصة وان هناك دول وشعوب اخرى سلكت هذا الطريق من اجل الحصول على حقوقها من الشركات العابرة للجنسيات .

الامر يحتاج الى جرأة وشجاعة في المطالبة بالحق ، خاصة وان الفيس بوك يحتكر خدمة ولا يدفع ما يستحق عليه من ضرائب للدولة عن ما يبثه من اعلانات ، وتعتمد عليه صحف ومواقع في تسويق انتاجها اليومي دون ان تحقق أي عائد بينما جوجل وفيس بوك يحصلون على نصيب الاسد من مجهود العاملين في هذه المواقع ، وفى الوقت نفسه يمكن التفكير في ايجاد بديل مصري يمكن الاعتماد عليه ويكون اكثر امنا وفاعلية للحفاظ على خصوصية المستخدمين بالمقارنة بفيس بوك الذى كان اداه فعالة في خدمة الارهاب واشاعه الفوضى خلال السنوات الماضية ، فلم نجد منه أي تعاطف مع ما يحدث في مصر مثلما قام بتغيير شعاره وتوفير خدمات فورية لمواطني فرنسا لطمأنتهم عقب تعرضهم لهجمة شرسة لا تقارن بما تعرضت له مصر ، بالتأكيد هناك تمييز في المعاملة  ، فمصر لا تصنف بين الدول المهمة للشركة ، ولذلك يجب علينا كمجتمع ودولة ان نحصل على حقنا في التمييز وفى المكاسب التي يحصل عليها من جيوبنا دون ان ندرى .