د. صمويل طلعت فكري
هذا ليس حدثا واقعيا شاهدته، بل مشهد متكرّر ونموذج لما يحدث في مصر من حالة من الركود والانحدار، دعني اسرد الحكاية بدون تعليق:

ذهبت لشاطيء فندقي بالغردقة ولم أجد سوى اسرتين مصريتين يتواجدان بالشاطيء واحدة عن يميني واخرى عن يساري، واول ما وصلت الشاطيء لآخذ مقعدي والشمسية واستجم واقرأ الكتاب الذي عزمت قراءة بعض الفصول منه في جلوسي تحت آشعة الشمس تفاجئت بصراخ بصوت مرتفع للزوجة الموجودة بالاسرة التي على يميني تقول لزوجها مللت الجلوس لوحدي لماذا لا تنظر اليّ وتكتفي بالنظر ومشاهدة فيسبوك ومتابعة الاخبار ولماذا لا تبتسم كفاك متابعة لاخبار السياسة والاقتصاد اتينا لننسى كل شيء ونجلس معاً ونحن نفتقد هذا الوقت والجلوس معاً لعملي الشاق بالشركة وببيتي مع الاولاد وبعملك الشاق الذي قد يستمر لأكثر من ١٨ ساعة بحثاً عن لقمة العيش ومستقبل افضل للاولاد ولماذا لا تجلس مع اولادك من اتوا معنا ولا تنزل معهم وترافقهم بوقت السباحة والخروج ولا تتحدث معهم عند وقت الغذاء هل عرفت كل جديد يحدث بالمنزل ولماذا لا تسأل عنّا وتهتم بنا؟؟

ابنك فاشل دراسياً والآخر مدمن للحشيش وابنتك لا اجدها في البيت سوى على شاشتها الصغيرة بالدردشة على واتساب وسناب شات او الاتصال هاتفيا بمجهولين لا نعلم من هم ولماذا تتحدث اليهم اين انت ايها الاب واين دورك؟ فأجابها الا تعلمي اني اتابع الاخبار لاني لي اسهم بالبورصة ومازلت اخسر ولي ارصدة بالبنوك بالجنيه ولازالت تقل قيمته ولي محلات للمجوهرات وقد ارتفع سعر شراءه وقلت الزبائن ولي محلات لبيع الملابس والاحذية وارتفعت الاسعار فقل الاقبال واختفى زبوني من البلد ولا اعلم اين ذهب حتى العرب والاجانب لم اعد اراهم،فهل لازلتي تسأليني اين انا؟ انا مرهق ومنهك ومكتئب وحزين ويائس وفاشل ومرتعب من مستقبلنا وافكر في الهجرة ولست انا الوحيد من يفكر بل كل من اراهم يفكرون في الهجرة ولو لدولة نامية اخرى!

فقالت له دعنا نسافر باي فرصة سفر سانحة ولكن ماذا عن ابنك المطلوب للتجنيد بعد دراسته سنفقده ونتركه اذا سافرنا وهو لم يعد بقادر على العيش وحيدا ومخنوقا اكثر مما هو فيه لذا لا داعي للسفر الا بعد ان يُعفى من الجيش ولكن كيف إما بعلاقات رفيعة او رشوة كبيرة او طريقة غير قانونية او وسيلة من وسائل الهروب خوفا عليه من الجندية ومتطلباتها وضياع عمره في خدمتها ويترك تعليمه ودراساته العليا وعمله وخطته في تكوين مستقبله حتى يقدر على الارتباط وتكوين اسرة كريمة ولكن دعنا نبحث عنا ونجلس معه ونصادقه ونهتم بصحته النفسية وانصحك بان تقنعه بالذهاب لطبيب نفسي، ومرّت امرأة اجنبية قد تبدو روسية الجنسية ورأيت نظرات شباب الاسرتين عليها بعيون جاحظة وشهوانية تنبع من كبت وحرمان ونفوس غير سوية ومفاهيم غير صحيحة عن المرأة واعتبارها جسد بلا عقل او انسانية، وتفاجئت بالاسرة التي على يساري يصرخ رجلها وهو ملتحي ويقول استغفر الله العظيم اعوذ بالله حرام يا كفار ما تروحوا تقلعوا في بلادكم ايه الفجر والخلاعة والنجاسة دي!

ورأيت نزاع بين الاسرة التي على يميني مع الاسرة التي على يساري في فقه وحكم الحرام والحلال وصلت الى صراع وتشابك بالايدي والالفاظ السوقية والتهكم والسخرية كل واحد للآخر حتى وصلت لجرح احدهم برأسه جرح عميق واصابته بنزيف حاد ادى به الى الموت ولم تصل عربة الاسعاف او الشرطة الى موقع الحدث حتى بعد موت الجريح الضحية بعد صراع حواري دون اي قواعد منطقية راقية اخلاقية للحوار. ولم اقدر على استكمال اجازتي هناك فرجعت وازداد تعبي واكتئابي وخوفي على مستقبل بلدي واولادي و زوجتي وكياننا الاسري ومن عدم وجود امان واستقرار وسعادة في الشارع وفي نفوس المصريين ومن صعوبة الوضع وتدهور السياحي والاقتصادي والاجتماعي والاخلاقي وحتى الروحي والديني حتى عدنا لا نقبل بعض باختلاف افكارنا ومذاهبنا وتوجهاتنا السياسية والدينية وعنا نصنّف الناس بافكارهم واحوالهم ومستواهم الاجتماعي ولم اعد ارغب بالبقاء بمصر بتأزم الاوضاع بعد فوضى ما بعد ما سميناهم ثورتين واحلامنا التي تبخرت بواقع أليم ومرير وقاسي دون وجود كرامة انسانية وحرية فكرية وعدالة اجتماعية وثورة اخلاقية ونهضة علمية.

ولم تسلم حادثة القتل من مواقع التواصل الاجتماعي ونشرات الاخبار وبرامج التوك شو وظنونهم واتهاماتهم وسلبية المسئولين واحباط المشاهدين. فهل لازالت هناك قيمة للمواطن المصري وهل يُعامل كإنسان ونفس؟ وهل سعادته وعيشه اولوية للحكومة والسلطة المصرية؟ وهل التغيير يحدث بشكل جذري و واقعي ملموس للمواطن الفقير المسكين المكتئب المحبط؟ 
www.samfikry.com