الأقباط متحدون | خصائص الإنسان الأساسية -2: المحبة والإنجذاب
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٦:٤٠ | الجمعة ٥ نوفمبر ٢٠١٠ | ٢٦ بابة ١٧٢٧ ش | العدد ٢١٩٧ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

خصائص الإنسان الأساسية -2: المحبة والإنجذاب

الجمعة ٥ نوفمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: راندا الحمامصي
    ليس كافياً لك أن تنجذب، بل إن ما تنجذب إليه هو الأهم. فالمحبة السليمة نراها تميل طوعاً إلى الجمال والوحدة والتطوّر. إننا لا نفهم الجمال حق الفهم، فأول ما يطرق فكرنا وعيننا عادة ما يكون جمال المظهر في الإنسان أو في الأشياء أو جمال الفكرة، ولكننا ما أن ندخل في الأعماق لنرى جوانب أخرى من الجمال أكثر أهمية، هناك فقط نرى أن الجمال كائن في كل مخلوق وموجود في أركان الحياة وفي فضاء الكون، وندرك بأن الكون الخارجي جميل بمثل جماله في داخل أنفسنا، وأنه مرغوب وسارٌّ ومبهِجٌ يحقق كل ما نرنو إليه ونطمح به. وحيث إن الجمال قائم في كل شيء فعلينا أن نسخّر قدراتنا في سبيل اكتشافه وتقديره، إلا أننا غالباً ما نفشل في ذلك فنرى أمامنا قُبحاً يدفعنا إلى الإزدراء، ذلك لأن المحبة وحدها هي التي تأخذ بيدنا نحو مواقع الجمال لتقع عليها عيوننا وندركها بعقولنا فنقدّرها ونعتزّ بها.
    في كل يوم من حياتنا نشاهد أمثلة حية لنرى كيف أن المحبة تساعدنا على رؤية الحُسْن والجمال دون غيره فنرعاه ونحافظ عليه. فقدرتنا على رؤية الجمال في شريك حياتنا، في طفلنا، أو صديقنا – ذلك الحُسن الذي لا يراه غيرنا- لهو أقوى مثال على الجمال المحصور في عين من يراه ويشاهده، إذ نحن الذي نراه ونحسّ به. ومع ذلك لو أراد آخرون أن يضعوا أنفسهم في مكاننا بكل محبة وحاولوا رؤية شريك حياتنا المريض أو المشوّه أو طفلنا أو صديقنا ورغبوا بكل صدق في معرفة تاريخ حياتنا ونحن نعيش تحت سقف واحد كعائلة، وما مرّ علينا من تجارب تشارَكْنا فيها، وكيف أن كل واحد منا جعل من حياة الآخر حياة لها معناها وأهدافها، لكان بإمكانهم أيضاً أن يروا جمال هؤلاء مثلما نراه. ولهذا يجب أن نتذكر أن الجمال ليس في عين ناظره فقط بل هو موجود في كل مكان وما علينا سوى مشاهدته بأعين تبحث عن الجمال لتجده.
    وهدف آخر تحققه قوة الجذب والتجاذب الكامنة في المحبة، ذلك هو الوحدة والإتحاد.إذ هي الرغبة الجامحة والتَّوْق المتأصّل في فطرة الأنسان في تقارب حميم نحو الوحدة. فالحياة الإنسانية تبدأ باتحاد حميم بين الزوج والزوجة ثم تستمر تلك الرابطة لتأخذ شكلاً آخر بين الوالدين والطفل، وبينما ينمو الطفل ويكبر ويشعر باستقلاليته وانفصاله عن والديْه ينتاب الجميع وخاصة الأم شعور بخروجهم من جنة الإتحاد إلى التشتت، ويبدأ الأبناء بالوقوع في حبائل المحبة من منطلق حنينهم إلى تلك الوحدة العائلية التي عاشوها، فيتزوجون وينجبون وتعمُرُ بذلك المدن والبلدان، والآن هم يشكّلون العائلة الإنسانية بأكملها فيتطلّعون إلى خلق عالم موحّد يضم الأسرة البشرية قاطبة، ذلك لأن مكنون ذاتنا وجوهر وجودنا يرنو ويتطلّع إلى الوحدة والإتحاد في علاقة حميمة وترابط إنساني شامل وعامّ.
    والمحبة أيضاً هي قوة جذب نحو النموّ والتطوّر. فهي إذاً سبب الحياة، وما النموّ إلاّ من سِمات الحياة، والإثنان معاً في ترابط تامّ. فلا نموّ دون محبة، ونحن حينما نحبّ ننمو، وفي النموّ أَلَم وفي المحبّة أيضاً تألم ومعاناة وكلاهما يتطلب تقديمهما على إرضاء النفس والأنانية ليحل محلهما التضحية والعطاء. لا يمكن للمحبة والنمو أن يعملا في بيئة يسودها التكاهل والتكاسل في حمل المسؤولية إرضاءً آنياً للنفس والغوص في أعماق حب الذات وتجسيداً للأنانية. فلا غرابة إذن في مَن يسيئون فهم المحبة أن نراهم يتوجّهون فيها إلى أشخاص أو أفكار أو أشياء يمكن أن تُشبع رغباتهم وتحقق لهم رضىً مؤقتاً. فمثل هذه العلاقات في المحبة محكوم عليها بالفشل منذ البداية، لأنها غير قائمة على المحبة بل على الجهالة وجعل الذات هي المحور، وكل ذلك يسير عكس اتجاه حقيقة المحبة وأنوارها وشموليتها.
3 – الإرادة
    إن موهبة الإرادة في الإنسان إنما تشير إلى حريتنا في الإختيار بين الخير والشرّ، بين الفعل وعدم الفعل، وفي تحديد اتّجاه حياتنا ونوعيتها. ومع ذلك فإن حريتنا ليست مطلقة، فلا نملك خياراً تجاه العائلة على سبيل المثال، أو في حاجتنا إلى النوم، أو حدوث طارئ أو مكروه لنا، أو في تقدُّمنا بالعمر، ولا خيار لنا في الموت. فحريتنا الأساسية يمكن ممارستها فيما يتعلق بخياراتنا في تقرير اتّجاه مسار حياتنا ونوعيتها.
    وطبقاً لما يقوله العلاج النفسي فإن هناك توجُّه نحو عدم الأخذ بسيادة دور الإرادة وبذل اهتمام أكبر في التركيز على القوى التي تقع خارج إرادتنا واختيارنا مثل: الغرائز والدوافع وحالة اللاوعي وما كان له تأثير علينا في طفولتنا من تجارب وأحداث. كثير من مدارس الفكر في علم النفس يشتركون في الرأي القائل بأن سلوك الإنسان إنما هو محدد ومقيّد تماماً، وأن حرية الإختيار ما هي إلا مجرد أمنية، وفي الطرف الآخر من هذا الطيف الفكري تأتي نظرية تقول بأن الجنس البشري يتمتع بحرية تامة، ومن ذلك نشأت مدرسة فكرية ترى حرية الفعل في كل شيء في مناحي الحياة تقريباً. أما الحقيقة فإنها تقع بين هذين الإتجاهيْن المتطرِّفيْن.
    وثمّة مثَلٌ قد يساعدنا في فهم دور الإرادة في الحياة. فالحياة في كثير من مناحيها تشبه الإبحار بمركب، وحتى يتسنّى لنا ذلك نحتاج أولاً إلى مركب (جسم الإنسان) وإلى بحّار (الروح المزوّدة بقوة الإرادة). فالمركب يجب أن يكون سليما صالحاً للإبحار والروح ستزوّده بالقوة المحرِّكة وتقرر اتجاهه بعد أن تحدّد نقطة الوصول. من الواضح أن البحّار لا يستطيع أن يقرر هبوب الريح أو سكونها، وبالمثل لا خيار لنا في ظروف ولادتنا وما نحمله من جينات وراثية وما لا نحمله منها، ومن مواهب وقدرات وراثية أو ما نكتسبه في طفولتنا. فحالما يبدأ الإبحار تبرز مسؤولية البحّار؛ فإما أن تكون قراراته عن دراية وفهم وإدراك أو أن يُبْحر دون معرفة بحال مركبه ولا بالظروف المحيطة به. وبالمثل يمكننا استعمال إرادتنا بطريقة مستنيرة محبَّبة، أو أن نعيش حياة من الجهل والأنانية والعقل المغلق.
    إن إرادتنا هي التي تمدّنا بالحوافز على العمل وتزوّدنا بالشجاعة اللازمة وتوفّر لنا ما يجعلنا خلاّقين مبدعين. فإمارات هذه الإرادة نراها واضحة منذ الأيام الأولى لحياة الفرد، والكثير منها نلاحظه في الطفولة. فنرى بعض الأطفال يرفضون الرضاعة الثديية، وبعضهم تدل إشاراتهم وحركاتهم على الحزم والإصرار، بينما آخرون نراهم سلبيين بالكامل. فمنذ الولادة كثيراً ما يشير الوالدان إلى التباين الحاصل بين أطفالهم وحتى قبل ولادتهم. ومن أهم أوجه تلك الإختلافات طريقة تعبيرهم عن قوة الإرادة لديهم. ففي هذا السنّ المبكر تسيطر على الطفل غرائزه لتؤثر على إرادته إلى حدّ كبير وتوجّهها، وبينما ينمو الطفل تنمو معه قدرته على اتخاذ القرارات والإختيار، ويكون نمواً طبيعياً سليماً طالما حرص الوالدان على مساعدة أطفالهما في إدراكهم قدرتهم على الإختيار السليم وتطويرها.
    إنَّ ما يَصْدُقُ على موهبتَيْ المعرفة والمحبة، ينسحب أيضاً على إرادة الإنسان التي يمكن استغلالها إما في طريق ضارّ مؤذٍ أو في الخلاقية والإبداع الذي من شأنه أن يدفع بالحياة نحو الأفضل. باستطاعتنا أن نختار بين فعل الخير أو الشرّ، بين الحرب والسلم، بين المحبة والكراهية.
    ورغم أننا نملك حرية الإرادة إلا أننا نخاف منها في أحيان كثيرة، فقد نسئ استخدامها أو نُنحّيها جانباً، وعندما نَجْبُنُ أمام الإختيار نبدأ في توجيه أصابع اللوم إلى الغير؛ أحد جيراننا أو أعدائنا أو نرجعه إلى إرادة الله. في القيام بأعمال ضارة نسئ إلى إرادتنا، ونتخلّى عنها إذا رفضنا القيام بما يجب. إن معظم مصاعبنا ومشاكلنا في حقيقة الأمر راجعة إلى إساءة استخدام قدراتنا في المعرفة والمحبة والإرادة، أو في انعدام التوافق بين هذه القوى والقدرات. إن السرّ في تفادي القلق والإضطراب والضغط النفسي هو في الوصول إلى وحدة تامة بين هذه الطاقات والقدرات. ويمكن التمتّع بالإطمئنان والسكينة الداخلية عندما نتمكّن من استخدام هذه الطاقات ونتقن استخدامها بأسلوب خلاّق يعزز الحياة ويدفع بعجلة النموّ والتطوّر والإزدهار. إنه وجه من مناحي الحياة يكون مشرقاً طالما هو في كنف الروحانية وتحت ظلالها.
    ولتلخيص ما تقدّم، فإن المعرفة والمحبة والإرادة ما هي إلا صفات للروح وأنها مترابطة ترابطاً تاماً. وما عملها معاً بالتناغم والتكامل إلا تلك القاعدة التي توفّر لنا الشعور الداخلي بالأمان والإطمئنان وهدوء البال وتمدّنا بالقوة والعزيمة، وهذا ما نسعى إليه ونتوق له.
    إن للمعرفة والمحبة والإرادة قوى فريدة وجبارة؛ فتطلُّع الروح إلى المعرفة يمنحنا القوة على الكشف والإكتشاف وإيضاح حقائق جميع الأشياء. فهي تعمل كالشمس، وبفضل أشعتها تصبح حقائق الأشياء مكشوفة واضحة للفهم والإدراك. والمحبة بدورها تختزن قوة باهرة من الجذب والتجاذب، فهي التي تؤلف بين قلوب الناس وتجذبها، وتعمل على تجاذب ذرات المادة وتماسكها، وتقارِبُ بين أفكار الناس في تناغم وانسجام. حقاً إن قوة الجذب بين ذرات هذا العالم المادي هي التي تجعله قائماً يؤدي عمله بكل كفاءة، وما يجعل العائلات والمجتمعات الإنسانية تعمل معاً ليس إلا قوة الجذب، وهذا ما ينطبق على الأفكار ووجهات النظر في العالم. فالجذب هو قوة المحبة وبها تؤدي المحبة عملها الرائع. والإرادة التي هي القوة الثالثة للروح لها قوتها الخاصة؛ قوة الإختيار واتخاذ القرار ثم تحويله إلى عمل. مجمل القول بأن علينا ونحن نتحدث عن المحبة أو المعرفة أو الإرادة أن نتذكر أن هذه القوى تبلغ ذروة طاقاتها عندما تعمل معاً بتناغم وانسجام.
    هذا الإتحاد الرائع داخل النفس له نظيره في عالم الوجود الروحاني. فعندما وصلت الإنسانية في مسيرتها إلى مستوى أعلى من الوعي والمعرفة وأدركت خياراتها بين الخير والشر انتقلت بذلك من مرحلة الإتحاد الأولى مع الله سبحانه وتعالى إلى مرحلة جديدة أصبح فيها نموّنا الروحاني من مسؤوليتنا الشخصية. وبما نحن عليه من وعي ونضج، أصبح من العدالة أن نتحمل كاملاً مسؤولية أعمالنا وأفعالنا، وهذه الحرية هي هدية الله للبشرية. فإذا رفضناها بعناد يكون معناه أننا تواقون إلى الرجوع لعهد الطفولة والجهل حين لم يكن لدينا خيار أو مسؤولية وكنا كمن يتساوى مع الحيوان. أما الآن ونحن على درجة من الوعي والإدراك ونمتلك المعرفة ونعرف بأن لنا حق الإختيار، مع كل ذلك نجد الحياة أمامنا صعبة ومعقدة.
    نرفع صوتنا بالإحتجاج قائلين بأن الله إذا كان عطوفاً فلماذا يسمح بتجويع الأعداد الكبيرة من الناس؟ إلا أنه يجب أن نتساءل في داخل أنفسنا: طالما أن لدينا اليوم ما يكفي العالم من طعام، ونملك من وسائل المواصلات ما يوصلنا إلى كل جزء منه، فلماذا نحن كبشر نسمح أن يموت الكثيرون جوعاً؟ ثم قد نتساءل: لمذا يسمح الله العادل بهذه الأمراض الكثيرة التي تصيب العالم؟ وسؤالنا هنا يجب أن يكون بكل بساطة: لماذا نحن نسمح بكذا وكذا... إنه ضمن قدراتنا أن نتغلب على معظم الأمراض أو الوقاية منها ذلك لأن معظمها سببه الإنسان نتيجة تلويث البيئة بما تنتجه مصانعنا من مواد كيماوية، وعبثنا في الطبيعة الجميلة وفي انتهاج أساليب حياتية خاطئة. إن شُحّ الغذاء والجوع والحرمان الذي يفتك بأرتال كبيرة من الناس من جهة، والشراهة والبذخ والتبذير عند قِلّة مترفة متنعمة برغد العيش من جهة أخرى لهو خلل جسيم فادح على الإنسانية أن ترفضه ولا تقبله بعد الآن. ولكن السؤال الرئيس هنا: كم سيطول بنا الوقت ونحن لا نزال نحنّ للرجوع إلى عهد الطفولة غير المسؤول وإلى شكل وحدتنا البدائية وهو ما يعدّ مستحيلاً؟ إن التحدّي الأكبر أمامنا ما هو إلا دخولنا عصر بلوغنا ونضجنا الجماعي كأسرة دولية واحدة لنقوم معاً فنؤسس إتحاداً عالمياً يعيش أفراده تحت أشعة شمس الروحانية المحيية للقلوب والأرواح على الدوام ونقطف معاً ثمار التقدم العلمي المذهل المسخّر لخير البشرية وخدمتها تحت ظل المحبة والمعرفة والإرادة، وتلك هي القوى الهائلة الكامنة في الروح التي يجب أن تعمل في حياتنا.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :