الأقباط متحدون | منهج الأقباط في التعليم منهج سلام (10)
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٧:٠٥ | الاثنين ٨ نوفمبر ٢٠١٠ | ٢٩بابة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٠٠ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

منهج الأقباط في التعليم منهج سلام (10)

الاثنين ٨ نوفمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: القس لوقا راضي

ونحن نتابع حديثنا عن الأقباط صناع سلام، كان لازمًا أن نتطرق إلى منهجية التعليم عند الأقباط؛ هذا المنهج المملوء من السلام، سواء في كيفية التعليم، أو في طبيعة الدراسة، أو في طرق التدريس، وأيضًا في نوعية الدارسين والخريجين.. وتعالوا نستعرض معًا منهجية التعليم عند الأقباط من خلال النقاط التالية:

أولاً: مدرسة الإسكندرية اللاهوتية:
أسلوب المدرسة هو أسلوب الحوار، والحوار هو أساس السلام، بلا حوار هناك خصام وعنف وصراع، وبالحوار يسهل الفهم والتفهم.
تعتبر مدرسة الإسكندرية المسيحية هي أول مدرسة من نوعها في العالم، كانت أهم معهد للتعليم الديني في المسيحية، ومع أن مدرسة التعليم الديني في الإسكندرية لم تكن هي الوحيدة في العالم المسيحي، بل كان هناك غيرها في بلدان أخرى، فإن أيًا من تلك المدارس لم يبلغ شأن ما بلغته مدرسة الإسكندرية من الشهرة.
الهدف من إنشاء المدرسة:
لم تكد قدم “مارمرقس” رسول المسيح تلمس أرض مصر؛ حتى راح يبشر بما سمعه وما رآه من السيد المسيح بالروح القدس، ومع نمو بذرة إيمان المصريين بالمسيح؛ أدرك بإرشاد الروح القدس احتياج كنيسة الإسكندرية الضروري والمُلِح لإنشاء مدرسة لاهوتية فى مصر؛ تشرح الإيمان المسيحي، وتثَبِّت الإيمان المسيحي، وتقف أمام فلاسفة الوثنية، والثقافات الوثنية في مدرستهم بالحجة والمنطق، وتقارعهم الحجة بالحجة، مثل الفلسفة الغنوسية التي جعلت انتشار المسيحية فى مصر بطيئًا، وملخصها أن : "المعرفة" هي الطريق الوحيد للخلاص، ولا سبيل للخلاص إلا بالمعرفة والحكمة، واعتبرت الماديات أمر حقير، ومن صنع إله ليس خَيِّر.. إلخ.
البداية:
عندما أسس “مارمرقس” مدرسة الإسكندرية اللاهوتية أسند إدارتها وإنشائها للعلامة القديس "يسطس"، ولم يكن للمدرسة في بادئ الأمر تلاميذ يدفعون نقوداً للحصور على التعليم المسيحي، ولكن بدأت المدرسة تعليم الفئات التالية:
1- الموعوظين سواء من الوثنيين أو يهود الإسكندرية فى ذلك الوقت.
2- لم تكتف مهمة المدرسة فى تعليم الداخلين الجدد للمسيحية، بل لأبناء الكنيسة أيضًا، لتقوية إيمانهم بالرب يسوع.
3- لم تلبث مدرسة الإسكندرية أن فتحت أبوابها لجميع الناس بمختلف ديانتهم وثقافتهم ومراكزهم الاجتماعية.
4- ذهبت المدرسة إلى أبعد من ذلك؛ لأنها قامت بتعليم الجنسين معًا دون تفريق.

المدرسة والإيمان المسيحي:
اختلفت الدراسة في مدرسة الإسكندرية عن دراسة المدرسة الوثنية، فقد اهتمت بالدرجة الأولى بربط الجياة المسيحية بدراسة المسيحية، وذلك عن الحياة الإيمانية، والتقوى، والمحبة الحقيقية، فكانت من مؤهلات مُدرسي هذه المدرسة الصلاة والنسك والصوم، ولم يكونوا يتناولون طعامهم غير مرة واحدة كل يوم، وقد ذكر المؤرخون المسيحيون، والمؤرخ اليهودي "فيلو" قائلاً عن مدرسة الإسكندرية: "كانوا جميعهم زاهدين فى الدنيا لا يكترثون بشيء من حطامها، وإنما كانوا يهتمون بالرب فقط، كانوا متحدين بمحبة صافية وفائزين بسلام الأرواح السمائية، ولم يكن بينهم فقير ولا غني، لأن الأغنياء منهم كانوا قد أعطوا أموالهم للفقراء، لكي يفكر كل واحد فيهم فيما يجعل الإنسان غنيًا بالرب، ولم يكونوا يتناولون مأكلاً سوى مرة واحدة كل يوم، وذلك بعد غروب الشمس، وبعضهم كان يصوم ثلاثة أيام أو خمسة من دون أن يأكلوا شيئًا، وكان مأكلهم الخبز ومشربهم الماء لا غير".
واشتهر معظم أساتذة هذه المدرسة بأنهم كرسوا حياتهم للخدمة ومارسوا حياة البتولية، واختيار الفقر طواعية، والتنازل عن ملكياتهم الخاصة، وكانت الحياة بينهم مشتركة كما عاش تلاميذ المسيح، وكانت العلاقة بين الأساتذة وتلاميذهم علاقة شخصية، لم يقيد هذه العلاقة مكان أو بناء المدرسة، بل خرجت هذه العلاقة إلى الحياة العامة، فأصبح أستاذ المدرسة هو المدرسة المعاشة، فالمسيحية ليست عقيدة نعيش طبقاً لشريعتها ولكنها روح وحياة نعيشها، وكانت المواضيع التي تدرس هي: دراسة الكتاب، دراسة العقيدة المسيحية، دراسة الفلسفة، دراسة المنطق، دراسة الطب، دراسة الهندسة،  دراسة الموسيقى.. أما عن طريقة التدريس فكانت عن طريق الأسئلة والأجوبة، وأسلوب الحوار والنقاش، وعند تدريس المذاهب الفلسفية فقد عملوا على تنقيتها بما يناسب التعاليم المسيحية، ولهذا أصبح علماء ومدرسي هذه المدرسة لهم شهرة في العالم المسيحي، أي لهم صفة المسكونية إلى جانب الانفتاح الفكري اليقظ على الشرق والغرب معًا، ولم تشتهر هذه المدرسة في حوض البحر الأبيض المتوسط فقط، بل جائها تلاميذ من بلاد فارس وغيرها، وتُرجمت أعمالهم (كتبهم) إلى لغات عديدة؛ مثل اللاتينية والسريانية وغيرها، وأصبحت أغنياء الأمم يرسلون أولادهم للتعليم فيها، وكان كل همهم اقتناء كتب هؤلاء من عمالقة الفكر؛ الذين أشبعوا المسيحيين من المعرفة الدينية، وتحثهم على البحث والدراسة والتعمق في مختلف العلوم المسيحية والعالمية.

من أين جاءت شهرة المدرسة؟
كانت هذه المدرسة مصدر إشعاع فكري ونهضة علمية كبيرة جدًا، لوجود تنافس بينها وبين المدرسة الفلسفية الوثنية في الإسكندرية، وبعد مدة تفوقت مدرسة الإسكندرية اللاهوتية المسيحية، وأصبحت هي الإشعاع الوحيد فيها، والذي أعطاها دفعة قوية هو وجود مكتبة الإسكندرية الشهيرة؛ التي تحتوي عشرات الآلاف من الكتب والمخطوطات القديمة، وظلت مزدهرة بفضل قيادتها القوية، وعلم مديريها، وعبقريتهم، حتى دانت لها جميع الكنائس شرقًا وغربًا، روحيًا وفكريًا وعلميًا، وأصبح كل من يدرس فيها يفتخر على من لا ينتمي إليها، مثل جامعة أكسفورد من جامعات الغرب الحديث، ونحن نتكلم الانتماء الدراسي وليس الإداري، وعندما نقلت المدرسة في عهد مديرها رودون من مصر، إلى بلدة صيدا في إقليم "بامفيليا" مع الانشقاق الكبير عام 451م، عقب مجمع خلقدونية، وبدأ بنيانها التعليمي يتصدع ويهتز حتى انهارت تمامًا، وأُسدل الستار على عجلة دفعت العالم لحضارة جديدة، وأصبحت هذه المدرسة القديمة ذكرى في تاريخ البشرية، في العلوم المسيحية، واللاهوتية، والفلسفية، والعلمية، مثل الهندسة، والطب، وغيرها من العلوم.

ثانياً: تطور منهجية المدرسة حديثًا:
 ما بين سنة 1853م إلى 1861م في عهد القديس "كيرلس الرابع" المعروف بأبي الإصلاح؛  فكر في إنشاء مدرسة لاهوتية على غرار مدرسة الإسكندرية القديمة.. ولكنه للأسف تنيح قبل تحقيق هدفه بإقامة هذه المدرسة، ولكن حقق هدفه البابا كيرلس الخامس البطريرك الـ 112 (1874 م - 1927 م).. وأعيد إنشاء هذه المدرسة في 29 نوفمبر 1893 م، وكان أول مدير لها هو "يوسف بك منقريوس" ثم تولى الأرشيدياكون "حبيب جرجس" إدارتها ثم المتنيح القمص "إبراهيم عطية".
وفي عهد قداسة البابا "كيرلس السادس" البطريرك الـ 116 (1959 - 1971م) اهتم بالإكليريكية فافتتح المبنى الجديد (كلية البابا كيرلس السادس اللاهوتية)، وفي عام 1961م في احتفالات الكنيسة بمرور مائة عام على نياحة البابا "كيرلس الرابع" ثم خطى خطوة كبيرة؛ فقد سام نيافة الأنبا "شنودة" أسقفًا للتعليم في 30/ 9 /1962م ليتعهد التعليم الكنسي؛ الذي يشمل الكلية الإكليريكية والتربية الكنسية، كما قام قداسة البابا "كيرلس" بسيامة الأنبا "غريغوريوس" أسقفًا للبحث العلمي والثقافة القبطية في 15/ 5/ 1967م، وعندما جلس الأنبا "شنودة" على السدة المرقسية في 14/ 11/ 1971م، قام بإنشاء العديد من الكليات الإكليريكية، فأصبحت هناك كليات إكليريكية في: الإسكندرية، وطنطا، وشبين الكوم، ودير المحرق، والبلينا. ولم يكتفى قداسة البابا شنوده بهذه الكليات، بل أنشأ المعاهد المتخصصة؛ مثل معهدي "الكتاب المقدس" و"الرعاية"، وتوجد اليوم كلية إكليريكية في أمريكا، وأستراليا، وكندا.

فروع الإكليريكيات:
وامتد نشاط الكلية الإكليريكية في عهد قداسة البابا "شنودة الثالث"، بحيث أنه أصبحت لها فروع في كل من: في داخل مصر؛ الإسكندرية، طنطا، شبين الكوم، المنيا، البلينا، الدير المحرق. في خارج مصر؛ سيدني بأستراليا، جيرسي سيتي، لوس أنجيلوس بأمريكا.
عدد خريجي الكلية الإكليريكية:
ازداد عدد الخريجين في عهد قداسة البابا "شنودة الثالث" فنجد أنه تضاعف، وأصبح اليوم أربعة أضعاف منذ بداية القرن العشرين، منذ عام 1900م - إلى 1960م كان عدد المتخرجين من الكلية الإكليريكية 500 خريجًا. في عهد قداسة البابا "شنودة الثالث" وصل عدد الخريجين إلى ما يزيد عن 2500 خريجاً.
معاهد أخرى:
أسس قداسة البابا "معهد الكتاب المقدس"؛ الذي يقدم للكنيسة خريجين دارسين ومتخصصين في دراسات الكتاب المقدس بعهديه، وأسس البابا "معهد الرعاية والتربية" وهو متخصص في تنمية روح الرعاية في الآباء الكهنة والخدام. كما أسس مكتبة شاملة للكلية الإكليريكية، ومكتبة أخرى للمعاهد المتخصصة، تم افتتاحهما في أغسطس 1979م، "معهد ديدموس" (معهد متخصص لتخريج العرفاء والمرتلين)، "معهد الأفارقة"، "معهد المجلس العالي للإكليريكية" و"المعاهد الدينية".
أوفد البابا "شنودة الثالث" الكثيرين منهم -للحصول على درجاتهم العلمية، مثل الماجيستير أو الدكتوراة- إلى الخارج للدراسة والتحصيل.

الاقباط والتعليم:
استمرارًا في نشر ثقافة السلام؛ استمر الأقباط في رسالتهم، وساهموا في بناء المدارس التعليمية، وللآن لا تخلو محافظة من مدرسة أو أكثر أنشأها أقباط أو كنائس، ذلك لخدمة أبناء مصر، وفي تلك المدارس لا يدرس الأقباط فقط، بل الاقباط والمسلمون معًا، ومن أشهر المدارس الآن سلسلة مدارس جمعية الصعيد للتربية والتنمية، ومدارس الاقباط الكاثوليك،  والأقباط الإنجيليين، وأيضًا مدارس سان مينا للغات بمدينة القوصية، ومدارس اللغات التابعة لإيبارشية بني سويف، إنها رسالة سلام تعلن للعالم كله أن الأقباط صناع سلام.
الرب معكم.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :