يؤهلها لقيادة العالم العربي في القرن الحادي والعشرين
بقلم: حامد الحمداني
يعيش العالم العربي اليوم مرحلة خطيرة في تاريخه حيث يعاني حالة من التمزق والتناقضات والخلافات العميقة بين الأنظمة العربية، وإقامة المحاور المصارعة فيما بينها، والتي سمحت لبعض دول الجوار التدخل في الشؤون العربية سواء عن طريق تحالف بعض الأنظمة العربية مع هذا البلد أو ذلك كما هو الحال في التحالف السوري الإيراني، أو على الضد من إرادة البعض الآخر كما هو الحال التدخل السافر لنظام ملالي طهران في العراق ولبنان وقطاع غزة، والتدخل التركي في شمال العراق، إضافة للتدخل السوري والسعودي في العراق من خلال دعم ومساندة العناصر الإرهابية التي تمارس أبشع الجرائم بحق الشعب العراقي منذ سقوط نظام الطاغية صدام حسين وحتى يومنا هذا.
في ظل عصر العولمة والشركات المتعددة الجنسيات، وإزالة الحواجز أمام انتقال رؤوس الأموال، وقيام التكتلات الاقتصادية والاقتصادية للدول الأوربية، يجد العالم العربي نفسه في حالة من الضعف والتبعية للدول الأخرى وهو يمتلك الإمكانيات الهائلة المادية والبشرية ما يؤهله ليكون دولة عظمى ينظر لها باحترام، وتخطب ودها دول العالم أجمع ، وتسعى لإقامة أوثق العلاقات السياسة والاقتصادية والثقافية معها على قدم المساواة والاحترام المتبادل للسيادة والاستقلال.
لقد كان حلم الشعوب العربية باستقلال البلاد العربية التي ظلت تحت نير الاستعمار العثماني لأربعة قرون، وإقامة وحدة عربية، وظل هذا الحلم يراود أبناء الأمة العربية التي عانت أشد المعانات من ذلك الحكم البغيض.
لكن العرب صُدموا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى عندما نكث المستعمرون الجدد، البريطانيون والفرنسيون بالوعود التي قطعوها لهم، وتبين فيما بعد أنهم قد قرروا اقتسام البلاد العربية فيما بينهم بموجب معاهدة [ سيكس بيكو ]، وهكذا وجد العرب أنفسهم مرة أخرى تحت نير استعمار عالمي جديد.
لكن عزم الشعب العربي على تحقيق الاستقلال ، وإقامة الوحدة العربية الديمقراطية لم يفتر، وبقيت الجماهير العربية تناضل من أجل تحقيق هذا الهدف، وخاضت ضد المحتلـين الجدد معارك قاسية ومتواصلة، وقدمت الآلاف من الضحايا في سبيل التحرر والانعتاق من نير الاستعمار الجديد، وجمع الشمل العربي.
وعندما قامت حكومات محلية في العراق وسوريا ومصر وشرق الأردن واليمن والسعودية تحت مظلة المستعمرين البريطانيين والفرنسيين ظلت الجماهير العربية تضغط على حكامها من أجل قيام الوحدة العربية بعيداً عن الهيمنة البريطانية والفرنسية، ونتيجة للمد الوطني الذي اجتاح العالم العربي أوعز الإمبرياليون إلى الحكام في تلك البلدان لإجراء لقاءات فيما بينهم للبحث في موضوع إقامة شكل زائف من العلاقات بين بلدانهم بغية امتصاص ذلك المد الهادر، والهادف إلى التحرر الحقيقي من الهيمنة الإمبريالية، وإقامة وحدة حقيقية تلبي مطامح الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فقد كان أخشى ما يخشاه الإمبرياليون إقامة دولة عربية قوية تتمتع بثروات هائلة، وأرض زراعية شاسعة وخصبة، ومياه وفيرة، وطاقات بشرية كبيرة وخلاقة، فكان مشروع إقامة الجامعة العربية التي لا تعدو عن كونها جامعة للحكام العرب في الحدود الدنيا، وكثيراً ما تدب الخلافات بين هؤلاء الحكام، وتقطع العلاقات، وتغلق الحدود، وتشن الحملات الإعلامية على بعضهم البعض.
وبناء على رغبة الامبرياليين عقد الحكام العرب مؤتمراً لهم في القاهرة، في 22 أيار 1945، وتقرر في ذلك المؤتمر إقامة الجامعة العربية القائمة إلى يومنا هذا دون أن يطرأ على ميثاقها أي تطوير.
لم تستطع الجامعة العربية تحقيق حلم الشعوب العربية في الوحدة الحقيقية، فقد كان تأثير تلك الهيمنة البريطانية والفرنسية على الحكام العرب يشكل أكبر عائق لتحقيق الوحدة، أو على الأقل تحقيق أوثق الارتباطات فيما بينها في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية.
لكن الأيام التالية أثبت أن الجامعة العربية، بالشكل الذي رسمه لها المستعمرون البريطانيون والفرنسيون لن تحقـق طموحات الأمة العربية، بل على العكس من ذلك انتقلت إليها الصراعات العربية، وأخذت سلطتها تضعف شيـئاً فشيئا حتى أصبحت قريبـة من التلاشي ، ولم يبقَ لها سوى دور ثانوي في القضايا العربية.
فالدول التي تضمها الجامعة العربية لا يجمعها جامع حقيقي بسبب الأنظمة السائدة في معظمها، والتي هي في جوهرها أنظمة استبدادية لا تعترف بالديمقراطية، ولا بحقوق المواطن العربي، سواء كانت هذه الأنظمة ملكية أم جمهورية، بل لقد تجاوزت الأنظمة الجمهورية الأنظمة الملكية في استبدادها، واستئثارها في الحكم، وإعداد الأبناء لتولي الحكم بعد الآباء حتى لكأنما قد ورثوا بلدانهم، واستعبدوا شعوبهم، وسلبوهم كامل حقوقهم الديمقراطية.
ومن أجل البقاء في السلطة والتشبث بها ضحوا ولازالوا يضحون بمصالح الشعوب العربية لكي يبقى العالم العربي متشرذماً ضعيفاً في عصر العولمة والتكتلات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم، فها هي الدول الأوربية التي لا يجمعها لغة مشتركة، ولا تاريخ مشترك، ولا عادات وتقاليد مشتركة تتوحد بمحض إرادتها مشكّلة الاتحاد الأوربي الذي كون ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة، في حين يجمع الشعوب العربية التاريخ المشترك واللغة المشتركة والعادات والتقاليد المشتركة، لكنها تمزقها الخلافات والصراعات، وتعاني شعوبها الجوع والحرمان والإذلال.
وإذا ما قام نظام وطني متحرر من الهيمنة الإمبريالية انبرت الأنظمة الدكتاتورية في حملة عدائية لهذا النظام بغية إفشال تجربته في إقامة الحكم الديمقراطي الذي يحقق الحياة الحرة الكريمة للشعب كما جرى للعراق على أثر قيام ثورة 14 تموز 1958 عندما انبرى الرئيس عبد الناصر، مع شديد الأسف، في حملة عدائية ضد حكومة عبد الكريم قاسم، والتآمر على الثورة، وتقديم الدعم المتواصل للعناصر القومية و البعثية حتى تم لهم اغتيال الثورة في انقلاب 8 شباط الفاشي 1963، واضعين أيديهم بأيدي الإمبرياليين، ومقترفين مجزرة كبرى ضد القوى الديمقراطية في العراق، واستمر الشعب العراقي تحت نير حكم البعث قرابة الأربعة عقود من الزمن ذاق خلالها من الويلات والمصائب ما يعجز القلم عن وصفها، وما المقابر الجماعية التي اكتشفت بعد سقوط النظام في طول البلاد وعرضها إلا شاهداً على هول الجريمة التي اقترفها نظام البعث الفاشي ضد شعب العراق، ناهيك عن حروبه الكارثية التي استمرت خلال العقدين الأخيرين، والتي ذهب ضحيتها مئات الألوف من العراقيين الشباب الأبرياء، وما نتج عن تلك الحروب من انهيار البنية الاقتصادية و الاجتماعية والصحية في للبلاد.
إن الشعوب العربية في واقع الحال قد فقدت ثقتها في هذه الجامعة بوضعها الحالي، ولا بد والحالة هذه أن يتدارك الجميع إصلاح الأمر، وبناء جامعة عربية جديدة تعمل بصدق وتفانٍ من أجل جمع الشعوب العربية تحت مضلة الديمقراطية والحرية الحقيقية، وبناء اقتصاد عربي متكامل، وعملة عربية واحدة، وتعاون وثيق في كافة المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية كخطوة أولى نحو إقامة علاقات أوثق على غرار الاتحاد الأوربي، وهذا لن يتم إلا عبر قيام أنظمة ديمقراطية في العالم العربي تحترم إرادة شعوبها، وتتفانى في خدمته،لا كما تفعل اليوم، حيث قد سخرت شعوبها لخدمتها، وسلبتهم كل حقوقهم وحرياتهم، واستأثرت بخيرات البلاد على حساب بؤس ومعانات شعوبها.