الأقباط متحدون | الفتنة الطائفية.. عبور الأزمة (٣)
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢١:٠١ | الثلاثاء ٩ نوفمبر ٢٠١٠ | ٣٠بابة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٠١ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

الفتنة الطائفية.. عبور الأزمة (٣)

بقلم د.عمار على حسن | الثلاثاء ٩ نوفمبر ٢٠١٠ - ٤٨: ٠٨ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

تناولت فى مقالين سابقين فرص تحقيق التعايش بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، مجملا إياها فى التجانس العرقى، وهبة الجغرافيا، التى وزعت عنصرى الأمة على جميع أرجاء الوطن، ووحدة الموروث الشعبى، وتشرب كل المصريين المعطى الحضارى بقيمه وأساليب عيشه، وعلاقات السوق المتبادلة بين الطرفين، إلى جانب الخوف الموزع لديهما بتفاوت من عواقب الفتنة وشرورها. ثم عددت مبادئ التعايش فى الفصل بين «الجماعة السياسية» و«الجماعة الدينية» والخروج من سجن التاريخ، والاعتراف المتبادل بالتجاوزات، وضرورة الفصل بين النصوص والممارسات، وتديين السياسة لا تسييس الدين، والعمل من أجل تغيير السياق العام، والبحث عن حلول لأى مشكلات على أرضية وطنية.

ويستند التعايش، فى أى مكان وزمان، على عدد من الشروط، من أهمها أن يكون الحوار متكافئا بين الأطراف المتشاركة فى حياة واحدة، سواء كانوا أفرادا أو جماعات، وأن يعلو التحاور والتفاهم فوق أى عصبيات أو أفكار مسبقة عن الباقين، كما يجب الاستعداد للتعامل بتسامح مع الآخر وقبول الآراء المضادة، وعدم النظر إلى هذا التسامح على أنه علاقة بين طرفين أحدهما أقوى من الثانى، بل باعتباره ضرورة حياتية. ومن المهم كذلك أن تكون هناك منظومة من القيم العادلة يتم الاحتكام لها فى توزيع الثروة، وتحصيل المكانة الاجتماعية، والتساوى فى الفرص السياسية المتاحة، أو المتوافرة، مهما كانت حدودها وحيويتها.

ومن شروط التعايش أيضا توافر شعور لدى الشعب المصرى بمختلف شرائحه وطبقاته بأهمية فكرة التعايش الاجتماعى، وإدراك أنها باتت ضرورة للدولة المعاصرة، وتفهم فكرة الاختلافات الطبيعية بين البشر، من حيث اللغة والدين والعرق واللون والثقافة، وكيفية تطويعها بحيث لا تشكل عائقا أمام التعايش بين جماعات شتى، بل تحقق الحكمة الإلهية العظيمة فى اختلاف الناس، من حيث الألوان والأجناس والأحجام واللغات واللهجات والمعتقدات ... إلخ.

لذا يناط بالنخبة المصرية، بمختلف ألوانها، أن تبحث، من دون كلل ولا ملل، عن سبل تأصيل ثقافة التعايش، من زاوية مدى الارتباط بين الدولة المدنية، التى تقوم على عدم تسييس الدين وبين قيام تعايش سليم معافى، وإمكانية تأسيس مشروع وطنى يمهد لإعادة بناء دولة القانون المرتكزة على التعددية السياسية والثقافية واحترام حقوق الإنسان، وبذل جهد فائق فى البحث عن سبل الاستفادة من إعادة قراءة تاريخ العلاقة بين الفئات والشرائح الاجتماعية العربية، عبر فترات تاريخية، فى فهم الواقع المركب والمعقد للعلاقة بينها، وإبراز القيم المشتركة والموحدة من خلال التنقيب فى التراث الحضارى الشرقى، المفعم بعبر لا يمحوها الزمن عن آفات الشقاق، ومآثر التوحد القومى بين سكان الدولة الواحدة. ولا يجب أن يقف جهد هذه النخبة عند حد الإسهاب فى وضع نظريات مجردة حول مفهوم التعايش ومظاهره وأساليبه ومخاطر تراجعه وغيابه، بل من الضرورى أن تعكف على تحديد آليات التوفيق بين المطالب المتبادلة لعنصرى الأمة المصرية، عبر تفعيل الحوار، وإعلاء قيم التسامح، وإيجاد آلية، لإزالة المخاوف والهواجس المتعلقة بما حدث من تجاوزات أو ظلم فى السابق لأى فئة اجتماعية، وذلك من خلال تعميق فكرة المواطنة، وإعلاء قيمة الانتماء إلى الوطن الأم، والاعتراف بالخصوصية الثقافية للآخر، واعتبارها جزءا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع العامة.

ومن جانبها فإن السلطة المصرية مطالبة بتلافى كل العناصر، التى تهدد فكرة التعايش، ومنها إنهاء التمييز على أساس الدين أو اللغة أو العرق أو اللون، أو أى شىء آخر، فى الوظائف العامة، وفى تحصيل الفرص السياسية والاقتصادية، والوقوف بشجاعة وصبر لا يلين فى وجه أى ثقافات وتأويلات دينية مغلوطة تؤدى إلى ظهور تطرف دينى متبادل يعمق الخلافات ويقوض الروابط، ويفتح الباب أمام التأثيرات السلبية والممقوتة، التى تتركها مسألة الاستقواء بالخارج، للحصول على مكاسب داخلية معينة، تقود فى خاتمة المطاف إلى شق صف «الجماعة الوطنية» وتآكل قدرة الدولة المصرية على التكامل والتماسك.

وهناك أكثر من وسيلة يمكن استخدامها فى تعزيز التعايش بين المصريين جميعا، يمكن ذكرها على النحو التالى:

١ ـ التعليم: وذلك بتضمين المناهج التعليمية ما يحض على التعايش، ويحرص عليه، وتنقيتها مما قد يقود إلى كراهية طرف لآخر. فإذا كان التعليم فى مصر يتم على ركائز ثلاث هى «تعلم لتعرف» و«تعلم لتعمل» و«تعلم لتكون» فيجب أن نعزز من تواجد الركيزة الرابعة وهى «تعلم لتتعايش».

٢ ـ الإعلام: وهو وسيلة مهمة، لو استخدمت على الوجه الأكمل، دون انفعال ولا افتعال، فإن بوسعها أن تقلل من أى احتقانات، وترسخ فى عقول الناس ونفوسهم قيم التسامح والاعتراف بالآخر واحترامه.

٣ ـ المنتج الثقافى، الذى يجب أن يحوى كل ثقافة الأمة المصرية، عبر التاريخ، فى جميع الأنواع الأدبية والفنون بمختلف ألوانها.

٤ ـ منظومة القوانين: أى وجود حزمة من التشريعات، التى تقنن التعايش، وتحدد مرجعية عامة له، يلتزم بها الجميع.

٥ ـ المشروعات القومية، التى يجب أن تستوعب جميع المصريين، دون تفرقة، وتوجه طاقاتهم إلى عمل وطنى مفيد، بدلا من الفراغ، الذى يزيد الشقة بين الناس، ويرفع درجة الطاقة الغضبية لديهم.

٦ ـ الجهاز البيروقراطى، الذى إن وُجدت معايير سليمة للتعيين والترقى فيه، رُفع الظلم عن كثيرين سواء من المسيحيين أو حتى من فقراء المسلمين ومهمشيهم، وزال سبب مهم لاحتقان مسيحيى مصر.

٧ ـ المجتمع الأهلى، الذى يمكنه حال وجود جمعيات خيرية دينية مشتركة بين المسلمين والمسيحيين أن يزيد من أواصر التعايش بين الجانبين.

٨ ـ علماء الدين من الجانبين، الذين بوسعهم، إن خلصت النوايا وصح الفهم، أن يحضوا المصريين على التعايش، ويبينوا لهم ضروراته، وأصوله فى الشرائع السماوية ذاتها.
نقلاً عن المصري اليوم




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.
تقييم الموضوع :