شريطان لرهائن الكنيسة
د. أحمد خيري العمري
عندما أخبرتني والدتي بأن مسلحين اقتحموا[i] كنيسة ما وسط بغداد، واحتجزوا رهائن فيها، وجدت نفسي فوراً معلقا بين الهاتف ـ للاطمئنان على الأصدقاء والمعارف - وبين شريط الأخبار الذي أتابع فيه ما يعلن من أحداث (وليس بالضرورة الأحداث على حقيقتها)،
كلما ارتكبت مجزرة بحق المسيحيين في أي مكان من العالم الإسلامي، يسارع الكتاب الإسلاميون إلى الشجب والتنديد والاستنكار، والتأكيد على 'أن لا علاقة للإسلام بما جرى'، لا يمكنني أن أضيف الكثير إلى هذا، خاصة أنني كاتب 'نصوصي' حتى النخاع، وأدرك تماماً أن كل النصوص لن تحرّم فقط ما حدث، بل إنها أيضاً تؤكِّد على كونهم 'الأقرب مودة' وتحضّ على حماية أولئك الذين هم في ذمة الله ورسوله.
لا إضافة نصوصية هنا إذن، ولا أرى أصلاً داعياً كبيراً للدفاع عن 'الإسلام الحقيقي'، ليس فقط لقناعتي أن مُنفِّذي هذه المجازر لا يتحركون عبر دافع النصوص الدينية من قريب أو بعيد، بل لأنه صار من الصعوبة بمكان التصديق بكل ما يقال في الإعلام، حيث يمكن لأية جهة أن تفبرك تصريحاً ما ينسب تبني جهة ما للمجزرة، ثم تقوم باستثماره لصالحها في سوق المزايدات السياسية الرخيصة، حيث الدم الحرام هو البضاعة الأرخص.
لكنني لا أريد التحدث عن هذا أيضاً، بل أريد أن أدع قلمي ينزف عن الأمر بعيداً عن 'تبويس اللحى' المعتاد في هذه الحالات، أريد أن أتحدث عن جانب شخصي جداً وحميمي جداً، عن علاقتي المميزة بالعشرات من المسيحيين العراقيين، علاقة لم تؤثر يوماً في التزامي وتديني وثوابتي، بل لعلها كانت ذات أثر ايجابي.
من السهل جداً على من يدَّعي متانة علاقته بالمسيحيين ويكون غير ملتزم في الوقت ذاته أن يبعث برسالة خاطئة مفادها إن سبب مرونته هو 'عدم التدين'، وأن التدين يؤدي بالضرورة إلى الانغلاق في العلاقات مع المسيحيين أو عموم الأديان الأخرى. كما أنه من السهل جداً على متديِّني التمييع من ظرفاء 'قبول الآخر' أن يبعثوا برسالة خاطئة أخرى تخلط بين التعايش الصحي الحقيقي وبين التماهي الذين يروجون له تحت شعار 'قبول الآخر'،.
بعيداً عن كل هذا، أريد أن أثبت - أنا الكاتب الذي يصنف بأنه إسلامي، والذي طالما كتب عن الثوابت الإسلامية، وطالما خاض حروباً في سبيلها- أريد أن أثبت أن كل ذلك لا علاقة له من قريب أو بعيد بعدم الاختلاط أو عدم وجود علاقة مودَّة بنَّاءة مع المسيحيين، بل إني أجد الأمر غريبا وفجاً ويحتاج إلى استجواب كل شيء منذ البداية،
قبل نزيف قلمي أودُّ أن أثبت أيضاً أمرين:
الأول: ان انتقاد قيم التغريب لا علاقة له بالمسيحية عموماً، وبالمسيحيين العراقيين بالأخص، كل من يخلط ذلك يعني أنه لا يفهم الكثير لا عن القيم الغربية الحالية، التي ولدت أصلا بالانفصال عن الكنيسة - ولا عن المسيحيين العراقيين عموماً (الذين عرفوا بالتزامهم الأخلاقي العالي وحشمتهم)، فلنتذكر فقط أن رؤوس الحراب الحالية في الترويج للتغريب، هي من مسلمين لا جدال في نسبهم ونشأتهم.
الأمر الثاني الذي أرى لا بد من توضيحه: هو أن المسيحيين العراقيين لم يكونوا قط أقل وطنية من بقية العراقيين، أقول 'لم يكونوا أقل وطنية'، ولكن تستحضرني مواقف كثيرة كان فيها بعض المسيحيين أكثر وطنية من كل العراقيين. المسيحيون العراقيون لديهم شعورٌ عالٍ بأنهم 'أهل البلد' الأصليون قبل الفتح الإسلامي، وهي حقيقة لا شك فيها من الناحية التاريخية إلى حدٍّ كبير، قد لا يكون للأمر أهمية كبيرة بفعل التقادم، لكنها رغم ذلك منحتهم أيضاً شعوراً بعراقيتهم دفعهم إلى أن يكونوا مع العراق ضد محاولات الانفصال والتقسيم، وهو ما جعلهم يدفعون ثمناً غالياً (وهو ثمن مسكوت عنه أيضاً، لا أحد يتحدث عن ذلك للأسف).
هل يعني ذلك أنهم كانوا محصنين من الانخداع بالوعود الأمريكية؟ لا طبعا، لكن نسبة المنخدعين لم تكن أكثر منها في بقية المكونات، ولعلها كانت أقل إذ إنهم أدركوا مبكراً أن وزنهم النوعي ـ الذي يفوق بكثير وزنهم العددي- سيتعرض للإهمال في ظل نظام' ديمقراطي عددي' لا يفرق بين صوت صاحب أعلى الشهادات والخبرات وبين صوت الشخص الأمي.
جرني شريط الأخبار إلى شريط آخر في ذاكرتي، شريط حافل بالعشرات من الأسماء لمسيحيين عراقيين، لا أتحدث عن أسماء لامعة وبارزة تركت أثرها في مختلف الميادين، فذلك ليس مجاله هنا، بل أتحدث عن أسماء عرفتها وخبرتها على نحو شخصي، في شريط الذاكرة معلمتي الأولى في الصف الأول الابتدائي في مدرسة المنصور التأسيسية، الست كريمة، ضاع مني لقبها ولم يضع وجهها الأليف، علمتني أبجديتي الأولى، ولم تكن تدري أنها تزرع في داخلي ألغاماً، وعلمتني أيضا كيف أرسم العلم العراقي فزرعته في قلبي وليس في دفاتري فقط (عرفت لاحقاً أنها كانت معلمة زوجتي أيضاً).
وفي شريط الذاكرة تحضر من موتها السيدة الفاضلة سعاد فرنكول، كانت توصلنا كل صباح إلى المدرسة بينما نقوم نحن بإيصال ابنتها هبة في الظهيرة، كانت مربية فاضلة وذات حديث شيق لا يمل، وكانت تقول لي كلما رأتني، بلهجتها الموصلية الأصيلة 'شميت طولك'.
في شريط الذاكرة تحضر تلك السيدة الأرمنية الأصل التي احتضنها العراق بعد هجرة الأرمن، والتي كانت مربية لوالدتي ومن ثم مربية للأحفاد بمرتبة 'جدة'، كانت عراقية تماماً بكل وجدانها ومشاعرها (عندما قال لها بعض أقاربها إن منزلها سيؤول إلى الحكومة العراقية بعد وفاتها لأنها بلا وريث، قالت بحزم: الحكومة العراقية هي التي آوتني يوم كنت مشردة، فلتأخذ البيت لها)، قبل وفاتها أوصت 'دادي' كما كنا نسميها بكل مصاغها لكنيسة الأرمن، 'لكي لا يقال عنكم إنكم أخذتم ذهبي،' في شريط الذاكرة أيضا يمر الأب الشاب فازكين الذي جاء من الكنيسة وأشرف على تفاصيل المراسيم والدفن، لا أزال أذكر دهشته وامتنانه عندما وجد أن تلك السيدة كانت فرداً من العائلة بكل ما في الكلمة من معنى، ظل الأب فازكين بعدها يتفقد، ويسأل كما لو أن الحدث قد أضاف صلة ما بيننا، وبقيت والدتي تتابع باهتمام أخباره وأخبار زوجته، وإن كانت قد أنجبت صبيا أم لا (كان لديه ثلاث بنات)، ثم انقطع كل شيء مع الاحتلال، حيث صار التواصل خطيراً وصعباً في الوقت نفسه (انقطعت كل خطوط الهواتف تماماً، وصار عليك إن أردت أن تتفقد شخصاً ما أن تذهب له بلحمك ودمك، وكان هذا صعبا جداً في ظروف منع التجول والانفجارات).
يتقاطع شريطا الذاكرة والأخبار مع طبيبتين كانتا ضمن الرهائن، ولهما في شريط الذاكرة موقع أيضا (أ.ع) و(و. ر)[ii]، الأولى تركت في داخلي أثراً لا ينسى يوم أنَّبتني بحزم على تقصير قمت به وأنا في بداية حياتي المهنية، فتعلَّمت درساً في أخلاقيات المهنة والوظيفة بشكل عام، أما (و.ر) ـ التي أصيبت في الحادث ولا تزال ترقد في المستشفى- فلا شيء يمكن أن يعبر عن احترامي لها وتقديري لرقيها الشديد في كل ما تفعله، ذهب زوجها الطبيب ضحية انفجار عبثي قبل بضع سنين، وبقيت هي صامدة كما لو كانت نخلة 'برحية '[iii] تأبى الانكسار، حتى إصابتها في الحادث لم تتسبب في كسر هذه النخلة، فقط 'فطر' في عظم الحوض.
في شريط الذاكرة أيضا طبيبان كانا زميلين لي، ممتاز جوزيف، وسامر قسطو، روى لي كلٌّ منهما ـ على حدة- عن ردة فعله، الأول عندما شاهد 'الدبابة الأمريكية'، وفي الحالتين كان الكلام متطابقا، لقد دمعت عيناهما عندما شاهدا 'ذلك الشيء' فجأة على أرض الوطن الذي انتميا له منذ آلاف السنين، لم يخفف بالنسبة لهما أن دين الجندي في الدبابة هو على الأغلب مثل دينهما، لم يكن ذلك مطروحا بالنسبة لهما.
في شريط الذاكرة أيضا ردة فعل الزملاء المسيحيين عندما انتشرت أنباء ـ بعد فترة وجيزة من الاحتلال - عن قيام بعض الجمعيات الأجنبية بتوزيع أناجيل مصورة على مرضى مستشفى الأطفال في منطقة شعبية ذات أغلبية مسلمة، لم يشعروا مثلا بالانتصار والاستقواء ـ الذي نسمع أنه يحدث في أقطار أخرى- بل كانوا قلقين من ذلك، أذكر ما قاله (ر. ك) تحديداً: قال 'لقد كنا دوماً في أمان، هذا الأمر سيُفسد علاقتنا بالمسلمين'. لا أعتقد ان هذا هو ما حدث اليوم، فالأمر أشد تعقيداً من كل ذلك، لكني أنقل فقط ردة فعل المسيحيين العراقيين تجاه ذلك.
تعرض لاحقاً (ر. ك) لتهديد بالخطف اضطر معه إلى دفع 'فدية' استباقية، أي أن تدفع فدية قبل أن تخطف كي لا تخطف، كما هي الأمور في دوائر العبث واللامعقول العراقية، كنت قد غادرت العراق وقتها، لكني تابعت الأمر (كل نصف ساعة) هاتفياً.
في شريط الذاكرة مديري المزمن (س.إ)، مثال الانضباط والنزاهة، قلت له مازحاً وبجدية تامة - ولا أزال أقول وأنا الكاتب الإسلامي الموقع أدناه وأعلاه: إنه لو رشح لرئاسة العراق لانتخبته،، كان مديراً مثالياً منضبطاً، وفي الوقت نفسه لم يسقط في فخ الروتين التعقيدي الذي هو صفة لازمة لمعظم الإداريين المنضبطين، كان (س.إ) يتدبَّر أمور المركز في فترة الحصار الذي شحَّت فيه الأدوية - وفترة ما بعد الحصار الذي 'سرقت' فيه الأدوية - كان يتدبَّرها بحركية بالغة، يشمّ خبراً: إن المستشفى الفلاني لديه كمية من المخدر من دون أن يكون لديه طبيب أسنان، فيخاطبهم بالوسائل الرسمية وغير الرسمية ليقوم بسحب هذه الكمية، يجامل هنا ويتحمل ثقل الدم هناك في سبيل أن يوفر الخدمات للمواطنين (بغض النظر عن دينهم).
لم ينزعج مرة من ذهابي أنا أو زيد لصلاة الظهر في الجامع القريب أثناء فترة العمل الرسمي (بينما أنبني على ذلك مدير مسلم!)، بل إنه كان أحياناً ينبهنا بنفسه للذهاب إلى الصلاة.
وفي الشريط أيضاً (ب.س)، المثالية إلى درجة كنت شخصياً لا أصدقها في البداية، ثم خبرت صدقها بالتدريج، كانت لكي تتأكد أن المواد الطبية لا تتسرب، تقوم بتفتيش 'سلة المهملات' وتحسب كم 'عوداً من أعواد حشوة الجذر'، ثم تقارن العدد مع السجلات. وفيه أيضاً (س.إ)، التي عرفتها أولاً عندما كنت طبيباً متدرباً، ثم صرت زميلاً لها، كانت تعامل الجميع بأمومة، رغم أنها لم تكن تكبرهم بكثير، وكانت أمومتها هذه تجعلها قريبة من الجميع حتى عندما تحاسبهم أو تحاسبهن، في كل مرة تحكي لنا عن شقاوة ابنها (ميلاد) وكيف أنه صلَّت له في الكنيسة كي يهديه الله، كنا نضحك بخبث أنا وزيد، ونقول لها أن تحذر من دعوات كهذه، لأن الدعاء قد يستجاب ويصير ميلاد مسلماً، فكانت تغرق في الضحك، ويمر الأمر بلا تصعيد أو تأزُّم من أي نوع.
أستطيع أيضاً أن أحدِّثكم عن (ش.ف) ونقاشات لا تنتهي إلا بضحكة ومرح مهما كان فيها من المنغِّصات، أو عن سوزان هنودي وزوجها جراح الأدمغة عمار مجيد الذي لو كان في بلد آخر (أو في العراق في وقت آخر) لما أهدر وترك ليهاجر كما فعل، (كانت آراؤنا أنا وسوزان شديدة الاختلاف، وقد حدث أكثر من مرة أن تصادمنا وإن انتهى الأمر ببكائها- وهو أمر ليس نادراً معي- لكن ذلك لم يقطع قط حبال الودّ والاحترام والتفقد، حتى بعدما تفرقت بنا السبل كل في اتجاه، ربما كان إصرارنا على هذا التفقد بمثابة تحدٍّ لكل ما يتربص بنا من استهداف لهذا التعايش).
في شريط الذاكرة حتماً رفيق دربي اليومي إلى عملي في كربلاء، عامر نافع، الذي خطف لاحقاً من عيادته على يد مسلحين 'يرتدون ثياب الشرطة '، ودفع جني العمر لكي لا يقتل، ترك العراق بعدها وانتهت به الرحال إلى أمريكا، وأستطيع أن أعاير به الكثير من مسلمي الهوية عندما أقول لهم إنه هو، المسيحي الموصلي العراقي الأصيل، يصرُّ على أن يتحدث مع ابنه فيصل باللغة العربية، بينما نجد متحجبات (ومتحجبين!) يلوون ألسنتهم ويتحدثون باللغة الإنكليزية مع أبنائهم، ويحرصون على ألا تشوب اللفظ الانكليزي شائبة لكنة عربية لا سمح الله.
تمرُّ في شريط الذاكرة (أ.ج) موظفة الأفراد الطيبة في تعاملها مع الجميع (بينما يفترض التوصيف الوظيفي لموظفي الأفراد أن يكونوا عابسي الوجه طول الوقت)، وتمرُّ في الشريط أسماء أخرى غيبتها السنون والمنعطفات: رافل فائز تبوني، سرمد عزيز، بشار غانم، فرانك بولص، فراس نائل، نينوس بولص،سامر كلو، فادي فائز، وسام جنان وأسماء أخرى أعتذر منها إن سقطت سهواً من دون أن تسقط مودتها، وتمر في الذاكرة زميلات دراسة عرفن بأخلاقهن وحشمتهن ومحافظتهن: تحضرني بان رسام، وفرح زهير، وصدى حكمت، وبلسم، هيام كرم، ومي خالد دنو (قام المعيد في مختبر علم أمراض الفم بتسريب أسئلة الامتحان تقرباً من مجموعة الفتيات، ورغبة في نيل ابتسامة منهن، لكنه نال كلاماً كالصفعة من مي دنو صاحبة الضمير المستيقظ دائما، قالت له موبخة: كيف تبيع ضميرك؟ بينما أسرع هو ليغير الأسئلة مذعوراً ربما خوفاً من أن تكمل مي الصفعة وتخبر رئيسة القسم).
يرتبط الشريطان في ذهني، شريط الأخبار الدامي المروع، بكل ما فيه من عبث وجنون، وشريط الذاكرة بكل ما فيه من صدق وتعايش ومودة، أدرك بهلع أن شريط الأخبار له الغلبة في الواقع، وأن شريط الذاكرة قد اختفى من الواقع، وصار مجرد ذكريات، ببساطة لم يعد أولادي الذين يكبرون خارج العراق يعرفون شيئاً اسمه 'مسيحي عراقي'، وأظن الأمر مشابهاً للمسيحيين العراقيين في الخارج حيث يكبر أبناؤهم وهم لا يعرفون 'أي عراقي مسلم'، لقد كان التعايش حقيقة يومية بلا تنظير ولا مزايدات، وصار اليوم مجرد شعارات لا يصدقها حتى من يستخدمها، بل بالذات من يستخدمها في مزايدات السياسة الرخيصة، فعندما يُسلَب 'العيش المشترك' لا يعود للحديث عن التعايش أية قيمة حقيقية، بل يصبح مجرد كلام جرائد لا يساوي ثمن الورق الذي طبع عليه.
لم يكن المسيحيون العراقيون وحدهم من دفع الثمن، فقد دفع الجميع الثمن، ولو فتحنا ملفات الجروح والضحايا لما انتهينا، لكني أريد أن أثبت هنا أن التدين والالتزام لا يتناقض قط مع التعايش والمودة الصادقة الحقيقية، بل على العكس يمكن أن يكون أساسا لعلاقة بناءة، وهي حقيقة يغيظني مجرد اضطراري للتذكير بها.
لست من فريق 'ماكو[iv] فرق'، فالفروق موجودة عقائدياً ودينياً، ومن الطبيعي جداً، بل من البديهيات أن يؤمن كلٌّ بأن دينه هو الأفضل والأصح، هذا هو الإيمان بالتعريف، الهندوسي يؤمن بذلك والسيخي واليهودي وكذلك المسلم والمسيحي، ومن السخف تسطيح الفروقات والادعاء أنه لا فرق (إلا بالنسبة لمن لا دين له، وهذا أمر آخر)،
نعم هناك فرق، ولكني أزعم أنه فرق لا يؤثر على التعايش، ولا يؤثر على التعامل ولا يؤثر على المواطنة، بل إن الإيمان بوجود 'فرق' هو ما حفظ للمسيحيين هويتهم عبر القرون، وجعلهم يحرصون على التميز والإنتاج من خلال هذا التميز (وهو درس علينا أن نعيه اليوم نحن المسلمين لأن هويتنا تتعرض للتذويب بوسائل مختلفة، والإيمان بأن تميزنا وقوتنا هو في اختلافنا أمر مهم للحفاظ على هذه الهوية).
نعم هناك فرق، والمهرجون الذين يقولون شيئا آخر لا يعون أنهم بادّعاء إلغاء الفوارق يلغون تمايز المسيحيين وهويتهم التي حافظوا عليها عبر القرون، الفروق أمر طبيعي، ومن المهم الإيمان بها والإيمان أنها لا تفسد للود قضية.
كل النزيف الماضي كان دليلاً شخصياً على ذلك، صرخة وفاء عابرة لزمن التعايش الجميل الذي علينا أن نقر أنه مفارقنا بلا عودة.
[i] بتاريخ 31/10/2010 وفي أثناء قداس الأحد، اقتحم مسلحون كنيسة سيدة النجاة في منطقة الكرادة وسط بغداد وقاموا بتفجيرها واحتجاز المصلين فيها رهائن، بعد بضعة ساعات أعلن مسؤول أمني حكومي نجاح عملية تحرير الرهائن، ثم اتضح أن النجاح لم يكن أكثر من مجزرة راح ضحيتها 58 فردا.
[ii] الأحرف الأولى للأشخاص الذين لا زالوا في العراق، لأسباب أمنية. لا أحد يعرف بالضبط ما الذي يمكن أن يزعج الميليشيات.
[iii] البرحي، أفخر أنواع النخل العراقي، يتميز بلونه الأصفر الذي يجعل النخلة تبدو شقراء.
[iv] ماكو تعني باللهجة العراقية الدارجة لا يوجد، واصلها 'ما يكون'
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :