بقلم: مينا ملاك
لم أكن متخيلاً أنني في يوم من الأيام أعيش تلك اللحظة التي بدايتها مضحكة وآخرها محزنة، وليس الحزن على نفسي فيها، وإنما على حال الصحافة في بلادنا. كنت أسمع عن الإشاعات التي تروِّجها الصحافة والأزمات التي تتسبب فيها، برغبتها في أن تروِّج لنفسها، وتجذب القراء حولها، مما يسيء لنفسها. ولا يهمها أن يسيء ذلك لأي أحد.
أنا نفسي فوجئت بأن صرت يومًا ضحية من أولئك الضحايا الذين يعانون ويلات الصحافة عامةً والإلكترونية خاصةً، فقد ظهرت صورتي على خبر نشره أحد المواقع القبطية التي تتخذ لنفسها من الحرية شعارًا، أقول نشروا صورتي مع خبر عني لا أعرف عنه شيئًا شكلاً وموضوعًا؛ فقد نشر الموقع القبطي الحر أنني رشَّحت نفسي للانتخابات في مجلس الشعب، ولا أعرف من أين لهم بهذه المعلومة التي لم أفكِّر فيها مطلقًا، لقد كنت في مؤتمر عن المهمشين في فندق "سفير" يوم الخميس، قلت- والشهود موجودين على ذلك: إنني حاولت أن أدلي بصوتي في عدة انتخابات سابقة، لكنني واجهتني صعوبات. لم يعن هذا أنني حاولت ترشيح نفسي والبون شاسع بين أن أرشِّح نفسي وبين أن أنتخب أحد، وأظن أن محرر الخبر نفسه يفهم الفارق، وإن كان ليس كذلك فعليه أن يكف عن الكتابة..
والمصيبة أعزائي، إنه قال أنني قلت- وذلك لم يحدث مطلقًا طبعًا- إن الصعوبات كانت بسبب أنني مسيحي، نعم أنا مسيحي وأتشرف بذلك، وأنا مصري وأسعد بذلك، ولكنني لم أميَّز لكوني مسيحي؛ لأنني أصلاً لم أميَّز؛ لأنني لم أرشِّح نفسي من الأساس.
والمسألة ببساطة تكمن في أن هؤلاء الأقباط الأحرار، نسوا- في غمرة اعتزازهم بالحرية- أن يعرفوا أن الحرية الشخصية تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين، وليس الصحافة هي مؤججة الفتن ومقلِّبة الناس على بعضها، وإنما الغرض الحقيقي منها المعالجة، وتطييب الجروح وتضميدها، وحل مشاكل المجتمع، وليس إسعار نيران المشاكل.
أنا لا أنكر عليهم حريتهم، ولكن أين تلك الحرية التي يدَّعونها في نظرهم، في أن يجعلوا مني مادة صحفية غير صادقة مطلقًا؟!!!
والمثير للشفقة والضحك؛ أنني قلت في المؤتمر إنني طالبت بأن يُطبَع الدستور المصري بطريقة "برايل"، وذلك الطلب طلبته من رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور "أحمد فتحي سرور"، ولكن ما قلته في الحقيقة أنني طالبت بطبع الدستور "برايل"؛ ليعرف المكفوفين حقهم في الدستور، وذلك الطلب طلبته من الدكتور "علي الدين هلال"، والفارق كبير بين الدكتورين!
لا أنكر عليكم أن تكونوا أحرارًا فهذا حقكم، ولكن لا تسلبوني حريتي في أن أقول ما أريد، وأنا واثق بأن تبقى كلماتي دون تحريف ولا تشويه، ويكون الغرض في ذلك هو الإثارة وجذب الناس لقراءة تلك المواقع، ولا يهمهم أن تكون تلك الأخبار صحيحة أم لا.. لا يهمهم الأشخاص الذين يكونون مسار لتلك الأخبار المغشوشة.
للأسف أيها السادة أن ذلك الموقع المحترم كما أظنه، رغم ما فعله بي لم يُسئ لنفسه فحسب، بل أساء لمهنة الصحافة؛ فقد شك كل من حولي في مدى مصداقيته، مما جذبهم لأن يشكوا في مدى مصدقية الباقين بذلك المنطق المغلوط للأسف، الذي يقول الحسنة تخص والسيئة تعم.
وسأذهب معكم لأبعد من ذلك، وسأقول أن العيب ليس في الموقع وليس القصد من وراء هذا الخبر الكاذب الإثارة وتأجيج المشاكل وجذب القراء. وسأقول أن الصحفي الذي نشر الخبر أخطأ ولم يفهم كلماتي التي أثق في مدى وضوحها، بل والتي لم تشر من قريب أو من بعيد إلى ما قاله، فدعوني أسالكم سؤالاً بسيطًا، هل لهذا الصحفي الذي كتب هذا الخبر المغلوط أن ينتظر قليلاً قبل نشر الخبر كما فهمه هذا الفهم المغلوط، ويسألني سؤالاً مباشرًا يستفهم فيه عن المعلومات بأكثر تدقيق حتى يستطيع أن يقدِّم الحقيقة للقارئ؟!! هل كان يظن أنني سأحرمه من المعلومة؟ هل كان متعجل لدرجة أنه نسى في غمرة اهتمامه بكتابة الخبر أبسط مبادئ الصحافة وهي الصدق والدقة؟
وأخيرًا، صدقوني يا أعزائي، إن ما قاله هذا الصحفي لا يمت للحقيقة بصلة، ولا توجد كلمة مما أورده هذا الصحفي على لساني قلتها، وإن كنت قد قلتها فلا يهمني أن أعترف، لكن ذلك لم يحدث. ولم أقُل كلمة واحدة منها، ولم أضع في حياتي مسألة المسيحية عائقًا. المتابع لمقالاتي يعرف أنني لم أعتد أن أشير للمسائل الطائفية في مقالة واحدة منها، ولكم أن تعودوا لمقالاتي في كل مكان وتتأكدوا من ذلك؛ فأنا من المعتقدين أن إصلاح الوطن يؤدي إلى إنهاء كل مشاكلنا، فضياع العدل بكل صوره أدَّى لمشاكل كثيرة، وأنا حلمي أن تصير "مصر" دولة من الدول المستقرة كباقي دول العالم المتحضر والمتقدم، وبالتالي سوف لا نسمع عن كافة المشاكل التي نسمع عنها في هذه الآونة، ومنها الحرية المنفلتة للصحافة.
المختصر المفيد، دور الصحافة ليس الإثارة ولا التهدئة، وإنما المعالجة الهادئة.