العاملون الأجانب في سويسرا يحوّلون مليارات الفرنكات إلى بلدانهم الأصلية
كشف تقرير جديد أعده البنك الدولي أن المهاجرين الأجانب العاملين في سويسرا بعثوا بحوالي 5 مليارات من الدولارات (4،8 مليار فرنك سويسري) إلى عائلاتهم في العام الماضي. وبالرغم من التراجع المسجل في الإقتصاد العالمي، فإن التحويلات المالية الموجهة إلى البلدان السائرة في طريق النمو تظل مصدرا حيويا للمساندة المالية وللتمويل الخارجي.
دراسة البنك الدولي أدرجت سويسرا في المرتبة الثالثة وراء الولايات المتحدة والعربية السعودية باعتبارها ثالث أكبر بلد على مستوى التحويلات في عام 2009، حيث قام المهاجرون العاملون في سويسرا (بمن فيهم أولئك الذين يعبرون الحدود يوميا من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا) بتحويل 19،6 مليار دولار إلى بلدانهم.
من هذا المبلغ أرسلت 5 مليارات في شكل تحويلات مالية إلى العائلات لتلبية الإحتياجات اليومية وبقية المصاريف مقابل 4.1 مليار فرنك سنة 2007. في الوقت نفسه، لم تتجاوز الميزانية الإجمالية المخصصة من طرف الحكومة السويسرية لفائدة المساعدات التنموية 2.5 مليار فرنك في عام 2009.
وتشير أحدث الإحصائيات إلى أن حوالي 22% من سكان سويسرا الذين يبلغ تعدادهم 7،8 مليون نسمة أجانب. ويقدم الثلثان من دول الإتحاد الأوروبي وبلدان الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر EFTA فيما توجد جاليات معتبرة من دول البلقان وآسيا وأمريكا اللاتينية وافريقيا تضم مهاجرين شرعيين وآخرين سريين.
وتشير التوقعات التي تضمنها التقرير الصادر يوم 9 نوفمبر 2010 عن المؤسسة المالية الدولية بعنوان «حقائق عن الهجرة والتحويلات لعام 2011» إلى أن التحويلات المالية المرسلة إلى البلدان النامية ستبلغ 235 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري وقد تصل إلى 440 مليار دولار على مستوى العالم أجمع.
ونبه التقرير أيضا إلى أن أكبر بلد مستقبل للمهاجرين هو الولايات المتحدة، تليها روسيا ثم ألمانيا وكندا، وعربيا حاءت السعودية في المقدمة. أما البلدان التي تحتل المراتب الأولى في ارتفاع نسبة المهاجرين مقارنة بعدد سكانها فهي قطر (التي يشكل المهاجرون 87 في المائة من المقيمين فيها)، وإمارة موناكو (72 في المائة)، ودولة الإمارات العربية المتحدة (70 في المائة، والكويت (69 في المائة).
ويتكهن خبراء البنك العالمي بارتفاع مطرد في قيمة التحويلات المرسلة من طرف العمال الأجانب إلى البلدان الفقيرة على مدى العامين القادمين، حيث قد تتجاوز 374 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف المساعدات التنموية الموجّهة من البلدان الغنية إلى الخارج. وهو ما يمثل تطورا إيجابيا بعد الإنخفاض المسجل في عام 2009 (بحوالي 5%) حيث لم تتجاوز القيمة الإجمالية للتحويلات 307 مليار دولار.
ظاهرة يتعذر قياسها بدقة
ماتياس ليرش، المتخصص في المسائل الديموغرافية في جامعة جنيف يرى أن المرونة التي اتسم بها حجم التحويلات في الأعوام الأخيرة ليست ظاهرة غير معتادة بالنظر إلى أن العمال المهاجرين لديهم تضامن طبيعي مع عائلاتهم حتى في الأوقات الصعبة. وقال في تصريح لـ swissinfo.ch: "حتى في صورة فقدان المهاجرين لوظائفهم في سويسرا، فإنهم يستمرون بإرسال الأموال لأنهم يعلمون أن الإحتياجات أكثر أهمية في بلدهم الأصلي".
مع ذلك، وعلى الرغم من هذه الإحصائيات المثيرة للإعجاب، فإن قياس التأثير الفعلي للتحويلات المالية يظل صعبا. ويقول ليرش: "إنها مهمة عسيرة جدا. بدءأ بقياس الحجم الحالي للتحويلات بحكم وجود العديد من الفوارق المنهجية ولأن معظم الحسابات مجرد استقراءات".
ويقول خبراء إن الحجم الحقيقي للتحويلات قد يصبح أعلى بخمسين في المائة إذا ما تم احتساب التحويلات غير المسجلة (في الإحصائيات) التي تنتقل عبر قنوات رسمية أو غير رسمية. ويُعتقد أن 80% من التحويلات تمر عبر قنوات غير رسمية بين سويسرا ودول البلقان وعادة ما تمر عبر المهاجرين أو الأصدقاء أو المعارف.
التعليم والصحة والسكن
مع ذلك، لا تذهب كل الأموال المُرسلة إلى مسقط الرأس إلى أولئك الذين هم في أشد الحاجة لها. ففي بعض الحالات، تؤدي إلى نشوء حالات تتسم بالتبعية (أو الإعتماد الشديد عليها) وخاصة داخل الدول التي تتميز بمعدلات هجرة عالية في صفوف سكانها. وفي حالات أخرى، لا تستثمر بعض المبالغ كما ينبغي وتضيع في اقتناء بضائع استهلاكية.
ومهما يكن من أمر، يسود الإعتقاد – بشكل أو بآخر – بوجود تأثير إيجابي للتحويلات المالية المنتظمة على تخليص الناس من براثن الفقر، حسب رأي ليرش الذي يشير إلى أن هذه التحويلات "كان لها تأثير كبير على مستويات عيش المسنين في صربيا"، على سبيل المثال.
في المقابل، تلاحظ باربارا أفولتر، العاملة في برنامج يُعنى بالهجرة في الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، أن الآراء لا زالت – مع ذلك - منقسمة بخصوص التأثيرات التنموية للتحويلات المالية للمهاجرين، وتقول: "كثيرا ما يعتقد البنك الدولي والبنوك الإقليمية أن المهاجرين يُموّلون بالتأكيد مشاريع اقتصادية وبالنسبة لهم فهذه تنمية.. لكن إذا ما دققنا النظر في المسألة نجد أن التحويلات كثيرا ما تستخدم (للإنفاق على) دراسة الأبناء والصحة والسكن... وهي (أمور) تندرج ضمن أهداف الألفية التنموية كما أنها أساسية للتنمية البشرية".
توجهات متنامية
في سياق متصل، برزت مؤخرا توجهات قد تزيد من الفوائد الناجمة عن التحويلات إلى أقصى حد. فقد تنبهت العديد من البلدان أكثر من قبل إلى دور وقدرات مواطنيها المغتربين وهي تقوم حاليا بدراسة بعض المبادرات من بينها إصدار سندات خاصة بالمهاجرين والسبل الكفيلة بتوريق التحويلات المستقبلية.
إضافة إلى ذلك، تسهم التكنولوجيات الجديدة مثل الهواتف النقالة والمعاملات المصرفية عبر الإنترنت والتنافس المحتدم بين شركات نقل الأموال في جعل المبادلات المالية أكثر يُسرا وأمانا وأقل تكلفة. في المقابل، لا زالت خدمات تحويل الأموال عبر الحدود بواسطة الهواتف النقالة تسير بنسق بطيء.
وتقول السيدة أفولتر: "إن من شأن تخفيض تكلفة التحويلات المالية مساعدة المهاجرين، لكن الأكثر أهمية هو تقليص تكاليف الهجرة". فقد أظهرت دراسة أجريت مؤخرا حول المهاجرين البنغاليين الذين لا يتوفرون على مهارات عالية الذين اشتغلوا ثلاثة أعوام في الشرق الأوسط أنهم قد احتاجوا لعامين (من الأجور) لتسديد التكاليف المستحقة لوكالات الإنتداب (تذاكر سفر بالطائرة) وديون أخرى.
وتقول المشرفة على البرنامج: "في معظم الأحيان، لا يكاد المبلغ المتبقي في نهاية الشهر كي يرسل إلى البيت يُساوي شيئا"، لذلك فإنه "عندما يُتمكن من إيجاد حلّ لمسألة تكاليف الهجرة هذه، عندها فقط يُمكن الحصول على نتائج بخصوص التحويلات التي يُمكن للعمال المهاجرين إرسالها إلى بلدانهم
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :