امساك باحسان او تسريح بمعروف
بقلم: مجدي جورج
فى مسالة استفتاء جنوب السودان
استغربت من مقالة د. يوسف نور عوض فى جريدة القدس العربى بتاريخ 2010-11-18 تحت عنوان "هل يصبح السودان ساحة صراع بعد استفتاء الجنوب " فعهدى على الرجل انه غير تحريضى ولكنه فى هذه المقالة بعد ان استعرص بعض من تاريخ مشكلة جنوب السودان قام بالطلب الصريح من حكومة السودان بايقاف استفتاء تقرير مصير جنوب السودان باى ثمن .والمشكلة ان هذا المطلب ليس مطلبه هو فحسب بل اصبح مطلب الكثيرين سواء داخل السودان او خارجه .
وللاسف فان كل من يرددون هذه الاقاويل يتناسون عدد من الحقائق الهامة :
1 ان حق تقرير المصير الذى اعطى للجنوبيين بموجب اتفاق نيقاشا لم يكن مطلب الجنوبيين فى البداية فجون جارانج حارب من اجل الرفاهية والعدالة والمساواة لكل السودانيين بل ان السبب الرئيسى فى هذا الطلب هو جبهة الانقاذ التى تحكم السودان منذ 1989 والتى قامت بفرض الشريعة الاسلامية هناك والتى عبئت شباب الشمال للحرب ضد اخوانهم الجنوبيين تحت مسمى الجهاد الدينى فقبل ذلك الوقت ومنذ بداية الاقتتال الشمالى الجنوبى عام 1955 لم تكن هناك اى اسباب طائفية او دينية للاقتتال بل كان الجنوبيين يقاتلون ضد التمييز والتهميش الذى يتعرضون له .
و جبهة الانقاذ حين وافقت على اتفاق نيقاشا واعطاء الجنوبيين حكم ذاتى فى الجنوب لمدة خمسة اعوام ومن بعدها حقهم فى تقرير المصير قد فعلت ذلك لثلاثة اسباب :
- حتى لا تضطر الى الموافقة على الغاء الشريعة الاسلامية فى كل ربوع السودان او حتى فى الخرطوم العاصمة الادارية كما كان ينادى جون جارانج فهى لا تستطيع ان تخرج الى محازبيها ومناصريها وتقول لهم انها وافقت على هذا الامر حتى لو كان الثمن هو تفتيت السودان الى عدة دويلات صغيرة فحكم حى من احياء الخرطوم بالشريعة افضل لها من مجئ غيرها لحكم سودان موحد بدون شريعة .
- راهنت على الوقت (مثل جحا فى رهانه على الزمن لتعليم حمار العمدة الكلام فقد نال الاجرة مقدما اعتمادا على انه مع مرور الوقت فان الموت سيطاله او سيطال العمدة او سيطال الحمار ) فاعتقدت ان فترة خمس سنوات ستكون ربما كافية لنسيان اهل الجنوب وقادتهم هذه المسالة وتناست ان مشاعر الانفصال قد قويت بشدة خلال هذه الفترة الانتقالية .وربما اعتقدت ان الوقت سيسمح بتغير الظروف الدولية مما يؤدئ الى تغير موازين القوى الدولية لصالحها بما يتيح لها التملص من هذا الاتفاق .
- راهنت على انها ربما ستسطيع بمساعدة المانحين العرب والدوليين على جعل خيار الوحدة جاذبا للجنوبيين ولكن هذا الرهان فشل فلا العرب يهمهم السودان ولا القوى الغربية مشغولة ببقاء السودان موحدا او غير موحدا .
2 ان مسالة تفكك الدول القطرية الكبرى ليس هو بمثابة السابقة التى لم تحدث ابدا فقد تفكك الاتحاد السوفيتى الى 16 جمهورية بمنتهى السلاسة والامان ولم تحدث حروب طاحنة بين هذه الجمهوريات وتخيلوا لو فكرقادة روسيا وهى اقوى جمهورية فى هذا الاتحاد كما يفكر بعض المحرضين اليوم واستخدموا ما تملكه روسيا من قوى عسكرية وربما نووية للابقاء على هذه الدول فى هذا الاتحاد فلربما كنا قد شاهدنا حرب عالمية ثالثة بين الشرق والغرب .
وكذلك فان تشيكوسلوفاكيا قد انقسمت دولتين هما جمهورية التشيك وجمهورية سلوفاكيا بمنتهى السلاسة وتعيش الدولتين فى سلام والامثلة كثيرة على الانقسام السلمى بين الدول .
3 ان مسالة استخدام القوة فى فرض بقاء الدول موحدة لم يجلب الا الدمار والخراب للدول والشعوب واقرب مثال هو ما حدث من حروب نتيجة محاولة الدولة اليوغسلافية البقاء موحدة مع عدم رغبة شعوب الجمهوريات الستة المكونة لها فى ذلك مما ادى الى حروب دمرت وقتلت وشردت مئات الالاف من السكان ولازالت اثار هذه الحروب متواجدة الى اليوم .
4 انه فى عالمنا العربى قد فضت اتحادات كثيرة بين دول دون قيام حروب واراقة دماء كالاتحاد الذى تم بين مصر وسوريا فى الستينات وقد حدث الانفصال بعد ثلاث سنوات دون ان يستخدم عبد الناصر القوة التى كان يملكها لبقاء هذا الاتحاد . ومن بعده فضت اتحادات اخرى وقعت بين الدول العربية كالاتحاد بين مصر وليبيا والسودان فى السبعينات واتحاد وادى النيل بين مصر والسودان و اتحاد مجلس التعاون العربى بين مصر والعراق والاردن واليمن الشمالى فى نهاية الثمانينات .
5 لايجب القاء الاتهامات جزافا على الغرب فى كل كوارثنا ومصائبنا التى نفعلها بايدينا ومن ثم نتهم الغرب والقوى المعادية بها فصحيح ان حكام اسرائيل والغرب ليسوا بملائكة وصحيح ايضا ان لاسرائيل وللغرب مصالح وهو مستعد ان يفعل اى شئ من اجل مصالحه وعلينا ان نعلم ان السياسة هى مصالح دائمة وليست صداقات دائمة والغرب دائما ما يبحث عن مصالحه ومصالح شعوبه .
فنحن الذى نعطى الغرب ولغير الغرب الفرصة التى تجعله يتدخل فى شئوننا فلو كانت هناك حكومات عادلة فى السودان لما تمرد الجنوبيين عليها ولما تدخل المجتمع الدولى من اجل حمايتهم ومن ثم تحقيق مصالحه من خلال هذا الامر .
نهاية اقول لكم ارجوكم انظروا الى حال الشعب اليمنى اليوم فى شمال اليمن وجنوبه لقد كان حالهم افضل بكثير قبل الوحدة عندما كان هناك دولتين قائمتين بذاتهما تتيحان اوضاع امنه للسكان وكان هناك حكومتان تحاول كل منهما تلبية احتياجات ورغبات هؤلاء السكان ولكن الان هناك دولة واحدة ولكنها للاسف دولة فاشلة بكل المقاييس الدولية لا تستطيع حتى توفير الامن والامان لسكانها بل اصبحت عب على المجتمع الدولى كله.
لذا ارجو من كل الكتاب وكل المحرضين على استفتاء جنوب السودان ان يكفوا ايديهم ويتركوا هذا الشعب يقرر مصيره بيده وعلى ساسة جبهة الانقاذ ان يعملوا بالمبدأ القرانى القائل "امساك باحسان او تسريح بمعروف "ويتركوا للجنوبيين حرية البقاء فى السودان موحدا او تكوين دولتهم الخاصة بهم حتى لا يقطعوا حبال الود مع هذه الدولة الوليدة لو اختار الجنوبيين ذلك .
وياليت كل الشعوب فى كل العالم العربى تستطيع ان تنال مثل هذه الفرصة وتاخذ بزمام الامور وتملك فرصتها فى تقرير مصيرها كى تتمكن من التخلص من كل حكامها الطغاة الكاتمين على انفاسها منذ سنين عديدة.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :