بقلم محمود يوسف بكير
يتم تداول مقال خطير هذه الأيام للمناضل المصري المعروف مجدي أحمد حسين أسماه " رسائل الإيمان - شرح الخلاف العقائدي مع النصارى " جزء (52) والحقيقة إنني فوجعت لدى قرأتي هذا الجزء حيث إنني أعرف الأستاذ مجدي كمناضل ضد نظام مبارك في مصر وضد الاستبداد والفساد ولم أعرفه مناضلاَ ضد النصارى .
يذكر الأستاذ مجدي حسين في مقاله " إن رفض عقيدة النصارى جزء لا يتجزأ من عقيدة الإسلام وأن عقيدة التوحيد لا تنجلي دون رفض عقيدة التثليث " .
وهو يدعو إلى أن يتم الترويج لرأيه هذا في كل المنابر الإسلامية والمحطات الإذاعية والتليفزيونية والمساجد ....الخ .
والغريب أن الأستاذ مجدي يقول في نفس المقال " انه لا توجد في الإسلام عقوبة على أي إنسان لأنه يهودي أو نصراني أو صاحب فكر مخالف " ويذكر أيضاَ الآية الكريمة ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " .
إن كلام الأستاذ مجدي حسين يتسم بالاضطراب والتناقض إذ يفهم من كلامه أن المسلم لا يكون مسلماَ حقاَ إلا إذا هاجم النصارى وسفه معتقداتهم وهذا يتناقض تماماَ مع الآية الكريمة التي ذكرها ولعلي أزيده آية أخرى " لكم دينكم ولي دين "في سورة الكافرون فما بالك والمسيحيون ليسوا كافرين بل هم أهل كتاب وقد ورد في القرآن أيضاَ عنهم " ولتجدن أقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وإنهم لا يستكبرون " آية 82 سورة المائدة
فهل الأسلوب العدائي والاستفزازي الذي يروج له الأستاذ مجدي حسين يتفق مع كل هذه الآيات التي تحض على التسامح والرحمة والموعظة الحسنة ؟
لقد نشأنا جميعاَ على أنه يكفي للإنسان أن ينطق بالشهادتين حتى يكون مسلماَ ولم نسمع من قبل أن على المسلم أن يرفض ويسفه عقيدة التثليث حتى يكتمل أو ينجلي إسلامه ! ! ولا أدري لماذا خص الأستاذ مجدي حسين المسيحيين فقط بهذا الهجوم ولماذا لم يطالبنا أيضا أن نرفض معتقدات الهنود والصينيين الذين يؤمنون بآلهة كثيرة تتناقض مع عقيدة التوحيد ، وهل مطلوب منا أن ندخل في عداء مع العالم كله ؟ وكيف ستكون الحياة حينئذ في رأيه ؟
لقد فات الأستاذ مجي حسين أن أحداَ من المسيحيين الذين طالب برفض وتسفيه معتقداتهم لم يطالبه بأن يعتنق عقيدة التثليث ، فلماذا إذا هذا الانزعاج والتوتر من جانبه ولماذا هذا التصعيد غير المسئول في وقت تمر فيه كل المنطقة العربية بحالة تأجيج طائفي غير مسبوق في تاريخها ، ولعلنا جميعاَ نتذكر ما حدث منذ أيام قليلة من هجوم على أحد كنائس بغداد من قبل متطرفين متأسلمين يؤكدون أنهم سوف يستهدفون المسيحيين في كل أنحاء العراق .
لقد أمضى الأستاذ مجدي حسين سنوات عديدة حسبما أعلم في السجن دفاعاَ عن حقوق المظلومين ومناضلاَ ضد استبداد أل مبارك وضد الفساد وكنت أتمنى أن يواصل كفاحه معنا في نفس المضمار لا لأن يتركنا دون سبب وجيه ليوجه سهامه في الاتجاه الخاطئ ضد مواطنين مصريين يتعرضون مثلنا كمسلمين للظلم والامتهان ،أليس الأولى منا جميعاَ أن نركز جهودنا من أجل تخليص مصر من نظام مبارك الذي أوصلها إلى أوضاع متردية غير مسبوقة في تاريخها الطويل من فقر وفساد وظلم اجتماعي وغياب القانون وانهيار التعليم وكافة مؤسسات الدولة، أليس هذا أولى وأهم من فتح معارك جانبية لن يستفيد منها إلا نظام مبارك لتكريس حكمه؟ هل يتخيل الأستاذ مجدي حسين أنه لو رحل الأقباط عن مصر أو تخلوا عن عقيدة التثليث أن الأمور في مصر سوف ينصلح حالها ؟ وستعود إلينا العزة والكرامة والتقدم والازدهار؟
إنني أدعو كل مسلم مخلص شريف في عالمنا العربي أن يدين هذا الفكر المتطرف الذي لم تعرفه منطقتنا العربية عبر تاريخها الطويل وعلينا جميعاَ أن نتذكر دائماَ أن لا أحد منا يختار دينه مثلما لا نختار جنسنا أو شكلنا أو حتى أهلنا ، فهذه معطيات الحياة يمنحها الله كيفما يشاء ، ولا أحسب أن الأستاذ مجدي حسين يشذ عن هذه القاعدة أو أنه ناضل حتى يكون مسلماَ أو أن بمقدوره أن يغير أي من هذه المعطيات بما فيها دينه حتى إذا شاء .
إنني أطالب كل مسيحيي العالم العربي بألا يهتزوا لهذه الدعاوى المتطرفة وأن يعوا جيداَ أن الغالبية الساحقة للمسلمين في العالم العربي مسالمة ومتسامحة وعليهم ألا يرضخوا لضغوط قلة كارهة تحاول دفعهم لهجرة أوطانهم، وعليهم أيضا ألا يردوا على أي استفزاز باستفزاز مقابل حتى لا يخسروا تعاطف الأغلبية المسلمة معهم.
كما أنني أهيب بكل علماء المسلمين في العالم العربي أن يردوا على ادعاءات الأستاذ مجدي حسين بإصدار فتاوى تنويرية لعامة المسلمين توضح أن الإسلام برئ من تلك الإدعاءات وأن الدين سيبقى دائماَ علاقة بين الإنسان وربه وأن الوطن سيظل دائماَ حقاَ للجميع .