بقلم: أيمن عبد الرسول
وكأنما كُتِب على هذا البلد الشقاء، وكأننا نحرث في البحر كل هذه السنوات، حائرٌ أنا لا أعرف، من أين نبدأ؟ من مظاهرات الإخوة الأقباط التي راح ضحيتها قتيل على الأقل وعشرات المصابين، في الدفاع عن بناء مجمع خدمات مُلحق بكنيسة، أم من لعبة الانتخابات التي يقف المواطن حائرًا مثلي بين فساد الحزب الوطني الحاكم، وفساد الإخوان الغاشم، واللعب على أحلام الغلابة واستغلال الجهل والفقر والمرض أسوأ استغلال، الانتخابات البرلمانية في مصر تتحوَّل إلى سوق لبيع أصوات الناخب للمرشَّح، ناخب يحاول الحصول على خدمات من مرشَّح محترف وعود وتعهُّدات، إذا سقط فلسع، وإذا نجح من دائرته يخلع، والمواطن المصري الناخب يدفع ثمن هذه الوعود، ويتخيَّل أن مجلس الشعب، ونواب الشعب مجمع خدمات، لا مجلس تشريعي ولا رقابي، والنائب المحترم يسعى للحصانة والسلطة والامتيازات، لا مصالح الشعب ولا قوانينه ولا الرقابة على السلطة التنفيذية ولا يحزنون، أما الذين يحزنون ويضطهدون ويقتلون هم الأقباط، في نفس التوقيت الذي يحاول المرشحون من الحزب الوطني، والإخوان الحصول على أصوات الناخبين، ويسقط الصوت القبطي من حسابات الجميع، لا الحزب الوطني يسعى لهم ولا الإخوان، والرهان على الأغلبية المسلمة، التي تحلف طول الوقت بالطلاق أن مصر دولة إسلامية.
مراجعة تعليقات القراء على المواقع المختلفة التي نشرت أنباء ما جرى في إحدى الكنائس الواقعة في نطاق محافظة الجيزة، من تعدي الأمن على متظاهرين أقباط ومقتل أحدهم على يد قوات الأمن والمصادمات التي جرت إثر منع الأمن رجال البناء من إنشاء مجمع خدمي ملحق بكنيسة، وبعد أقل من ثلاثة أسابيع على تهديدات تنظيم القاعدة، دولة العراق الإسلامية، للكنائس والأقباط إثر حادث كنيسة سيدة النجاة ببغداد، يطلعنا على جهل مسلمي مصر العميق بخصوصية الأقباط، ويكشف مدى الحقد والكراهية الذي يتمتَّع به أغلب الأغلبية في مصر ضد كل ما هو قبطي، أو غير إسلامي، ويضع علامات استفهام حول إعلانات المحبة الموسمية التي يطلقها الإعلام من باب تطمين الأقباط عقب كل كارثة طائفية، كانت القاعدة تهدِّد والمتعصِّب المسلم يحرق بيت أخيه القبطي في أبي طشت بصعيد مصر عقب شائعة عن علاقة قبطي بمسلمة، كانت القاعدة تهدِّد، بينما قوات الأمن المصرية وبعض المسلمين الغفَّل يحاصرون كنيسة العمرانية، كانت القاعدة لا تهدِّد عندما قاد أحد كوادر الحزب الوطني حملة حرق بيوت البهائيين في الشورانية بصعيد مصر منذ عامين!
إن ما يجري الآن على أرض مصر من صراع بين الإخوان الانتهازيين والحزب الوطني الاستغلالي، في ساحة الانتخابات البرلمانية، هي معركة بين فساد في السلطة وفساد محظور تحت راية الإسلام، ومحاولة الحزب الوطني نفسه احتواء الإسلام في عباءته السياسية، الكل يحارب على مصالحه، وإن كان المواطن يبحث هو الآخر عن مصلحته الخاصة، فالمواطن القبطي لا يجد مصلحته مع الإخوان، ويحاول مساندة الحزب الوطني على أساس أن عدو عدوي صديقي، فلا يجد القبطي من الحزب الوطني أية مساندة، على العكس، فالحزب الوطني مشغول بترضية الأغلبية المسلمة على حساب القبطي، لأنه يحارب الإخوان على أرضية مصر الإسلامية، وبالتالي فمن المنطقي جدًّا أن يشترك الأمن مع بعض المسلمين في إلقاء الأقباط في أتون الصراع الذي يدفع القبطي وحده فاتورته، بينما يرفع الأقباط صورة الرئيس ولافتات تأييد الحزب الوطني على كنيسة العمرانية، المحاصرة بسبب البناء، ومع ذلك يضربهم الأمن بالقنابل المسيلة للدموع!!
تؤيد الكنيسة المصرية مشروع النظام الذي صار أقوى من الدولة، وتحمي كيانها ـأي الكنيسةـ بهذا التأييد ولا يحمي النظام بناء كنائس الأقباط، ولا يناقش أو يتبنى الحزب الوطني مشروع قانون دور العبادة الموحد، في مصر بين كل مسجد صغير بميكرفون كبير ومزعج وآخر مسجد، وعندما يصلي عدد من الأقباط في منزل أحدهم لعدم وجود كنيسة، يهاجمهم المسلمون وأمن الدولة معًا!
من مصلحة الإخوان المزايدة على أسلمة الدولة، وتسيير المظاهرات المناهضة للنظام، ولكن ليس من مصلحة الحزب الوطني مطلقًا إسقاط قضايا الأقباط من حساباته، ولا من مصلحة الأقباط الرهان على الحزب الوطني، لأنه لم يقف بجوارهم في أية معركة، ونحن على مقربة من الانتخابات التي يمكن وصفها بالهزلية، والأقباط يجب أن يمتنعوا عن التصويت ليعرف النظام الذي لم يعاملهم على أرضية المواطنة أنهم أقلية مؤثرة، وأن من يتجاهلهم يخسر، ويجب أن تراجع الكنيسة موقفها الذي بدا خاسرًا من النظام، وليكن دعمها له مقابل مكاسب محسوبة على المستوى السياسي، وأن تضع الكنيسة في حساباتها الغضب القبطي من الغبن الذي يتعرض له شعبها تحت مظلة أن مصر دولة إسلامية، ونوجه في النهاية سؤالاً إلى الحزب الوطني الحاكم، إلى أين يذهب الأقباط في دولتكم الإسلامية؟
إذا صدر تقرير الحريات الدينية يدينكم ويصف نظامكم بالتمييز الديني ضد الأقباط صرختم: لا للتدخل الأجنبي، وإذا صرخ الأقباط في الداخل لوَّحتم بأن الموساد يتدخَّل لإفساد العلاقة بين المسلمين وإخوانهم، وكأن النظام والإخوان أولاد عم قرَّروا أن يكونوا على الغريب القبطي.. ولكننا لا نعرف من هو أخو النظام، فالمثل يقول: "أنا واخويا على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"!!