الأقباط متحدون | التشكيك في عروبة شيعة العراق جـ2
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٢:٥٣ | الاثنين ٦ ديسمبر ٢٠١٠ | ٢٧ هاتور ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٢٨ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

التشكيك في عروبة شيعة العراق جـ2

الاثنين ٦ ديسمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم :د.عبد الخالق حسين
اختلاط الأجناس البشرية

وإذا أردنا تفسير الانتماء القومي حسب نقاء الدم، فلا يمكن لأي إنسان أن يتأكد من نقاء دمه وجيناته الوراثية في هذا العالم الذي يشهد فيه البشر الاختلاط المستمر بين الشعوب على مدى التاريخ، وخاصة في العراق. فالعراق نتيجة لموقعه الجغرافي المتميز، واعتدال مناخه وكثرة أنهاره ومياهه، فقد غزته وعبثت به جيوش جرارة، ووقعت فيه أحداث أتخمت كتب التاريخ، وكان ملتقى للموجات البشرية. ولذلك صار العراق مهد الحضارات، وجسر تجاري هام يربط الشرق بالغرب، استوطنت فيه أقوام لا تعد ولا تحصى، ولهذا تميز شعبه بالتعددية القومية والدينية والمذهبية واللغوية.

وللأسباب الجغرافية والتاريخية والسياسية أعلاه، نعتقد أن أغلب الأفراد والجماعات والشعوب في معظم البلدان، وليس في العراق فقط، فقدوا نقاء جيناتهم الوراثية من قومية واحدة. ففي دم كل منا خليط من جينات مختلف الأجناس البشرية. ولذلك تعتبر الشعوب المتمدنة، التنابز بالأعراق من أعمال الحركات الفاشية المنافية للأخلاق وحقوق الإنسان. ولكن في حالتنا العراقية وفي عهد الحكومات العراقية المتعاقبة ولحد ما قبل 2003، أصبح الخوض في هذه الأمور مجالاً للدراسات الجامعية العليا ونيل الشهادات فيها. كما وأصبحت ممارسة الطائفية والعنصرية علنية عانت منها الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي، من الشيعة العرب والسنة الأكراد والتركمان وغيرهم.

ومن كل ما تقدم، نعرف ان الشعوب باقية وما يطرأ عليها هو ليس الانقراض، بل أنها تتبني حضارات ولغات وأديان وثقافات جديدة. فالذي حصل في بلدان شمال إفريقيا، ووادي الرافدين، وسوريا الكبرى وغيرها، أن شعوبها تبنت لغة العرب وديانتهم بعد الفتح الإسلامي لها، وحصل اختلاط وتزاوج بين القبائل العربية وشعوب هذه البلدان، وبمرور الزمن صارت اللغة العربية لغتها والدين الإسلامي دينها. كذلك هناك عرب وهم غير مسلمين كالمسيحيين، وهناك مسلمون دون أن يكونوا عرباً كالفرس والأفغان، والأتراك والأكراد... وهكذا. ففي الحديث النبوي الشريف يقول: "أيها الناس ..ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان (اللغة). فمن تكلم العربية فهو عربي". وعندما يسأله الصحابي واثلة بن الأسقع: يارسول الله أمن المعصية أن يحب الرجل قومه؟ يجبه: " لا، ولكن من المعصية ان ينصر الرجل قومه على الظلم!".(11)

وحتى ساطع الحصري، المعروف بطائفيته، يعترف بصدد الانتماء للقومية العربية في كتابه (أبحاث مختارة في القومية العربية ج1ص95): "إن كل شعب يتكلم العربية هو شعب عربي... ومن ينتسب إلى شعب من هذه الشعوب العربية، هو عربي…الخ"، ولكن المشكلة عند الحصري أنه عندما تعود المسألة للشيعة العرب في العراق، فيصفهم بالعجمة ويعاملهم كعجم معادين للعرب وليسوا من بلاد الرافدين!. (رجع الفصل السادس من هذا الكتاب).

سيف الشعوبية يشهر من جديد
قلنا أن حملة التحريض ضد شيعة العراق قد بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، حيث تطوع لها عدد غير قليل من السياسيين العراقيين الطائفيين، بإشهار سيف الشعوبية. والمؤسف أن تورط في هذه الحملة  أكاديميون من وزن ثقيل مثل المؤرخ الراحل عبدالعزيز الدوري (1919-2010)، الذي ألف كتاباً في هذا الخصوص بعنوان (الجذور التاريخية للشعوبية) عام 1962 تزامناً مع ثورة 14 تموز والصراع الدامي بين التيار الوطني العراقي اليساري وبين التيار العروبي.

أما السيد صبحي عبد الحميد (وهو من الضباط الأحرار في ثورة 14 تموز 1958)، فيقول عن الشعوبية ما يلي: "الشعوبية نوعان: دينية تهدف إلى تخريب الدين الإسلامي بتحريف تعاليمه وإدخال تعاليم وعادات وتقاليد غريبة عنه. وعنصرية تكره وتحارب العنصر العربي وتدس عليه وتحاول تمزيقه وإضعافه. ولقد تبنى هذا النوعين بعض العناصر غير العربية التي دخلت الإسلام وبالأخص الفرس. أما اليوم فقد ظهر بين العرب من شارك الآخرين بتبني المبدأ الشعوبي بمحاربة الدعوة للوحدة العربية تحت شعار التقدمية والشيوعية أو التطرف الديني".(12)

فلو وافقنا السيد صبحي عبد الحميد، على قوله هذا، فإن جميع الحكومات العربية وبدون استثناء هي شعوبية، لأنها رفضت أن تندمج في دولة عربية واحدة، بما فيها تلك الحكومات التي تدعي أنها وحدوية. ولهذا يجب اعتبار عبد السلام عارف الذي ملأ الدنيا صراخاً وضجيجاً حول الوحدة أيام عبد الكريم قاسم، شعوبياً لأنه وقف ضد الوحدة العربية عند إستلامه السلطة، وكان السيد صبحي عبد الحميد نفسه أحد وزرائه في فترة من فترات حكم الأخوين عارف. فهل هذا التعريف للشعوبية دقيق؟
ويقول الأستاذ حسن العلوي في كتابه المار ذكره، أنه رجع نظام صدام حسين إلى السيد خير الدين حسيب الذي يعتبر الوريث الشرعي لساطع الحصري في الطائفية وتبنى المشروع البريطاني في التشهير بالشيعة وطعن أصول الأغلبية العربية في العراق بطريقة استفزازية التي وردت في مذكرات الحصري، وعلى لسان غلاة الطائفيين، يطعن في أحد منشوراته مذهب الأغلبية العربية العراقية فقد جاء في الصفحة 216 من التقرير الذي يحمل اسم (مستقبل الأمة العربية) "إن المذهب الشيعي امتزج بالقومية الفارسية".

مشكلة الجنسية العراقية
لعل العراق هو البلد الوحيد في العالم الذي يحتاج فيه المواطن إلى شهادة الجنسية العراقية. فالجنسية (أي بطاقة الهوية الشخصية أو الوطنية) وحدها لا تكفي في العراق، بل تحتاج إلى شهادة من الحاكم الطائفي. وعلى هذا الأساس تم تقسيم أبناء العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، إلى مواطنين من درجتين: مواطنون من الدرجة الأولى، وهم الذين كان أجدادهم يحملون الجنسية العثمانية، ومواطنون من الدرجة الثانية، الذين اضطرت الظروف أجدادهم ليقبلوا بالجنسية الإيرانية تهرباً من الخدمة العسكرية في الجيش العثماني.
فخلال الفترة ما بين أوائل القرن السادس عشر وأوائل القرن العشرين، وقع العراق مرة تحت الاحتلال العثماني التركي (السني)، وأخرى تحت الاحتلال الفارسي الصفوي (الشيعي)، وكلاهما احتلال واستعمار في جميع الأحوال.

والحكم التركي كان يفرض على العراقيين من حاملي الجنسية العثمانية، الخدمة العسكرية القاسية في الجيش العثماني، والذي كان في حالة حروب دائمة في بلاد القوقاز وأوربا. وكان من المؤكد أن الجندي الذي يدخل الجيش سوف لن يعود حياً إلى أهله، وكانوا يطلقون عليه (سفر بر). لذلك عمد بعض العراقيين العرب وخاصة التجار والأغنياء من الشيعة إلى الادعاء بأنهم إيرانيون، وإنفاق الكثير من الأموال لإرضاء مختار المحلة والسلطات الفاسدة، وجلب الشهود لإثبات ذلك لكي يحصلوا على الجنسية الإيرانية تهرباً من الخدمة العسكرية، حيث كانت هناك اتفاقية بين الحكم العثماني وبين الحكم الصفوي على عدم تجنيد العراقيين من حملة الجنسية الإيرانية. وفي نفس الوقت كانت القنصلية الإيرانية تمنح الجنسية الإيرانية لكل من يرغب من العراقيين. وكان هذا العرض يعتبر في حينه فرصة ثمينة ونادرة أشبه بالفوز بالجائزة الكبرى (jackpot) باليانصيب الوطني اليوم. ولهذا السبب كان بعض العراقيين العرب وغيرهم، وخاصة من الشيعة، يقبلون بهذه الجنسية ليتخلصوا من شر الخدمة العسكرية. هذه الحقيقة باتت معروفة للقاصي والداني.

ولما تم احتلال العراق من قبل الجيش البريطاني إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، كان أبناء العشائر الشيعية، وبفتاوى رجال الدين، قاوموا الإنكليز في حرب الجهاد، ومن ثم ثورة العشرين، الأمر الذي دفع الإنكليز ومن ناصرهم من العراقيين الذين حكموا العراق، إلى معاداة الشيعة وحرمانهم من المشاركة في السلطة.

ولذلك عندما أصدرت الحكومة العراقية (والتي ترأسها آنذاك أناس ممن خدموا في الدولة العثمانية)، قانون الجنسية العراقية سنة 1924، قسمت العراقيين آنذاك إلى قسمين: تبعية عثمانية وتبعية إيرانية. واعتبرت التبعية العثمانية مواطنين من الدرجة الأولى، والتبعية الإيرانية مواطنين من الدرجة الثانية، وهم الشيعة وبالأخص من سكان الجنوب والوسط الذين كانوا يعانون الأمرين في الحصول على شهادة الجنسية والوظائف في مؤسسات الدولة. وليأتي بعد نحو خمسين سنة نظام فاشي يستغل هذا القانون المفرق فيتخذه ذريعة للتعبير عن حقده الطائفي، فيهجِّر مئات الألوف من الشيعة من العرب والأكراد الفيلية بحجة أن التبعية الإيرانية، ويلقيهم على الحدود الإيرانية الملغومة إثناء الحرب بعد مصادرة أملاكهم المنقولة وغير المنقولة، وحتى وثائقهم الرسمية من شهادات دراسية وغيرها التي تثبت عراقيتهم، ويحجز عشرات الألوف من شبابهم، وخاصة الكرد الفيلية، ليعدمهم فيما بعد بالجملة ويدفنهم في مقابر جماعية. بينما لم يتم تهجير مواطن واحد من أصل تركي أو هندي أو أفغاني أو باكستاني، لأن أغلبهم من السنة، مما يدل على أن سبب التهجير كان طائفياً دون أي شك، الغرض منه تغيير ديموغرافية العراق، حيث رافق تلك الحملة استيراد نحو أربعة ملايين من البلاد العربية وبالأخص من مصر.
 
لا شك أن هذا التمييز بين أبناء العراق والتقسيم بينهم بنيا على أساس طائفي، وكان بمثابة العبوة الناسفة وضعت مع حجر الأساس في بناء الدولة العراقية الحديثة، إذ كما تفيد الحكمة: (ما بني على باطل فهو باطل). لذلك أعتقد جازماً أن هذا التمييز الطائفي بين العراقيين لعب دوراً كبيراً في عدم استقرار الدولة العراقية والذي أدى بالتالي إلى انهيارها عام 2003.

الشعوبية ودولة المواطنة
ومن كل ما تقدم، نعرف أن العرب، وخلال مختلف مراحل التاريخ، قد تشربوا بثقافة التمييز بين مواطني البلد الواحد حسب انتمائهم القومي والديني والمذهبي، ومعاملة غير العرب المسلمين السنة، كمواطنين من الدرجة الثانية في أوطانهم، وأية مطالبة بالمساواة بين المواطنين تواجه بتهمة الشعوبية أي العداء للعرب. لذلك اعتبر غلاة القوميين العرب، والبعثيين الطائفيين بخاصة، كل من يطالب بالمساواة بين مكونات الشعب العراقي هو شعوبي. وعلى هذا الأساس حكموا على الزعيم عبدالكريم قاسم بالشعوبية لأنه أراد تطبيق مبدأ دولة المواطنة، ومعاملة كل العراقيين بالتساوي بغض النظر عن انتمائهم القومي أو ديني أو المذهبي.
ولم يسلم من هذا الداء حتى القوميين العرب الذين وصفوا بالليبرالية مثل الراحل عبدالرحمن البزاز. ففي مفاوضات الوحدة الثلاثية بين العراق وسوريا ومصر في الستينات من القرن المنصرم، كان الأستاذ عبد الرحمن البزاز، وهو مفكر قومي بارز، قد حمل هذا الانطباع إلى الرئيس جمال عبد الناصر إذ يقول الأستاذ البزاز: " بعد الصراع المرير الذي مررنا به خلال السنوات الخمس - يقصد فترة حكومة 14 تموز- مع الشيوعية الشعوبية والانتهازية والرجعية، يتطلع العراق بكل قواه وبكل طاقاته إلى أن يسير جنباً إلى جنب مع أشقائه."(13)

فمرحلة حكومة ثورة 14 تموز كانت في نظر هؤلاء مرحلة الشعوبية، لأنها امتنعت عن التمييز بين المواطنين على أساس طائفي أو عرقي، ولأنها وجدت الوحدة الاندماجية الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة آنذاك غير واقعية وغير ممكنة عملياً، كما تأكد من ذلك الوحدويون أنفسهم فيما بعد، وبعد أن اغتالوا الثورة العراقية، يعني كما يقول المثل: (بعد خراب البصرة) ودفع شعبنا الثمن باهظاً منذ انقلابهم الأسود يوم 8 شباط 1963 ولحد الآن.

وما جرى بعد ثورة 14 تموز من حملات هستيرية، ومؤامرات ضد الشعب العراقي وحكومته الوطنية، تكررت الحملة ذاتها بعد سقوط حكم البعث الفاشي في العراق عام 2003، حيث تصاعدت تهمة الشعوبية والحملة الطائفية ضد الشيعة، وجن جنون الطائفيين العرب ووسائل إعلامهم، بمن فيهم زعماء دول عربية كبرى، حيث راحوا يثيرون مخاوف العرب من بعبع "الهلال الشيعي"، و"الدولة الشيعية"، و"الهيمنة الإيرانية على العراق"!! بينما الذي يجري في العراق هو السعي الحثيث لبناء نظام ديمقراطي حقيقي، على أساس دولة المواطنة، يتمتع فيها جميع أبناء الشعب بالمساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص، دون أي تمييز عرقي أو ديني أو مذهبي.
كما وتصاعدت حملة الطعن بعراقية ووطنية السياسيين الشيعة وحدهم، واعتبر كل سياسي شيعي هو طائفي ما لم يساهم في اتهام الشيعة بالطائفية، ولم يتركوا سياسياً شيعياً إلا ونسبوا له لقباً إيرانياً، وطعنوا حتى في شهاداتهم الأكاديمية.

ونستنتج من كل ما تقدم، أن في نظر الطائفيين، كل من يطالب بدولة المواطنة والمساواة هو شعوبي، ومشكوك في وطنيته ودينه وطائفته وولائه للوطن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية في العراق، مطبوعات CEDI  فرنسا عام 1989، ص 145.
2- حسين جميل، العراق شهادة سياسية، ص 123)
3- محمد مهدي كبة، مذكراتي في صميم الأحداث، ص 306-307.
4- حنا بطاطو، الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية في العراق، الكتاب الأول، ترجمة عفيف الرزاز، مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، بيروت، 1992، ص362.
5- بطاطو، نفس المصدر، ص62.
6- د.سعيد السامرائي، الطائفية في العراق، ط1، 1993،  مؤسسة الفجر، لندن، ص 84.
7- علي الوردي، لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج3، دار كوفان، لندن، 1992، ص79.
8- عبدالسلام محمد هارون، كتاب البيان والتبيين للجاحظ، ج3، دار الجيل، بيروت، بلا تاريخ، شرح في هامش ص5، ج3.
9- حسن العلوي، التأثيرات التركية، دار الزوراء لندن، 1988، ص 11.
10- حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية، ص 292.
11- حسن العلوي، المصدر السابق، ص301.
12- صبحي عبد الحميد، أسرار ثورة 14 تموز 1958، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط2، 1994، هامش على الصفحة 134.
13- حسن العلوي، المصدر السابق، ص 248، نقلاً عن محاضر مباحثات الوحدة، بيروت ط3، 1979، دار السيرة، ص145.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :