الكاتب
جديد الموقع
الأكثر قراءة
من المسؤول عن الإرهاب في أوربا؟
بقلم : د.عبدالخالق حسين
أثارت جريمة ذبح القس الفرنسي في كنيسة بمنطقة نورماندي الفرنسية قبل أيام، قرف واستهجان وإشمئزاز البشرية في كل مكان. ولا أريد هنا الحديث عن أسباب الإرهاب الإسلامي الوهابي بوجه عام، فقد تطرقنا لهذا الموضوع عشرات المرات، كما إن الذرائعيين والمبررين يوجدون له أسباباً محلية مختلفة وحسب ظروف كل بلد، فلكل دولة عندهم أسبابه الخاصة كما يشتهون. فسبب الإرهاب في العراق مثلاً هو تهميش السنة العرب من قبل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، و"الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة الروافض، الموالية لإيران!!"، اللازمة التي يرددونها كلما جاءوا على ذكر الحكومة العراقية. علماً بأن الإرهاب كان على أشده في العراق منذ 2003 قبل أن نسمع باسم المالكي بسنوات. أما سبب الإرهاب في سورية، فهو هيمنة الطائفة العلوية على السلطة وتهميش السنة، رغم أن غالبية أعضاء الحكومة والبرلمان هم من السنة. أما في البلدان العربية الأخرى التي لا يوجد فيها إنقسام سني-شيعي، فهناك أسباب أخرى وحسب ما تخترعه عقول المبررين للإرهاب. وهؤلاء جميعاً لم يتطرقوا ولو مرة واحدة إلى السبب الحقيقي للإرهاب الذي سنأتي إليه لاحقاً.
فعندما يرتكب هؤلاء الوحوش جريمة بشعة يندى لها الجبين، كالتي قام بها إرهابيان بذبح القس الفرنسي وهو في الرابعة والثمانين من العمر، أو سائق شاحنة يدهس المئات في شارع مزدحم مبتهجين بمناسبة وطنية في مدينة نيس الفرنسية أيضاً، والعشرات غيرها من الجرائم البشعة، باسم الله والإسلام، يطلع علينا نفر من هؤلاء لتبرير هذه الجرائم بأنها نتيجة تهميش المسلمين في أوربا، مما يدفعهم إلى التطرف.
فقد بعث لي صديق رسالة أخبرني عن حوار تلفزيوني جرى مع عربي يظنه تونسي، في قناة فرانس 24 ، عن قضية ذبح القس الفرنسي، يبرّر ذلك بقوله: (هناك مشكلة تهميش للمسلمين أحياناً تدفع البعض منهم للتطرّف !). ويعلق الصديق قائلاً: (نسي هذا الرجل نفسه، فظن أنه يتكلّم عن أكذوبة تهميش السنة في العراق! فاختلطت عليه الامور!!!). وبالمناسبة، الصديق صاحب الرسالة هو عربي عراقي ومن خلفية سنية، وهو علماني متنور لم يتأثر بهذه الترهات.
فهل حقاً هناك تهميش للمسلمين في أوربا؟
قد يكون هناك تهميش لفئة صغيرة من المسلمين، وإن وجد، فمن هو السبب؟ ومن همش من؟
لقد وفرت الحكومات الغربية كل الإمكانات لمختلف الجاليات الوافدة، مسلمين وغير المسلمين، للإندماج. كما وفرت لأتباع كل ديانة ومذهب، الحرية الكاملة لممارسة طقوسها الدينية والمذهبية وحرية العبادة كما تشاء دون أية مضايقة، بحيث لم تتوفر هذه الحرية حتى في البلدان الإسلامية التي وفدت منها هذه الجاليات.
كذلك هناك وزراء ونواب برلمانيون ومسؤولون كبار من أصول إسلامية وعربية في معظم الدول الأوربية. وفي فرنسا خاصة من أصول دول شمال أفريقيا مثل المغرب والجزائر وتونس، لأن هؤلاء اندمجوا في مجتمعاتهم المضيفة، ولم يتلوثوا بفايروس الفاشية الوهابية التكفيرية الإنعزالية.
إن وُجدَ التهميش، فالإنعزاليون هم الذين همشوا أنفسهم، لأنهم يحرمون حتى تقديم التهاني والتحية لأهل البلاد بمناسباتهم الدينية والوطنية، ويعتبرون ذلك نوعاً من الكفر والزندقة والتشبه بالكفار!!.
كذلك هناك الملايين من المهاجرين من غير المسلمين في الدول الغربية، وإذا كان التهميش هو السبب، فلا بد أنه شمل أتباع الدينات الأخرى أيضاً. وفي هذه الحالة، فلماذا لم يقم بالإرهاب شباب من غير المسلمين؟ بل وحتى لو بحثنا عن مذهب الإرهابيين لوجدنا أنهم من مذهب واحد فقط من المسلمين، وهم من الذين يدينون بالعقيدة السلفية الوهابية التكفيرية وليس غيرهم.
لذلك، وبناءً على كل ما تقدم، نستنتج أن السبب الرئيسي لهذا الإرهاب هو ليس التهميش كما يدعون، بل هو العقيدة الوهابية والأموال السعودية التي امتلكت معظم المساجد في أوربا، وفرضت عليهم مشايخ الوهابية من السعودية والدول الخليجية الأخرى، فقام هؤلاء المشايخ بحقنهم بالعقيدة الوهابية، ودفعهم للتطرف والعداء لغيرهم، وتحويل القلة من الشباب المسلمين الفارغين فكرياً إلى روبوتات، وقنابل بشرية موقوته تنفجر بالريموت كنترول عند الطلب.
والسبب الآخر الذي سهَّل للسعودية وشقيقاتها الخليجيات في نشر التطرف الديني هو تساهل الحكومات الغربية مع الحكومات الراعية للإرهاب مقابل المال، والإستثمارات الهائلة التي تقوم بها تلك الحكومات في الغرب. وإلا كيف نفسر إقدام الحكومة الفرنسية بمنح أعلى وسام فرنسي للأمير محمد بن سلمان، وهو المهيمن على المملكة السعودية راعية الإرهاب، ولولاها لما وجد الإرهاب الإسلامي أصلاً.
خلاصة القول، لا يمكن دحر الإرهاب الإسلامي الوهابي في أي مكان في العالم، إلا بمحاسبة الدول الحاضنة للإرهاب والراعية له، وهي السعودية وقطر وتركية أردوغان.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :