بقلم: شفيق بطرس
في بلاد العم سام سمعناهم يقولون عن كل شهر حِكمة أو مثل يرددونه، وعن شهريّ أبريل ومايو يقولون (APRIL'S SHOWER BRINGS MAY FLOWER) أي الأمطار في أبريل والزهور والتفتح في مايو.. أو بمعنى أعمق ستعطينا القُدرة الإلهية ورب السماء الأمطار وبعدها ستستجيب الأرض وتعطي الزهور والتفتح، ويكون قمة العطاء هو عطاء الله لنا وإشارته بالخير والنماء بأن تعطي الأرض للإنسان. ونجد مَن يتمتع بعطاء الله تبارك اسمه القدوس هو الإنسان وهو الذي قد سخّر له الرب الإله السماء والأرض والبحر وكل ما فيها لينعم بها وتكون في خدمته ويأكل منها ويعيش فيها بخيراتها، فنجد عطاء السماء والأرض للإنسان يصل ذروته في تفتح الأزهار ونمو الأشجار لتعطي الأرض خيراتها للبشر.
ومن العطاء يأتي الحب ويأتي الانتماء ويشعر المواطن بحبه وبانتمائه إلى الوطن ومن هنا جاءت فكرة الوطن وحب الوطن فهو الأرض وهو المكان وهو في القلب والوجدان والنفس.
الحب والعطاء كل هذا هو الوطن، تذكرت كل هذه الكلمات عندما قرأت عن حادثتين مؤلمتين في أسبوع واحد وهو هذا الأسبوع الذي نحتفل فيه في بلاد العم سام بعيد العطاء (عيد الأم) في الأحد الثاني من مايو، ولكن الأحداث وقعت في بلادي (الأم مصر) فقد سمعت عن الشاب الذي قد أشعل النار في جسده يائساً من الحياة بعد أن طلب المعونة من أحد الأشخاص داخل كنيسة بمصر لأنه من مجندي الأمن المركزي بالقاهرة ولم يجد قوته وأضطر أن يدخل إحدى الكنائس ويمد يده للمعونة وأعطاه هذا الشخص 175 قرشاً وسكت الشاب وصمت ونظر إلى قروشه وصعبت عليه نفسه بعد ما وصل إليه من مهانة وذل ويأس من حياته ودخل إحدى دورات المياه وأشعل النيران في جسده.
ولكنه قد تم إسعافه ونقلوه إلى إحدى المستشفيات لعلاجه من الحروق المختلفة في بعض أنحاء جسده الهزيل.
والشاب الآخر من إحدى محافظات الدلتا قد يأس من حياته بعد أن طالت أيام الشقاء والعوز وتتركه زوجته وأولاده وتذهب لمنزل والديها لعدم مقدرته على مصاريف معيشتهم وتوفير القوت اللازم لهم وعدم وجود الدخل ولا العمل مما يسبب المشاكل والمشاكل المستمرة فما كان من زوجته إلا أن طلبت منه الطلاق لأنه غير قادر على رعايتها هي وأولادها.
يأس الشاب ووقف طويلاً يشكو إلى النهر الخالد من فوق أحد كباري الدقهلية الممتدة بعرض النيل ولم يجد أي حلول سوى أن يقفز في عمق أعماق النيل ليرتمي في حضنه ويرتاح من حياته الشقية التعيسة، حاول بعض الرجال والشباب إنقاذه ولكن كانت نهايته سريعة وأخرجوه جثة هامدة وقد أرتاح أخيراً من عذابات الحياة والمسئوليات.
وهنا أقول أين هو العطاء هنا؟ أين عطاء الوطن وحمايته لأبنائه؟ الوطن يعطي المواطن الأمان في كل شيء، في توافر لقمة العيش، في خدمات المعيشة، في مستقبل أفضل له ولأولاده، في العدالة عندما يتعرض لمغتصب أو مَن يعتدي على أمنه وأمانه، في توفير التعليم له ولأبنائه!!
كم تألمت عن متابعتي لحديث الدكتور الرائع أحمد عكاشة عندما قال (أن المواطن يريد أن توفر له الدولة رغيف العيش وليس أن تعطيه أو تهبه لقمة العيش مجاناً، يريد أن يشتريه بمساميره وبكل ما فيه من بلاوي ولكنه لم يجده)!
كيف يكون الانتماء عند هذا المواطن الذي لا يجد رغيف العيش ويكون هو الكابوس الذي يقلق منامه طوال الليل خوفاً من أن لا يجده لأوده، أو لا يستطيع أن يجد القوة المطلوبة في التصارع والتناطح في طوابير الخبز ليحصل على سندوتشات لأولاده للمدارس، لا يجد وسيلة المواصلات الآمنة أو حتى الغير آمنة ليصل إلى عمله، لا يجد الأمن والأمان ولا العدالة عندما يتعرض للمهانة والذل في أقسام الشرطة لأنه لا يعرف مَن يحمي ظهره وليس له محاسيب ولا أقرباء من عِلية القوم أو الواصلين.
ونتذكر أغنية وطنية جميلة كنّا نرددها في الزمان الجميل (ماتقولشى إيه إديتنا مصر قول هاندي إيه لمصر) وأترك المعاني تتردد صداها في أذهاني وأذهانكم للمحاولة على إيجاد الإجابة... مَن يشعر بالعطاء؟ مش كده ولا إيه