بقلم: أدولف موسى
ذهبت مرة الى اجتماع لرجال الاعمال المصريين فى فرانكفورت المانيا. كانوا الحاضرين من منهم يعيش و يعمل فى المانيا و لكن الاغلبية كانوا من الذين يعيشون فى مصر جاؤا الى المانيا لعمل علاقات تجاريه مع شركات المانيا بمساعدة المصريين الذين يعيشون فى البلد. بدأ الاجتماع بكلمة قائد الجلسه و هو القنصل المصرى فى فرانكفورت و الذى يسمونه ايضاً مجازياً ب "معالى السفير". بالطبع بدأ جناب السفير بالمقدمه الدينيه و الصلاة و السلام على من يريد و بعد ذلك بدأ الدخول فى التعظيم و المدح فى اخلاق هذا الدين و نبى هذا الدين الذى يتبعه معالى السفير و كأن العالم كله ليس له اخلاق الا تابعى هذا الدين فقط. لقد سألت نفسى، هل نحن قد تجمعنا هنا لسماع وعظه دينيه ام اننا فى جلسه تبشيريه لهذا الدين ام اننا قد تجمعنا فى جلسة عمل؟ لم استطيع ان اخرس لسانى فى نطق هذه الاسئله لجناب السفير و على ملأ الجميع:
- سيدى معالى السفير، انا مسيحى، هل يحق لى رغم ذلك ان اجلس مع سيادتكم و ضيوفكم الكرام فى هذه الجلسه؟
- هل يحق لى كمسيحى ان اكون ايضاً مثلكم كتابع لهذه العقيده ايضاً على خلق و ان اكون لست بسارق "حرامى يعنى" رغم اننى لا انتمى لهذا الدين الذى ليس له مثيل كما طرحت سيادتكم فى كلمتكم؟
- هل لى شفاهة و لو واحده و هى اننى مصرى و رغم الاختلاف المذهبى بيننا ان اشعر اننى بين اهل بلدى المصريين و ان مصر هى بلدى ايضاً؟
فى الحال جاوبنى سيادة السفير:
بالطبع، فقد قيل لدينا "لكم دينكم و لنا ديننا" و انتم اخوة لنا و نحن نحبكم و انتم لابد ان تؤتوا الحماية منا!
سألته سؤالاً اخراً
سيدى، من هم نحن و من هم انتم؟
السنا كلنا "نحن" لأننا كلنا مصريون
هل يوجد فى بلد واحد بين اهل البلد الواحد كلمة نحن و انتم التى لا تعنى الا التفرق؟
هنا علمت ان توصيل الرساله لابد ان تكون بطريقة واضحه لا تحتمل اللف و لا الدوران و هذه هى طريقتى دائماً. عندما يريد انساناً توصيل فكرته و يحاول ذلك عن طريق الرموز فهذا لا يعنى بالضرورة انه مهذب لا يريد جرح شعور الاخر بل انه ليس الا جبان ليس له القدره على توصيل رأيه بكل صراحه و بكل قوه تحت الاضواء القويه لكى لا يُتِعب من يسمعه فى البحث عن ما يريد توصيله عارض الفكره و كلُّ يفسرها كما يشاء و فى هذه الحاله تفقد الفكره معناها الاصلى الذى يراد توصيله. قلت لسيادة جناب السفير آن ذاك:
سيدى، ان طريقة سيادتكم تشعرنى اننى لست من بلدكم و اننى فقط ضيفاً عليكم و على بلادكم التى تولت شاكرةً حمايتى و تحملت وجودى الغير شرعى على ارضها الذى لم يمن من حقى رغم اننى لا انتمى لها الى ان يرحمنى الموت من هذه الحقيقه التى التسقط بى طوال حياتى و هى اننى غريب عن البلد التى ولد بها ابائى و اجدادى الذين يرجعون الى رمسيس و تحتمس. سيدى، اننى اتحدث فقط عن نفسى الآن، سيدى اننى لم اشعر و لو ليوماً واحداً اننى مصرى له الحق ان يكون مصرى و ان له وطن يسمى مصر، سيدى لقد ولدت بدون وطن و بدون هويه و كل ذلك لاننى على عقيدة اخرى غير العقيده السائده فى هذا البلد، الا تجد سيادتكم ان هذا ظلم لى كأنسان له الحق فى ان يكون له وطن؟ كون اصلى مصرى فرعونى يعنى ابن بلد اصيل هذا لا يكفى ان اشعر بمصريتى بل تصرفات اهل و قيادة بلدى معى هى التى تجعلنى اشعر بترحيب بلدى بى.
صفق لى الجالسين و ظنوا اننى بتصفيقهم سوف اكون سعيداً، اننى كنت اعلم اننى لن اغير شئ فى عقليه و نفوس هؤلاء السامعين لان ما تراكم فى هذه العقليات منذ بداية حياتهم و طريقة اعطاءهم جرعة الفهم يحثهم على رفض كل من خالف عقيدتهم تلقائياً و بدون الحاجه للتفكير. هذا الرفض لكل من خالف عقيدتهم يأتى لديهم تلقائياً و اتحدى من يستطيع تغيره. فلماذا صفقوا لى حين قلت كلماتى؟ انها الطريقه المصريه الشهيره "ريح الزبون هو احنا هندفع حاجه من جيبنا؟"
الى ان وجدت يوماً موقع صحفى ما اعطيت لنفسى الحق آن ذاك ان اسميه بموطنى الفكرى. ظننت اننى قد وجدت وطناً قد افتقدته طوال حياتى حتى و ان كان فقط موطن فكرى ولكنه كان بالنسبة لى اكثر من رائع. ترحيب هذا الوطن الفكرى بى فى البداية جعلنى اشعر براحة نفسيه لم اشعربها من قبل و لم اكن اعلم آن ذاك اننى قد فهمت كل شئ خطأ. ظننت اننى اخيراً وجدت ما كنت ابحث عنه طول العمر و هو توصيل الفكر.
لم اعلم آن ذاك اننى اجرى وراء الثراب و الوهم. لقد فشلت و لم يكن فشلى سببه خطأ من هذا الموقع ولكننى لم انجح لاننى ظننت ان فى استطاعتى تقديم فكراً ايجابياً و الواقع لم يكن هذا الفكر ذو قيمه. كان علىَّ ان افهم من بعض الاشارات التى كانت ترسل لى بطريق غير مباشر انها تريد ان تقول لى "سيدى قف من نفسك لاننا لا نستطيع ان نطردك لاننا نحترم مشاعر كل انسان". اردت ان اتابع فكرتى فى الصراحه المطلقه التى ليس بها رتوش لكى تصل الفكره واضحه و صادقه و رغم كل هذا لم تصل فكرتى. عشت فى وهم المفكر و عذبت الكثيرين معى الذين لم يجدوا القدره على طردى لنبل اخلاقهم. شكراً سيدتى، شكراً سيدى. لن انسى محبتكم الى الابد.