(1) ثقــافـة الحذاء (الــجزمة) عــبر العــصور
بقلم: د. ماجد عزت إسرائيل
ثقافـة أي مجتمع هي محصلة الأفكــار السائدة بين أعضائه. وتظهر هــــذه الثقـافــة في الســــلوك الـجمـــعي للمـــــجتـمع، والمـظاهـر الإجتـماعيـة المختـلفــة، بالإضافة إلى درجة التعـليم في هـذا المجتمع ومحصلته، ومــدى إتسـاق هـذه الثقافة مع البيئة الجغرافية والمجتمعية التي يعيشها.
ولكل ثقافة مظاهر وأبعاد تختلف من جماعة إلى أخرى، حيث تؤثر فيها عوامل عديدة. ولكل ثقافـة جذورًا ضاربة في أعماق التاريخ تختلف من شعب إلى آخر وفــق الــظروف والأحــداث التاريخــية التي يمر بها كل مجتمع، وهـــذه الظروف تشكِّل العديد من مكونات ثقافة أي مجتمع.
أُطلق على "الجزمة" عـدة مصطلحات منها "الحذاء" بالفصحى، ويعنى "النعل" أو "الخفاف" أو "السوقاء" أو "الموق"، أو "المركوب" أو "الُبْلغة". وبالإنجـــليزية شـــوز(shoes)، وبالعامية البيئية أطــــــــلق عليها صَرْمة قديمــة. وبالرغــم من تعــدد اللهــجات والمصطلحات والبيئات، ولكن ظل المعنى واحدًا عبر العصور.
وقــد مرَّت ثقافـة صناعة الـجزم عبـــر التاريـخ بمراحـــل لصـنعها، بدأت منذ الحصول على جـلــود الماعز والأغنـام، وتحضيرها أو تجــهيزهـا لــدبغـها وصبغها بالعديد من الألــــوان. ومن مصنوعاتهـا الـحذاء ذو اللون الأحـمر، واللــونين الأصفر والأسود. وبعد ذلك تتعرض للشمس لفترة طـويلة لــتثبيت الألـوان وتجفـيفها.
ويقـــوم بصناعة الــجزم عبـــر العصور صنَّاع متخـصصون؛ فهنـــــاك طائفة السّرمْاطية، وهـــم الذين عرَّفتـهـــم بعــض الوثائـــق بأنهـــم صنَّاع أخفــاف النســاء، وبأنــهـــم "السرماجيــة". وعمـومًا فهـم صناع بعــض النـعال الخفـــيفة، ومنها البلـغة والمركوب والخُفْ.
وهناك طائفة مكمِّـــلة لطائفة "السرماطيـة" وهم "القباقيبية" صنَّاع ألوان من الأحـذية الخشبيـة التي يعلـــوها جــزء جلــــــدي، يستــخدم في الحمــامات العـامــة ولبسطـاء النـــاس. كما وُجـدت طائفــة أخرى عُرفت بـ"الأخفـافيـــة البــلدي" وهـم صنَّاع ألـــوان من النعال الـخفيفة للرجال والنساء من الطـــبقــة الدنيا. وهنــاك طائفــــة "الإسكـــافية" وهـــم القائمون على إصلاح الأحـــذية والمصنوعات الجلدية وغيرها.
ومارس العمـل بصناعة الأحذية (الــجزم) عبر العصور، أجناس مختلفة، اشتهر من بينهــــم المصريون والسودانيــون والشـوام والأرمــن الـذين اختــصوا بصناعة الجزم الطوخي.
وتخصَّصت أسواق في "مصر" في تسويق الجزم عبر العصور، فاشتهر من بينها سوق الـجزم السندية، وهي الــسوق التي تقع بالقرب من مســـــجد "الزنـج"، وســــوق "الفسـطاط" (مصر القديمة)، والتي تقــــع بالــــقرب من "دار السـلسلة" أو "دار السهــجى"، والتي اشتـــهرت بتسويـق جمــيع أنـوع الـجزم بمختلف أنواعهـا، و"سـوق اللــجميين" التي اعتمــدت شهرتها على تسويـق الجزم ذات الجـلود المـــحلية والمـــستوردة من الخارج. وأما سوق الأخفافيـيـن التي تقع بالـــــقرب من حارة "البنادقـــة"، فاشتــــهرت ببيـــع الجزم الـحريمي ذات الألوان المتعددة.
واختلفت أسعـــار الجزم عبر العصور، حسب الــظروف الإقتصادية لكل فتـرة. ففي العصور الوسطي، بلغت قيـمة النعـل الواحـد درهـًما واحدًا، أمـا "الخفاف" فبلغــت قيمته دينارين ونصـف. وتراوح في بدايــة الــقرن التاسع عـشر سعر زوج الجزمة ما بين خمسة قروش وخمـــسة وعشرين قرشـــًا. أما في الوقـت الحالي فتراوح سعر زوج الـجزمة ما بين خـمـسة وعشريـن جنـيهًا وثلاثمـائة جنيه أو أكثر. ويزداد الطلب على تسويق الجزم في فــترة المواسم والأعياد، ويكثر ذلك في الموالد التي يحتفي بها القرويون في أنحاء الريف المصري.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :