بقلم : مينا ملاك عازر
خلفت الانتخابات المصرية لمجلس الشعب بجولتيها الأولى والثانية سحب كثيرة، خلطت بين الغبار والنيران والدماء، وهذه السحب تسببت فيها شكلاً الأسلحة بكافة اختلاف أنواعها البيضاء والنارية، وهي الأسلحة التي لها الفضل في بعض الأحيان في حسم الانتخابات لصالح بعض المرشحين الذين استطاع أنصارهم حماية صناديقهم من براثن رجال الشرطة، وأنقذوها من التلاعب، أو المرشحين الذين استطاعوا أن يتلاعبوا في صناديق الانتخابات تحت حماية أسلحة أنصارهم، وبعيداً عن هذه السحب التي انقشعت سريعاً بقت سحابة واحدة لا أظنها ستنقشع يوماً فهي ستبقى ملقية بظلالها على الكل وعلى مجلس الشعب خاصةً، وعلى تشريعاته وعلى القوانين التي سيسنها خلال دورته القادمة.

وأظنك عزيزي القارئ، تعرف تلك السحابة وهي سحابة الغش والخداع والتزوير، تلك السحابة التي جمعت كل المساوئ لتخيم على مصرنا العزيزة وأهلها الطيبين الذين وثقوا في وعود رجالات الحزب الوطني، بأنهم سيمتنعون عن مد أيديهم لتزوير الانتخابات، وسيكفوا عن خداعنا وغشنا، فقد دخلت أحزاب كثيرة المعركة الانتخابية وكلها أمل في أن مهزلة مجلس الشورى لن تتكرر بناءاً على وعود خادعة، من أولئك الرجال الذين أوهمونا بأن هناك انتخابات من  سمتها النزاهة ستجري في بلد لم يكن مقدر لها أن ترى أي انتخابات نزيهة منذ أن قامت ثورة يوليو المجيدة، فهل يرضي أحد أن آخر انتخابات نزيهة قامت في مصر جرت من حوالي ستين عاماً؟!.

ولنعد للأحزاب التي دخلت الانتخابات، وهي تأمل في أن يكون لها تمثيل يتناسب مع تاريخها، ويتناسب مع أحلامها في أن تكون موجودة على الساحة السياسية بشكل فعال، لكنها سرعان ما اكتشفت الحقيقة في الجولة الأولى وانسحبت، كحزب الوفد الذي اتُهِم في بداية الانتخابات أنه أبرم صفقة مع الحزب الوطني وقد يكون الاتهام يومها صحيح وفعلاً قد أُبرمت الصفقة لكن الحزب الوطني الذي اعتاد على خداعنا أبرم الصفقة وهو يضمر في نيته خداعهم، بأن يوهمهم بأنهم ضامنين الوصول لرقم كبير من المقاعد دفعهم أن يزجوا بأكثر من مائتي عضو ليرشحوا أنفسهم في الانتخابات ليصل أكبر جزء منهم إلى البرلمان، ولكن الحزب الوطني طعنهم في ظهورهم واستأثر وحده بنسبة تفوقت على النسبة التي أدركها الرئيس مبارك نفسه في انتخابات الرئاسة التي جرت في 2005، حيث أن الحزب الوطني قد نجح في الجولة الأولى بنسبة وصلت لسبعة وتسعين في المائة، في حين أن الرئيس مبارك نفسه لم يفوز في الانتخابات إلا بثمانية وثمانين في المائة. فهل يعقل هذا؟!.

وبالانتقال للأحزاب التي لم تنسحب جراء التزوير الذي اقترفه الحزب الوطني، فهي أحزاب رفضت تمامًا أن يكون بينها وبين الوطني صفقات، ومنها حزب التجمع حيث وصف رئيسه الدكتور"رفعت السعيد"أن الوطني يبقى عبيط لو عمل كده، يكسب إيه من وراء أن أكسب؟ وبالفعل كان الدكتور على حق في توقعاته، فالانتخابات أسفرت عن تردي في مستوى تمثيل المعارضة الذي قد يؤدي إلى مآسي كثيرة تؤثر بالسلب على الحزب الوطني نفسه، وقبل أن ننتقل إلى الخسائر التي ستحدث جراء ما جرى من تزوير للانتخابات، نؤكد على أن قرار الدكتور"رفعت السعيد"بالاستمرار في الانتخابات رغم ما رآه في الجولة الأولى منها قرار مثير للجدل والعجُّب، وقد يظهر لذلك القرار أسباب خفية لن نعلمها الآن، غير أن السبب الوحيد الذي قد أفهمه أن الدكتور"رفعت السعيد"حاول أن ينأى بحزبه عما آل إليه وضع حزب الوفد في الجولة الثانية من  تفسُّخ وانهيار برفض أعضائه، الذين كان لهم الفرصة في أن يخوضوا جولة ثانية للقتال حول كرسي بمجلس الشعب، أقول برفضهم قراره بالانسحاب من الانتخابات حيث لم يرضخ للقرار سوى عضو واحد وهو"محمد مصطفى شردي"الذي أظنه سيندم كثيراً بعد انصياعه وراء قرارات حزبه.

أما المحظورة والتي خسرت كل مقاعدها الثمانية والثمانين التي اكتسبتهما في الانتخابات السابقة، فقد كسب فقط العضو الوحيد الذي خرج عن طوعها وهو السيد"مجدي عاشور"عن مقعد عمال النزهة والمرج، فعكس ما جرى في حالة حزب الوفد جرى في حالة الإخوان فقد رضخ كل الأعضاء السبعة والعشرين، الذين كان عليهم خوض الانتخابات النيابية وواحد فقط هو الذي رفض الانصياع وهو السيد"مجدي عاشور"الذي خاض الانتخابات وكسب كرسي في المجلس مما سيسهم أيضاً أن يربك الجماعة المحظورة حيث أنهم سيحتارون أكيد فيما عليهم أن يفعلوا حيال العضو الذي خرج عن قانونهم وكسب، هل سيستمروا في عزله؟ أم سيحتضنوه من منطلق واحد أفضل من عدمه.

وعن المساوئ التي ستلم بـ"مصر"جراء خروج المعارضة القوية والمؤثرة –على الأقل عدداً- من تحت القبة فهي مساوئ كثيرة جداً أبرزها أن الحزب الوطني، سيزداد وهناً على وهنه بعد غياب المعارضة الحقيقية أمامه، كما أن الحزب سيفتقد بإذن الله أي شعبية وأي مستوى من مستويات الاحترام والحب والتقدير في قلوب الشعب المصري بهذا الفُجر السياسي الذي اقترفه بتزوير الانتخابات، كما أنه خسر العديد من أعضاءه بإنزالهم الواحد قبال زميله في نفس الدائرة، كما أن منهم من شعر بالغبن مثلهم في ذلك مثل المعارضة حيث شعر بأنه ظُلِم وأن الحزب تخلى عنه في مصلحة زميله الذي تم تزوير الانتخابات في صالحه، وأرى الاستقالات من الحزب التي بدأت بشائرها دليل على ذلك، كما أنه سيؤدي إلى الكثير من الفضائح، فالمثل يقول مع الفارق أنه متى اختلف اللصوص ظهر المسروق، وهو أمل الكثيرين أن يختلف رجال الحزب الوطني وينفعلون، ويقولون كل ما لديهم من كوارث مستترة.
وأخيراً،"مصر"ستمر بأسوأ خمس سنوات في عمرها بوضعية المجلس الجديد، الذي ليست أغلبيته حزب وطني، وإنما هي أغلبية ساحقة، وللأسف هي ساحقة لنفسها قبل أن تكون ساحقة لغيرها والأكثر أسفاً أنها ساحقة لمصر والمصريين
المختصر المفيد كان الله في عون الغنم إذا كان الذئب قاضياً لها