الأقباط متحدون | (2) ثقافة الحذاء (الجزمة) عبر العصور
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٣:٤٧ | الأحد ١٢ ديسمبر ٢٠١٠ | ٣ كيهك ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٣٤ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

(2) ثقافة الحذاء (الجزمة) عبر العصور

الأحد ١٢ ديسمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: د. ماجد عزت إسرائيل
ومنذ تولَّى "محـــمد على باشا" (1805-1848م) حـــكم "مصر"، وقيامـــه ببناء الدولة الحديثة، لم يكن الفلاح المصري الذي يشــــكل الغالبية العــظمى من الســكان، ينتعل شيئًا في قدمــيه، إلا إذا تم تجـــــنيده- من المـعروف أن المــصريين التـــحقوا بالجيش في سنة 1820 م بعد فشل السودانيين- وارتـدى الفلاحون الزى العسكري؛ لأنه لم يكن معقولاً أن يخوضوا الــــحروب وهم حفاه. ولكن من الطريف أن هــؤلاء الجنود كانــوا عند نهاية خدمــتهم العسكرية، ملتزمين بإرجاع مهمـــاتهم العســـكرية، التي حصلوا عليها عند تجنـيدهم بما فيها "الـــجزمة"، فكانوا يعــودون إلى قريتهم حفاة مثلما خرجوا منها.

وبعـد أن تأثرت "مصر" بالأزمـــة الإقتصادية العالمية في بداية ثلاثينيـات الــقرن العشرين، ظـهر "أحمــد حسين"- زعيم "مصر" الفتاة (الحزب الاشتراكي)- مقدمـًا مشروع (الــقرش) سنة 1931م، ومفاده أن يتبرع كل مـواطن بقرش واحد لإنقـــاذ الاقتـصاد المـصري من التدهـــور، إثر انخفاض أسعـار القطن في الأســواق، ومسـاندة الفقراء في تخــطى الأزمة. وتــزامن مع ذلك منــــاداة "أحمد حســـين" بمشروع (الحفــاء). بيد أنه لم يقدَّر لهذا المشروع أن ينجح.

وفى أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، تبــــنَّت الحــــكومة مشروع الحفاء. وخاصة بعـــــد ما أصدرت (مصلحة الوقــاية المدنيــة) في تقريرها المنشور بجريدة الأهرام في 19 يونيو 1940م، توصيــــات بشأن طبقات العمــال والــــفقراء الذين يســــيرون حفاة الأرجــل. ولما كانت حـــالة هـؤلاء تعرضهم لخـطر الغازات السامة، على إثــر إلقـاء طائرات المحور لها، فقـد اهتمت المصلحة بهــذا الموضوع وهي تبحث بالاشتراك مع وزارة الشـــئون الإجتمـــاعية، مشروعًا يرمي إلي تــوزيع نعال من المطاط على المحتاجين، وقايةً لهم من خطر الغازات.

وقد اكتشف المصريون فجأة ما يسببه الحــفاء من كوارث، يأتي علي رأســــها بعــض الأمـراض التي يسبها اخـتراق الديـدان لأقــــدام الحفاة، خاصة (الإنكلستوما)، والتي أصبحت من الأمـــراض المــتوطنة في الفترة نفسها.

على أية حال، لم يَِِِِِِِِِِِر هذا المشروع النور، إلا في احدي زيارات الملك "فاروق الأول" (1936-1952م)، وبصــحبته رئـــيس وزرائـه "حســين سري باشا". فـأبدي الملك رغبته في ألا يمــــضي وقت طويل، إلا ويري جميع رعاياه يرتدون النعال في أقدامهم، شأنهم شأن الشعوب المتقدمة. ولتنــفيذه قـدَّم هبة مالية ســخية، مع فتـــح باب التبرعات أمام الأغنياء لتــحقيق هــــذا المشروع. ومن أجـل ذلك، سارت حملة كبيرة لمقاومه الحفاء، ولكـنها لـم تقض عليه قضاءً تامًا كما تصــــــوَّر البعض. فـقد كانت القـضية في حاجة إلي مزيد من الـــوقت والجهود لتغـــطية كل أقدام الحفاة المصريين.

جدير بالذكر، أن الزعيم الهندي "غاندي" أعطى مثلاً عن ثقافــة الحذاء تجاه الفقراء، فــــــقد رُوي أنه ذات يـوم كان يجرى بسرعة للحـــاق بقطار، وبــدأ القطار بالسير، وعند صعوده القطار، سقطت من قدمه إحــدى فردتي حذائه، فما كان منه إلا أن خلع الــفردة الثانية. وبسرعة رماهـــا بـجوار الــفردة الأولى على سكـــة القــــــــــطار. فتعـــجب أصــدقاؤه!! وسألوه: ما حمــــلك على ما فعلت؟ لماذا رميت فــردة الـحذاء الأخرى؟ فقال "غانــــدي" الحكيم: "أحببُت للــفقير الذي يجد الحذاء أن يــجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما. فلو وجد فردة واحـــدة فلن تفيده، ولن أستفيـد أنا منها أيضًا". فأراد "غانـــدي" أن يعــــطى درسًا للعطاء للفقراء، وإنه إذا فاتنا شيء، فربمـــا أصابه غيرنا، فـــجلب له السعادة. فيــكون الأمر مدعاه لأن نفرح لفرحه، ولا نحزن على ما فاتنا.

تغلـغلت ثقافة الـــجزم عبر التاريخ، لتـعبِّر عن سمات بعـض أفراد المــجتمع لدرجـة أنها أصبحت من طباعهـــم، وأصبـحت من المســلمـات لديهم. بل إن بعــض الشعوب أفرط فجعل يوم الجزمة عيــدًا وطنيًا له!!

ويــذكر التاريخ أنه خــلال الـــقرن التاسع عـــشر- وبالتحديــد في أكـــتوبر سنة 1882م- تــعرَّض الزعيــم الثـائــر "أحــــمد عـرابي"- وهـــو ناظرالـحربية في ذلك الــوقت، و أحـد رمـوز الثـورة العرابيــة (1881-1882م)- عقـــب إلقـــاء القبـــض عليه بتهمة العصيان، لتـفتيش ذاتي لدرجة جعلت مـن أحـد خصومه يخلعه جـزمتــه، كتـعبير عن اعتراضه على عصيانه للسلــطان الـعثماني والخديوي "توفيق" (1879-1892م).

ودخلت ثقافة الجزم عالم السياسـة من أوسع أبوابهـا. وإذا أردنا إرجاع الفــضل لصاحبه، فـإن رئـيس الــوزراء السوفيـــتي الأسبـق "نيـكـيتا خروتشوف" (1953-1964م)، هــو رائد استــــــخدام الجزمــة في الـحوار السياسي؛ حــيث خلعــها مـن قدمـه وضـرب بهـا على منصـة الأمـم المتحدة سنة 1961م، في حــضور ملــــــوك دول العــــــالم ورؤسائها لتـــعزيز ما جاء في خـــطابه أمـام المنظـمة الدولية، عـندمـا كانت الحرب الباردة على أشــدها في مطـــلع الستينـــيات من القــرن العشرين.

ثم اختــفـت ثقـافـة الـجزم تقريبًـا من فوق المسرح السياسي خـلال السبعينيات والثمـــــانينيات، إلى أن ظـهرت على استحياء خـلال التسعينيات في بعض البرلمانات كبديل للألسنة.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :