الأقباط متحدون | مهازل الثقافة!
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:١٥ | الثلاثاء ٢١ ديسمبر ٢٠١٠ | ١٢ كيهك ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٤٣ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

مهازل الثقافة!

الثلاثاء ٢١ ديسمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: شاكر فريد حسن
هناك ظواهر مرضية مستعصية تتفشى في حياتنا الثقافية والأدبية،عدا التراجع الثقافي المريب في مستوى الإبداع عامة والشعر منه خاصة، وكذلك الضحالة التي أضحت سمة العصر وسيدة المشهد الأدبي. هذا بالإضافة إلى الشللية، والشرذمة، والفهلوة، والمخترة الثقافية، والأدبية، والرياء النقدي، والتلميع الإعلامي، وانتشار جوقات المطبلين والمزمرين، وهيمنة الدجل والزيف الأدبي. ناهيك عن شيوع ظاهرة أرباع الموهوبين والدخلاء على الأدب، الذين لا يمتون بصلة لعالم الشعر ودنيا الإبداع، إلى جانب تراخي الحركة النقدية، وغياب النقد القادر على إزاحة أصحاب النصوص الرديئة والأعمال التافهة، فاقدة الحرارة، والخالية من المتعة الفنية والجمالية.

والواقع، إن الكثير من المثقفين ورجالات الأدب، أُصيبوا بداء العظمة وعشق الذات والغرور والعجرفة والانتفاخ والهوس الذاتي. ويلهثون خلف الشهرة الكاذبة. ولا أغالي إذا قلت إن المشهد الأدبي الراهن محتشد بالعديد من المزيفين والمغرورين، الذين لا يتورعون عن الإشادة بذواتهم وإنجازاتهم المحدودة في كل محفل. فإذا أصدر أحدهم ديوانًا أو عملاً شعريًا، سارع بالحديث عن نفسه، معتبرًا نفسه أهم من "نزار قباني" و"أمل دنقل" و"محمد القيسي". وثمة من يعتبر نفسه الشاعر الوحيد في ساحات الأدب!

وهناك من كتب قصيدةً أو نصًا أدبيًا نشره مع صورته، فيظن نفسه أو "يتوهم" بأنه "متنبي" هذا العصر، ويضاهي "أدونيس" و"محمود درويش" و"السياب" و"الجواهري" معًا. وإذا تجرأ المشرف الأدبي على شطب حرف أو تغيير كلمة في نصه، فإنه يقيم الدنيا ولا يقعدها!

وهناك من قرأ كتابًا في الأدب؛ فيعتقد إنه ضالع في الأدب! أما عن العلاقات بين أهل القلم والثقافة فحدِّث ولا حرج.. فلا أحد يحب الآخر. والأنكى من ذلك، أن كل مجموعة أو شلة أدبية أصبحت تأتلف وتقيم جماعة أدبية أو "رابطة" تحت أسماء مختلفة، ويسوقون أنفسهم بكتابة أخبارهم ونشر كلمات المديح والتقريظ والإطراء لبعضهم البعض.

لقد كان الشعر يومًا أشبه بالنبوة، والشعراء كالأنبياء لا يأتون كل يوم أو كل شهر. وكل عقد أو أكثر كان يبرز شاعر حقيقي، وكل عام كان يكتب قصيدة. أما في هذا الزمان الرديء والمشوَّه، فكل يوم يُولد شاعر جديد، ويكتب في اليوم أكثر من قصيدة!

الكتابة هي حالة حب وعشق، ومسئولية كبيرة وعظيمة. والكاتب الحق يعي ما يكتبه ويتحمل تبعات كتاباته، ويقدِّم رؤى وأفكارًا جديدة تكون بمثابة غذاء للروح والعقل معًا. والمبدع الحق له موقف، ولديه حلم وقضية يؤمن به ويدافع عنها ويتناولها في كتاباته. لكن للأسف، إن الكثير من المتأدبين والمتشاعرين يلهون بكتاباتهم، ويتسلون على حساب الآخرين، وينشرون كلامًا سخيفًا، ويقدِّمون أفكارًا ضحلة وفجة لا تسمن ولا تغني من جوع.

برأيي المتواضع، إن سهولة النشر في الصحف والمواقع الإلكترونية هي التي أغوت المزيفيَِّن وأدعياء الأدب اقتحام مجال الكتابة، الذي يحقق ويوفر لهم الشهرة والنجومية وظهور صورهم بربطة العنق، ويمدهم بمركز اجتماعي خاص. ولذلك، فإن أدب هذه المرحلة هو أدب بلا هوية مميَّزة، وتغلب عليه السطحية والركاكة والتقليد. إننا نجد الحركات الأدبية والثقافية العربية ضعيفة ومليئة بالعيوب، وقد فقدت وهجها وتألقها ورونقها الخاص والمميز، ونقص دورها الريادي التعبوي والتحريضي في عملية التغيير والتجديد والتحديث الاجتماعي الحضاري. علاوة على ذلك، بتنا نسمع جعجعة ولا نرى طحنًا، والعديد من القصائد والنصوص الشعرية والنثرية لا ترتقي إلى درجة السحر والمتعة الفنية والحسية الجمالية.

وشعراء اليوم دون شك، هم شعراء بلا شعر، وبلا إبداع حقيقي. وهم يتسابقون ويتزاحمون على المنصات والمنابر الشعرية لاقتناص الصور والألقاب، واستجداء "المدائح" الأدبية، وتحقيق الشهرة الزائفة الرخيصة، واغتصاب جوائز الارتزاق ليس إلا!

إن ثقافتنا العربية المعاصرة تحتاج إلى الإبداع الأصيل والراقي، وللروائع الشعرية والنثرية الخالدة. وبحاجة إلى المبدع المغاير المتفرد، الذي لا يكتب مجده أو يبيع نفسه في سوق النخاسة، بل يحمل الرسالة بصدق وأمانة وهدوء بعيدًا عن الضجيج والصخب الإعلامي.. المبدع الذي يحمل صليبه على كتفيه، ويسير على درب الآلام نازفًا روحه ودمه ليقرع جدران الخزان توقًا لمعانقة خيوط الفجر وشلالات الشمس.

فلتتوقف المهزلة والفهلوة في مشهدنا الأدبي والثقافي، وكفى لهذا "الاستمناء" الذي يضر يمستقبل هذا المشهد، الذي نريد أن تعود إليه ملامحه المشرقة والمضيئة.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :