بقلم : أسامة بدير
فى إطار حرب التصريحات بين حكومتى أوباما ومبارك حيث تتوعد الأولى التى ما لم تستجب الثانية لمطالبها الخاصة بضرورة إجراء انتخابات برلمانية شفافة وحرة ونزيهة.
أصدرت وزارة الخارجية المصرية تقريرا خطيرا كشفت فيه عن سياسة أمريكا فى استقطاب العقول المصرية فى إطار تكريس وترسيخ مبدأ عنصرية الأدمغة، حيث أكد التقرير على أن بداية تطبيق هذه السياسة لم يكن وليد اللحظة أو الصدفة، إنما هى سياسة مخططة ومعلنة وتسير بخطى ثابتة من قبل الأمريكان خلال أكثر من ثلاثة عقود.
نوه التقرير إلى أن الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون طالب وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" في مارس عام 1972 بتأسيس جمعية للبحث عن الطلاب النابغين في الدول النامية، وتسفيرهم إلى أمريكا لاستثمارهم في مجال البحث العلمي.
وفي ديسمبر من العام نفسه جاءت إلى مصر أول بعثة من الجمعية تحت غطاء السفارة الأمريكية في القاهرة والإسكندرية وحتى اليوم تمكنت الجمعية من تسفير أكثر من خمسة آلاف شاب مصري تخرجوا في الجامعات المصرية بتقدير ممتاز.
يذكر أن نشاط جمعية "اكتشاف ورعاية العلماء الأمريكية" رصدته أجهزة الأمن المصرية في فبراير عام 1973، كما رصدت تحركات بعثة مكونة من عشرة أساتذة جامعيين أمريكيين برئاسة البروفيسور ويليام ستوارت، ومن أسماء أول دفعة من المشاهير فاروق الباز، مدير أبحاث الفضاء بوكالة ناسا والمدير الحالي لمركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن، وإسماعيل سراج الدين نائب رئيس البنك الدولي السابق ومدير مكتبة الإسكندرية الحالي.
وإبان رصد تحركات هذه الجمعية أمنيا داخل الجامعات المصرية أشار التقرير إلى أن وزير داخلية أسبق رفع تقريرا أمنيا حول نشاط الجمعية الأمريكية في مصر إلى الرئيس السادات، فكتب عليه الأخير عبارة "استمرار المتابعة دون التعرض"، كما عُرض تقرير آخر عن نشاط تلك الجمعية عام 1985 على الرئيس حسني مبارك فكتب عليه ملاحظة "باستمرار المتابعة".
وأنا من جانبى إذ أؤكد على أن مثل هذه السياسة التى تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية عبر سنوات طويلة تجاه مصر وشعبها، هى سياسة عنصرية تهدف فى المقام الأول إلى تفريغ الجامعات المصرية من علمائها وفق السماح بهجرة إنتقائية للأدمغة، بهدف تحسين السلالة العلمية هناك، حتى لو أدى ذلك إلى تجريف الوعي المصري من العقول الفذة التى يمكن أن تساهم في إحداث تنمية حقيقية وجادة تنهض بالمجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا فى إطار استخدام أمثل ورشيد لكل موارده البشرية والطبيعية المتاحة.
لكن بالتأكيد أن شيئا من هذا لم يحدث لا من قريب ولا بعيد وأعتقد أن القيادة السياسية التى حكمت مصر خلال السبعينيات وما تلاها من فترة حكم مبارك ساهمت بقدر كبير فى تبنى سياسة عنصرية الأدمغة التى طبقتها وما زالت تنتهجها أمريكا داخل المجتمع المصرى.
ولا شك أن مثل هذه الأنظمة الاستبدادية القامعة للحريات التى حكمت وما زالت تحكم المصريين بالحديد والنار هى بالتأكيد لم ولن تسمح ببقاء هذه الأدمغة المستنيرة والفذة والعيش داخل البلاد، لأنها تعلم جيدا أن آراءها وأفكارها فيها استنارة لأفراد المجتمع، وبالتالى ربما تكون نذير شؤم لزوال عروشها الهشة القائمة أساسا على الجهل والتضليل والخرافات. |