"خذني يا رب".. تساؤلات عن الله، ومحاولات لرؤيته
محمد بربر
الجمعة ٢٤ ديسمبر ٢٠١٠
وسام سعيد يكتب عن الفهم البشري للذات الإلهية
كتب: محمد بربر
بعيدًا عن سطحية دعاة القنوات الدينية، وتحفظ شيوخ الفتاوى، واستحياء الجماعات الإسلامية بمختلف توجهاتها وأفكارها، قرر المؤلف "وسام سعيد" أن يخوض التجربة بنفسه، وأن يبحث ويتوه ويتراجع، حتى يصل إلى الحقيقة، الأمر جد محير، في ظل مجتمع يعاني من ازدواجية التدين الشكلي، والتطرف في القول والفعل، لكن "سعيد" فعلها وقدم كتابه "خذني يارب.. قراءة في الفهم البشري للذات الإلهية"، والذي قدم فيه عُصارة تجربته التي خاضها من أجل المعرفة، وتأرجح فيها بين اليقين والشك، وكان في النهاية كتابه الذى يطرح فيه أسئلة من نوعية؛ "هل وقفت أمام أسئلة دينية «ملغمة» من قبل وكانت الإجابة دائما هي اسكت؟"، "هل تساءلت ذات يوم.. أين الله ولماذ لا أراه؟".
تجارب الوصول لله
كل التجارب بوابات للوصول إلى الله، الله الواحد، هذا ما توصل إليه المؤلف، فطرحه بكل قوة وبدون تعصب طائفي، كمثل الذي نراه في الكتابات عن الأديان وأتباعها ورسلها، لهذا فإن الكاتب يتطرق إلى صفحات كثيرة وعناوين مثل "الوحدة" و"الحزن" و"القوة" و"الحياء" و"الخسارة"، تجذبه إلى حقيقة أن هذا الكون الفسيح في حاجة إلى إله ينظمه ويحميه، ويحمي من يعيش فيه، وما يميز الكتاب –صدقًا- ليس الأطروحات التي قدمها، فقد سبقه كثيرون، ولكنها التجربة الشخصية، التي عانى منها المؤلف، ويتضح ذلك جليًا عبر الحكي وسرد الأحداث، والتفاصيل، والأسئلة التي تحمل العديد من الدلالات، والمفارقات الفاضحة، لما يعيشه مجتمعنا من انعزال من ناحية، وفرض قيود لا أصل لها على العقل البشري، من ناحية أخرى.
أسئلة طفولية
الطفولة عند المؤلف كانت فى الفصل الأول، وهو فى ذلك يذكرنا بكتاب "الأيام" لعميد الأدب العربي الدكتور "طه حسين"، فالطفل وفي براءة شديدة يسأل والده: "بابا؛ هو ربنا أقوي واحد في الدنيا.. يعني ربنا أكبر من العمارة دي؟!... طيب هو ربنا في السما؟!"، لكن الآباء غالبًا لا يفهمون عقول أطفالهم، وربما لا يحترمونها بشكل كبير، لأن ردود الأب غالبًا تحمل نوعًا من الخوف، فيقول لطفله "آه يا حبيبي بلاش تسأل كتير عشان ربنا ما يزعلش منك" إنه "التذكر" الذي يؤكده وسام سعيد في كتابه، ليكشف قليلاً من كثير، ويفضح -بلا مواربة- جهلنا الشديد في احتواء وتنمية مهارات الأطفال، وفي جملة أخرى، تأتي الطفولة بالتذكر، لتضعنا على عتبات الوصول إلى حقيقة الله من خلال المعرفة، والتي يكون في مقدمتها "التذكر"، ثم سرعان ما يلفت الكتاب نظرنا إلى أن هذا التوقف من جانب الأب لمواصلة الإجابة عن أسئلة ابنه، تكون هي المرحلة الأولى في تكوين الأسئلة، والإيمان الذي يظل الطفل يبحث عنه حينما لا يقتنع بجدوى ردود أبيه.
تفكير وتكفير
جرأة الكاتب في طرح موضوعات لم يعتد المجتمع المصرى عليها، جعلت رسائل المؤلف أكثر صدقًا ووضوحًا، وكأن سعيد قد أراد أن يلفت الانتباه لمسألة التفكير والتكفير، سيما بعد عودة سجال فتاوى التكفير مرة أخرى إلى الشارع المصري، فالكاتب هنا لم يندم على محاولاته البحثية للوصول إلى المعرفة، بل انفرد وأفرد كتابات تتحدث عن تجاربه في منزله، والعمل، وفي لياليه الطويلة، التي قضى معظمها ليصل إلى نتيجة مفادها أن كل هذه التجارب هي بوابات للوصول إلي الله.
وما يميز الكتاب أن لغة الكاتب حملت مفردات أكثر بساطة وعمقًا في آن واحد، فها هو يرسل رسالة رقيقة إلى الله كعاشق لعظمته فيقول "كان يومًا شاقًا، طويلاً، بكيت، تعذبت، فارقت الناس وأنا بينهم، أجهدني خوفي ومعه انسحاقي، ولكنني الآن أشهدك وأراك، ومن هنا، ومن عالمي هذا، أشهد بوحدانيتك بملء اليقين، أعرفك يقينًا، تمامًا كيقيني من كفي ومعصمي.
ويختم المؤلف كتابه ليحكي تجربة بحثه عن معية الله، بعد ليالٍ من الكتمان، تكون هي بداية معرفة السر لوجود الله، وهو ما يوضحه عنوان الكتاب "خذني يارب.. قراءة في الفهم البشري للذات الإلهية" الصادر عن دار "الدار".