- مشاجرة ضخمة بين أقباط ومسلمين بشارع الجيش غرب "الإسكندرية"
- أقباط "الإسكندرية" أحداث شارع "الجيش مقصودة" قبل العيد، والمسلمون يؤكدون أنها مجرد سوء فهم
- القمص "مكاري يونان": إن كان الشهيد رخيصًا في أعين الناس، فهو يساوي العالم بأكمله في أعين الرب
- العوا وتحدياته الخائبة لقداسة البابا
- البابا "شنودة" يحضر مؤتمر الحزب والوطني ويزور بطريرك الكاثوليك لتهنئته بعيد الميلاد
ديناميكية (حركة) الترقي الروحاني (1-3)
المخ البشري والروح الإنساني
بعد أن استعرضنا باختصار عمل المخ البشري وأداءه، يجدر بنا الآن أن نقيّم ما يترتّب على تلك المشاهدات. لا شك أن المخ البشري عضو ليس ضرورياً للحفاظ على بقائنا فحسب، بل من أجل نشاطاتنا الفريدة الخاصة بالفكر والإدراك والمخاطبة باللغة والقدرة على التمييز وطاقاتنا الفنية الخلاّقة. وعلى ذلك، فهل يا تُرى أن المخّ هو المنبع الرئيس لجميع تلك الطاقات، وهل يولّدها نتيجة جهازه العصبي الرائع بخلاياه المعقدة؟ أو أن الروح هي التي تستخدم المخ كأداة للتعبير عما تريده وبهذا تساعده على الإرتقاء بقدراته وقوته في أدائه وظائفَه؟ هل كان تطوّر مخ الإنسان تزوّده فقط ردود أفعال جهازه لما يحدث في بيئته المحيطة، أم أن المخ أصبح أكثر تقدماً بفعل ما وجّهته إليه قوى المعرفة والمحبة والإراده، وهو بدوره أثّر على البيئة بشكل كبير؟
يبدو أن الإجابة عن جميع هذه الأسئلة ستكون بالإيجاب. وبكلمات أخرى، في مستوى معين من العمل والنشاط يتأثر الناس ويؤثرون في بيئتهم بطريقة متبادلة. صحيحٌ جوهرياً أداءُ المخ في "الحفاظ على البقاء"، أما عندما نتحدث عن أداء المخ في "الإبتكار" فإننا نتعامل مع مستوى مختلف من العمل. فلنتمعّن في ما قاله روبرت أورنْستاين "Robert Ornstein"، مؤلف كتاب "The Psychology of Consciousness":
إن الفارق الرئيس الحاصل بين أجهزة المخ هو قدرتها على المرونة في الأداء والعمل. فتصوروا ماذا يحصل للضفدع إذا وجد أن شجرة تسقط عليه. فالضفدع يملك مخّاً وجهازاً خاصاً حسّياً من المحتمل ألا يلاحظ الشجرة تسقط عليه إلى أن تضرب جسمه، أما الإنسان فإنه قادر على تقطيع الشجرة واستخدام أجزائها في وسائل اللعب واللهو وصنع المناضد وحتى في تصنيع الورق لهذا الكتاب. فهذه المرونة الكبيرة في العمل والأداء الذي يتصف بها الإنسان في تكييفه للأشياء راجعة إلى مخّه الكبير وعدد هائل من الخلايا العصبية في داخله.
دعونا الآن نستعرض هذا القول وما يتضمنه من استنتاجات. فما الذي قصده بالمرونة في الأداء والعمل؟ وهل تدخل المرونة في جميع أنشطة الإنسان؟ هل يعني هذا أن تطور الإنسان، وبكل بساطة، ما هو إلا مجرّد عملية من التكييف في مستوى أرقى من الحيوان؟ فبينما هو تقطيع الشجرة وصنع الطاولة أو الورق له قيمته في القدرة على التكييف، إلا أننا معشر البشر بمقدورنا الإستفادة من الشجر إلى أبعد من هذا؛ فنصنع منه الآلات الموسقية مثل الكمان والقيثارة ثم تحفاً فنية وتماثيل ترمز إلى نفوس مقدسة. فلو كان كل هذا مجرد نماذج لعملية التطور في القدرة على التكييف، لوجدنا مثل هذه القدرات عند الحيوان أيضاً ونراها تنمو بالتدريج وتأتي مواكِبةً للزيادة في حجم المخ بالنسبة للجسم. فالبون الشاسع بين أرقى الحيوانات (فيما يتعلق بنسبة مخها إلى جسمها) والإنسان لهو كبير جداً مثل مهزلة مقارنة الضفدع بالإنسان.
بيّنت دراسة في تطور المخ أن مجموعتين من الوظائف برزتا تدريجياً عبر ملايين السنين: "الحفاظ على الحياة"، وهي وظائف ينظمها المخ الجذعي "brain stem" – الخاص بالزواحف والثدييات ايضاً – ثم وظائف "التجديد" التي تشمل قدراته من قبيل: التعلُّم والتذكّر والإدراك الحسي وكلها نشاطات نشترك فيها مع الحيوان. إلا أن الإنسان تميّزه قدرته على ابتكار الرموز ليكوّن منها لغة أو فناً من الفنون، وأن يضع لحياته هدفاً ومعنى يعمل على تحقيقهما طبقاً لوعيٍه وإدراكه. فنشاطات كهذه ممكنة عند الإنسان بسبب قرب العلاقة بين عقلنا (الروح) ومخّنا. فإذا تجاهلنا هذه الحقيقة يغدو عملنا مستحيلاً في محاولتنا لجعل هذا الوعاء البيولوجي المتطوّر يتسع لذلك المحيط الواسع من الخلاقية والوعي والفعل عند الإنسان.
ولنأخذ مثالاً آخر؛ فعند إزالة القشرة المخية (بالجراحة) عند القطط ظهر بأنها إذا كانت القطة عدوانية قبل العملية بقيت كذلك بعدها، وإذا كانت وديعة ظلت كما كانت. إنه كشْف غاية في الأهمية لأنه يدل على أن الإنفعالات الأساسية مثل الغضب أو العدوان إنما هي غريزية في طبيعتها. باستطاعة الحيوان أن يعدّل من هذه الإنفعالات إلى حدّ محدود جداً بتدريب يستخدم وسائل إحساسه بالألم أو المتعة. فالمخلوقات البشرية أيضاً تُبدي تجاوبها بهذا الأسلوب مثل الحيوانات، إلا أنها تذهب إلى أبعد من ذلك بتحكُّمها بسلوكها وتكييفه. لذا فإن حقيقة الكيان الإنساني ليس في إظهار انفعالات حيوانية المظهر (مثل العدوانية والفزع) بل تتعداه إلى قدرته على إخضاعها لسيطرة قدراته العقلية (المعرفة والمحبة والإرادة). وبهذا يمكن تحويل النزعات العدوانية إلى سلوكيات إنسانية تتسم بالتنوّر والمحبة والإرادة في مناهضة الظلم والتعصب والدكتاتورية والفقر والمرض والجهل وغيره.
يشترك الإنسان والحيوان بالنزعة العدوانية؛ فالحيوان يستخدمها لحماية نفسه من الخطر ثم الحصول على طعامه وفي الدفاع عن منطقة نفوذه، والمخلوقات البشرية تقوم بذلك أيضاً إلا أن لديها القدرة على فعل المزيد؛ فبإمكاننا تأسيس مجتمع يعيش أفراده في وحدة تقل فيها الأخطار ويتمتعون بوفرة الطعام، وكل فرد فيه قادر على تأدية دوره البناء، وتُحَلّ فيه الإشكالات المحلية بالتعاون والعدالة. ومن ناحية أخرى يمكن للإنسان أن يجنح إلى منحىً معاكسٍ تماماً؛ يمكنه أن يُقيم عالماً تمزّقه الفرقة والنزاعات وتعصف به الأخطار وتسوده الأنانية وحب الذات وينهشه الشكّ والإرتياب.
تلك هي خيارات نقررها، وهي تتجاوز عمل الفص الجوفي للمخ. فأي ضرر أو خلل يصيب هذا الجزء من المخ لا شك أنه سيؤثر على حالتنا الإنفعالية. أما اضطرابات المخّ فليست دليلاً على أن جميع أفعال الإنسان تتولّد داخله. ففي كتابه "Beyond Brain" يقرر ستانسلاف غروف "Stanislav Grof" أن "الإعتقاد بأن الوعي إنما يصيغه المخ من المؤكد ليس أمراً قطعياً تماماً".فهو اعتقاد قائم على المشاهدات بأن حالة المخ تؤثر تأثيراً كبيراً على درجة الوعي. "فتلك المشاهدات ترقى فوق الشك بأن هناك علاقة قوية بين الوعي والمخ، ومع ذلك فإنها ليست بالضرورة دالة على أن الوعي ينتجه المخ. فالإستنتاج المنطقي بأن علم الميكانيكا قد توصّل إلى ذلك إنما يعدّ معضلة إلى حدّ كبير." بعد ذلك يقدم غروف جهاز الرائي (التلفزيون) مثالاً على ذلك؛ فمدى وضوح الصورة وجودة الصوت يعتمدان على دقة عمل أجزاء التلفزيون المختلفة.
ففنّي هذا الجهاز يستطيع إصلاح أعطاله وكل خلل في الصوت والصورة، إلا أن ذلك لا يعطينا الإستنتاج بأن الصور يشكّلها جهاز التلفزيون. "ومع ذلك هذا هو بالضبط نوع الإستنتاج الذي قدّمه علم الميكانيكا فيما يتعلق بالمخ والوعي."
في كتابه "The Mystery of the Mind" يستعرض جرّاح الأعصاب العالمي الشهير وايلدر بنفيلد "Wilder Penfield" نتائج بحثه الرائع في المخ معبّراً عن شكّه الكبير في المنظور الميكانيكي (الآلي) الذي يَعتبر الوعي من إنتاج المخ. فهو جادّ في شكّه بأن الوعي يمكن توضيحه وتفسيره من خلال علم تشريح المخ ووظائفه. فهذه المشاهدات ومثيلاتها تتطلّب وصفة جديدة للتطور الإنساني، وهي مشاهدات تشير إلى أن تطور الإنسان يضم الناحيتين البيولوجية والروحية. فتطوره البيولوجي يتم أساساً بموجب القوانين التي تحكم تطور الكائنات الحية الأخرى. ومع ذلك، كما شاهدنا سابقاً، فإن تطور المخلوقات البشرية لا يقتصر سيره طبقاً لقوانين التطور البيولوجي، بل إن القوانين الروحانية أيضاً لها تأثيرها المميز على عملية التطور الإنساني برمّتها.
ونتابع معكم في نفس الجزئية في المقال القادم.......
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :