الأقباط متحدون - إدارة الناس للناس بين شر الفساد وخير القيم
  • ٠٩:٥٨
  • الأحد , ٢٥ سبتمبر ٢٠١٦
English version

إدارة الناس للناس بين شر الفساد وخير القيم

مدحت بشاي

بشائيات

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الأحد ٢٥ سبتمبر ٢٠١٦

مدحت بشاي
مدحت بشاي
كتب : مدحت بشاي
 
يُجمع الخبراء وحتى بسطاء الناس في بلادي ، بل وفي كل بقاع الدنيا أن تسرب الفساد بأي من ألوانه أو كلها إلى بنية أي مجتمع ، وتولي رموزه بعضاً من مواقع القيادة والإدارة من شأنه نسف كل الجهود الإيجابية المبذولة من أجل تحقيق أي تقدم في مسيرة أي أمة وتحقيق طموحات الناس فضلاً عن التأثير السلبي على حالة الاستقرار والسلام الاجتماعي ودرجة الانتماء للوطن ..
 
إن الفساد الإداري لدينا ــ على سبيل المثال ــ  يبدأ في الظهور بصورة خفية آخذاً شكل السلوك الذي يحاول  فيه الفاسد في البداية العمل في الخفاء حتى لا يجابه بغضب ونبذ المجتمع ، وبالتدريج يجد من الآليات الماكرة والخبيثة ما يستطيع به تمرير السلوكيات الفاسدة مستنداً لمفاهيم فولكلورية سلبية في بعض الأحيان فإذا قام بعضهم بتيسير حصول عميل على قرض دون وجه حق مقابل رشوة قال " طباخ السم بيدوقه " وإذا قام آخر بترسية مناقصة على قريب له أو أحد من معارفه يقول " الجار أولى بالشفعة " .. وما إلى ذلك من مبررات ميكافيلية يحاول من خلالها تصوير الأمر لمن حوله أنه إذا كانت الغاية تحسين الدخل والانتقال إلى مستوى اجتماعي أعلى فما الضير في اختيار الوسيلة مهما وصفها الناس بأنها تتجاوز حدود المقبول أو أنها تمثل اختراقاً لكل القيم والأعراف الإنسانية أو اختراق للقوانين والنظم المعمول بها ،  فتكون النتيجة تحطيم معنويات الناس وفقدان الثقة في القيادات وحدوث أزمات اقتصادية واجتماعية وإنسانية ..
 
في وصفه للحكومة الصالحة أشار الفيلسوف الصيني كونفوشيوس إلى3 مقومات يجب توافرها .. الغذاء الكافي ، والقوات ، وثقة الناس .. وأكد أنه يمكن التغاضي نسبياً عن عنصرين .. لكن تظل ثقة الناس والشعب بالحكومة هي الأساس لقياس صلاحية أي نظام حكومي ، وهذه الثقة تتولد بشكل رئيسي لدى المواطن من خلال معاملاته اليومية مع دواوين الحكومة وممثلها الموظف الذي صار في رأيي يجمع كل التناقضات .. فهو الجبار المسكين والظالم المظلوم ورمز السلطة وأسيرها هو يرى في خدمة الحكومة معزة وجاهاً ومجداً.. بينما يعود في أحيان أخرى فيراها شقاء وتكديراً وعمراً يفنيه في مقابل لا شيء .. والذي قال عنه الكاتب الصحفي والشاعر محمد بغدادي في حالته المثالية :  
بيقبض مرتب
يادوبك يعشي العيال قرنبيط
مرتب يضحك ، ما يجيبش حاجة !
وهوه بيضحك كمان على الحكومة 
وما بيعملش حاجة !
بيقدر يقرطس رئيسه المباشر 
وطبعاً رئيسه كان " موظف مثالي "
ولما كبر .. دخل في الغويط
وله في جميع المصالح سبيل 
أي مصالح تلك وما هي سبلها ؟ وإلى حد كان الدخول في الغويط .. إنها في النهاية منظومة الإدارة المصرية التي فاقت أسقامها كل التوقعات ..
 
والإدارة في مصر المحروسة لم تكن أبداً رحلة إخفاقات متوالية .. فلقد شهد تاريخ البلاد العديد من النماذج الرائعة في النجاح الإداري .. منها نجاح العمل في إدارة مشروع السد العالي وأيضاً في إدارة قناة السويس بعد خروج المرشدين الأجانب ومروراً بالعديد من التطبيقات الإدارية الناجحة في محافظتي الأسكندرية وقنا وطفرات في قطاعات بحثية وعلمية شهد بها العالم مثل مراكز علاج أمراض الكلى والكبد بجامعة المنصورة ..
أما النموذج الأعظم والأبرز في النجاح الإداري الذي لا يمكن نسيانه هو إدارة حرب أكتوبر 1973، والتي احتشد لتحقيق انتصاراتها كل أسباب النجاح الإداري .. انتماء حقيقي ومخلص تمثل في تحمل أشق التدريبات .. انزواء الرغبات الخاصة الأقل أهمية لدى الناس تحت شعار " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " .. قدرة متميزة للتعامل مع أحدث تقنيات العصر المتاحة وتطويعها لمنظومة الأداء المصري .. الابتكار وإطلاق ملكات الإبداع .. الجرأة في الاقتحام بجسارة .. الدراسة الموضوعية قبل اتخاذ القرار ومن ثم تحمل كل تبعاته وتخطيط علمي متقن وعمل بروح الفريق .. إنه إعمال هائل لكل فنون الإدارة وتطبيقاتها الناجحة بأياد مصرية ..
 
إن هموم إصلاح الإدارة تشغل الرأي العام في مصر المحروسة منذ زمن بعيد وأورد هنا جانباً من مقال تم نشره في أول عدد من جريدة المؤيد بتاريخ أول ديسمبر 1889 أي منذ أكثر من قرن من زمان وتحت عنوان " حياة مستقبل الأمة " يقول الكاتب ..
" حياة كل أمة في حركة عمالها القائمين بتدبير أمورها فإن أحسنوا في توزيع الوظائف على الأعضاء مراقبين سيرها دامت حية قائمة لا تتغلب عليها الحوادث ولا يعتورها التبادل الدوري وإلا فإن كان التوزيع على غير قانون ثابت أو لم يراقب أولئك العمال سير تلك الوظائف كما ينبغي سارع إليها الخلل وتخللتها الحوادث واغتالها الدور سجالاً ..
 
والمراد بمراقبة الوظائف تهيئة العمال بترقيتهم على مقتضى الصلاحية والاستعداد ، ومعنى ذلك أن الأمة تقوم عليها قوة تنتهي إليها القوى وهي السلطان الجامع أو الحكم المطلق في يد رجل وجد مالكاً لزمام أعمالها آمراً ناهياً واجب الاتباع فهو في ذاته مسئول ومطالب بحياة الأمة بمعنى توزيع الوظائف على عمال هم أهل لأن تكون البلاد في قبضة إدارتهم بعد ، إذ أنه هو ليس مباشراً لكل عمل تحتاجه الأمة أو يريده هو ولكن مثله مثل روح انبثت في عدة أشخاص يمثلون حياته أمام أنظار من حجب عنهم فهم مظاهر ذاته ..
 
وأولئك العمال هم أولاً الوزراء في الأمم تسند إلى كفالتهم أعمال الأمة ومطالبها موزعة توزيعاً رئيسياً كل واحد منهم يكون منتهى وظائف شتى وملتقى خطوط مختلفة البعد والقرب باعتبار وظيفة كل مرؤس لهم ..
والأمر الوحيد المطالب به كل منهم دائماً هو مراقبة سير وظائف من يتعهدون أمرهم فيهيئون العمال إلى الأعمال بمقتضى قانون الطبيعة في النمو ترقية إذا توفرت الصلاحية والأهلية بدون وقوف عند حد إلا ما تقضي به طبيعة النظام ..