الأقباط متحدون | المدير التنفيذي
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٧:٠٣ | الأحد ٢٦ ديسمبر ٢٠١٠ | ١٧ كيهك ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٤٨ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

المدير التنفيذي

الأحد ٢٦ ديسمبر ٢٠١٠ - ٣٦: ١٢ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: مينا ملاك عازر
إتصل ابن عمي من "لندن" معربًا عن أساه من خبر قرأه في الـ"بي بي سي". يقول الخبر: إن المدير التنفيذي لشركة الخطوط الجوية البريطانية، تنازل عن حقه في العائد السنوي لأرباح الشركة– وهو بالآلاف الإسترلينية- مجازاة لنفسه، لما تسبَّبت فيه قراراته الصحيحة- خلي بالكم هي قرارات صحيحة كما سترون- حيث أن قرارته هذه كانت وقف رحلات الطيران في فترة تساقط الجليد والظروف الطقسية السيئة، وكانت قراراته حرصًا منه على الطائرات- وطبعًا على من يركبونها- لكنه رأى أن قراراته تسبَّبت في منع الناس من الاستمتاع بأجازاتهم، وتسببت في تكدُّسهم في المطارات مما ضايقهم، وكان عليه أن يكون جاهزًا لشيء مثل هذا، ويجهِّز بدائل لهم، كالإقامة وما إلى ذلك. ورغم أنه اعترف إنه لم يكن يمكنه فعل ذلك، إلا أنه رأى في ذلك تقصيرًا، فحرم نفسه من عائد بالآلاف الإسترلينية مقابل خطأ فعله كثيرون من المديرين التنفيذيين للشركات المماثلة، هذا إن اعتبرنا ما فعله خطأ.

ويُكمل ابن عمي حديثه منفعلاً، مقارنًا بين ما فعله هذا المدير التنفيذي، وما فعله رئيس إحدى الجامعات ومدير مستشفى الجامعة، حينما ألقوا باللوم- من عامين- على أحد النواب بالمسئولية عن موت فتاة جاءته تعاني من حالة تسمم!!

ويؤكِّد لي ابن عمي الطبيب، أن الحالة أعراضها كانت واضحة لأي أحد، وكان واجب على مدير المستشفى أن يعرف التشخيص ببساطة، وينقذ الفتاة. واستطرد قائلاً: وكذلك وزرائنا الذين تقع المصائب في وزاراتهم، ويتسابقون ليلقوا بالمسئولية على أحد مساعديهم الغلابة، كسرقة لوحة الخشخاش، وتصادم القطارات، وانهيار العقارات، والفساد في المحليات، وحوادث الطرق، وفساد رجال المرور الذي تشهد به الحكومة نفسها في إحصائياتها.

فهدَّأت من روعه، وقلت له: لا تقارن يا عزيزي بين مدير تنفيذي ووزراء، فالوزراء لدينا مقامهم مقام وزير في "اليابان" استقال لأنه تلفَّظ بقول لم تتقبله المعارضة، قال فيه أن عمله لا يحتاج مجهودًا كبيرًا. بل قارن يا صديقي بين المدير التنفيذي لديكم والمدراء التنفيذيين لدينا. فأحبائنا لدينا، يديرون المؤسسات بالبركة! فأنا أعرف يا حبيبي مدير تنفيذي يدير مؤسسة بدون لائحة تنفيذية داخلية، رغم النداءات الكثيرة التي نادى بها الكثيرون بإصدار لائحة بذلك. لكنه كيف له أن يفعل ذلك، وهو لو أصدرها، سيجد نفسه مضطرًا أن يسير تبعًا للقانون الذي لن يكن في صالحه، ولا في صالح أصدقائه الذين عينهم معه كمساعدين كثيري الأخطاء، وستكون اللائحة في صف المغضوب عليهم من المشتغلين بالمكان في قراراته الظالمة والمجحفة ضدهم، لا لشيء إلا لأنهم لا ينفِّذون رغباته الشخصية، ولذا عليهم أن يتجرعوا الظلم على يده، ولا يجدوا من ينقذهم من انفعالاته وقراراته التي لا تصدر بشكل رسمي كتابي، بل كلها شفهية؛ وليس لها سند قانوني، لكي يستطيع التراجع عنها حين يريد ذلك، حتى لا تطبَّق على أصدقائه فتكون كمرجعية في أي مشكلة مشابهة يقع فيها أحباؤه. حتى أن أحدهم حينما تقدَّم له باستقالته، لم يكلِّف نفسه عناء الرد عليها كتابةً، بل كلف أحد مساعديه بالرد عليها تليفونيًا حتى لا يمسك عليه شيء، خاصةً وأنها كانت استقالة مسبَّبة، وواجب التحقيق فيها بحكم القانون الذي لا يعرفه هذا المدير التنفيذي. فهو لا يعرف إلا القانون الذي يخدم أصدقائه، ومن يحبهم، ومن ينفذون طموحاته الشخصية. ولا مانع لديه أن يضحِّي بأي أحد- حتى لو كان هذا في غير صالح العمل- ما دام هذا في سبيل كسر أنفه، وانتهاك كرامته، وحتى يعرف أن الله حق، وأنه أخطأ في عدم تلبيته مطالب المدير، وهي المطالب التي ليس لها علاقة بالعمل ولا الشكل المهني.

وأنهيت مع ابن عمي المكالمة وقلبي يعتصر حزنًا على ما آل إليه حال الإدارة في "مصر"، والتي لم تعد تسر عدو ولا حبيب. بل حال المصريين، حالهم الذين صاروا يديرون به أشغالهم، خالطين بين ما هو شخصي وما هو مهني؛ فصرنا نرفع من شأن من نحبهم، ونقلِّل من شأن من نكرههم، بغض النظر عن منْ كان يحبوننا، أو يقومون بعملهم بشكل متميز أو لا، فالمهم إرضاء المدير، رغم أن الأصل في العمل هو أن ترضي ضميرك المهني.

هل علمتم لماذا أنا كففت منذ مدة عن مهاجمة الحكومة؟ فنحن وما نفعله في بعض أسوأ بكثير مما تفعله الحكومة فينا. فأنت لو ظلمك وزير تستطيع أن ترفع المسألة لرئيس الوزراء، وإن لم ينصفك تستطيع أن ترفعه لرئيس الجمهورية، وتوسِّط النواب وغيرهم لأخذ حقك. لكن هناك من لا تستطيع أخذ حقك منهم إلا بيد الله؛ لأنه ببساطة ليس هناك من يحاسبهم، حيث أن من أعلى منهم في الشكل الإداري هم أصدقاء المدير وأقاربه! فكيف لهم أن يسألونه، لماذا تفعل هكذا؟ ولماذا تخسر من هم متميزين في أعمالهم لأسباب شخصية غير حيادية؟

هل عرفتم أحبائي البون الشاسع بين مسئولينا ومسئولي الدول المتقدِّمة الذين يقدِّرون أعمالهم، ويٌساءلون ممن هم أعلى منهم، والذين يحاسبهم ضميرهم المهني وليس قلوبهم وأهواؤهم الشخصية؟ هل عرفتم لماذا هؤلاء متقدمين؟ ولماذا نحن متأخرين؟ هل عرفتم لماذا هم يبحثون عن الأفضل ونحن نبحث عن الأريح؟

المختصر المفيد، الإدارة علم؛ فعليك أن تدر عملك بضميرك المهني والقوانين، وليس بالعاطفة والنزعات الشخصية، هكذا تتقدَّم الأمم.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :