تشير التقارير إلى أن الأوروبيّين العاديّين، المرعوبين من الإرهاب، أصبحوا يرفعون أصواتهم للإحتجاج على وجود الإسلاميين على اراضيهم، أضف إلى التخلي عن التّسامح ازاء ما يعتبرونه ثقافة لا تؤمن بقيمهم الديمقراطية.

لندن: عندما كان أنصار جماعة «دعوة الى الجنّة» الإسلامية في مدينة موينشنغلادباخ الألمانية، قرب الحدود، مع هولندا، يبدؤون صلاتهم في ساحة التسوق خلال رمضان الماضي، كانوا أيضًا يقدمون الدعوة للأنظار الخانقة من جانب السكان الألمان.

وكان السكان يعتبرون صلاة الجماعة في الهواء الطلق إمعانًا في تحدّيهم بعد حملة لهم بدأت في يوليو/ تموز الماضي لوقف بناء مدرسة إسلامية لحوالى 200 طالب قرب مركز المدينة. وكان سبب الاجتجاج هو، على حد قولهم، أن المدرسة ستعلم النشء «تفسيرًا أصوليًّا متشدّدًا للإسلام».

وفي ألمانيا عمومًا، حيث ولّدت جرائم النازيين الجدد العنصرية حساسية خصوصًا عندما يتعلق الأمر بحقوق الأقليات العرقية، كانت مواجهة كتلك القائمة في موينشنغلادباخ تحدث، وحتى وقت قريب، فقط في إطار اليمين المتطرف الهامشي. لكن مظاهرات المدينة الأسبوعية تجتذب ربع مليون الماني في المتوسط. وهذا يعني أن التيار العام نفسه بدأ يسير على طريق رفض الإسلام بأقلية من أتباعه.

تيّار أكبر

هذا جزء من تيار أكبر بدأ يشتد في الإطار العريض وهو عموم أوروبا نفسها. وتبعًا لصحيفة «واشنطن بوست» في تقرير لها، فإن الأوروبيين العاديين - المرعوبين من الإرهاب - صاروا يرفعون أصواتهم عالية للاحتجاج على وجود الإسلاميين على أراضيهم وبالتخلي عن التسامح إزاء ما يعتبرونه ثقافة لا تؤمن بقيمهم الديمقراطية. وبعضهم ينعى موت «التعددية الثقافية»، الفاشلة على حد قول المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، بينما يقول بعضهم الآخر إن أوروبا «تدافع عن أساليب حياتها في وجه اولئك الساعين الى تدميرها».

عداء متصاعد..

في هولندا، على سبيل المثال، تصاعدت مشاعر العداء للمهاجرين بشكل متصل منذ جريمة اغتيال المخرج السينمائي ثيو فان غوخ في 2004 على يد متطرف إسلامي. وفي انتخابات العام الحالي برز «حزب الحرية» المعادي للإسلام بزعامة غيرت فيلدرز باعتباره ثالث أكبر القوى السياسية. وهو الآن يساعد الحكومة المحافظة في ثلاثة أهداف انتخابية محددة وهي: حظر النقاب، وخفض عدد المهاجرين، وسجن غير الشرعيين منهم.

وفي سويسرا اعتمد الناخبون حظرًا على المآذن ودخل حزب سياسي البرلمان للمرة الأولى على جناح عدائه للإسلام. وتشهد فرنسا من جهتها تأييدًا شعبيًّا لقرار حظر النقاب في الأماكن العامة على يد البرلمان في الآونة الأخيرة.

.. وفي المانيا خصوصًا

إن كان كل هذا لا يكفي، فقد أظهرت نتائج مسح عام نشرت الخميس الماضي أن الألمان أكثر عداء للإسلام من بقية جيرانهم الأوروبيين. فبينما تبدي الغالبية الأوروبية الأخرى تسامحًا إزاء المسلمين (62 في المئة في هولندا، و56 في المئة في فرنسا، و55 في المئة في الدنمارك) فإن النسبة في عموم المانيا لا تتعدى 34 في المئة وتنخفض الى 26 في المئة في المناطق التي كانت تؤلف المانيا الشرقية قبل انهيار الشيوعية.

المسح أجرته جامعة منستر الألمانية، وقال المشرفون عليه إنهم استطلعوا آراء ألف شخص في كل من الجزء الغربي من المانيا وجزئها الشرقي وعدد مماثل في كل من الدول المذكورة أعلاه. وأضافوا أن هامش الخطأ في مسحهم لا يزيد عن 3 في المئة.

والرجل الذي يقود حملة الاعتراض على المدرسة الإسلامية في موينشنغلادباخ هو ويلفريد شولتز (60 عامًا). وهو مستشار مواقع الكترونية سابق وأنشأ جماعة «مواطنون من أجل موينشنغلادباخ» التي آلت على نفسها، كما يقول، «تسليط الضوء على فيديوهات الجماعات الإسلامية التي تنادي على الإنترنت بقتل المسلمين العلمانيين، وتطالب النساء بالتزام منازلهن وعدم الخروج منها إلا بصحبة قريب ذكر بالغ، وتقول إن النار هي مصير الذين يمارسون الجنس قبل الزواج». ويضيف قوله: «لن نسمح لهؤلاء الإسلاميين بزعزعة قيمنا الألمانية الليبرالية». 
 
مسلمون مستاؤون أيضًا

الواقع ان الألمان ليسوا الوحيدين الذين يتّخذون هذا الموقف، إذ إن بين المسلمين المعتدلين في المانيا من يقاسمهم الصدود عن الأصوليين. ويحاول هؤلاء حاليًا تجنيد قادة الجالية الإسلامية بغرض التصدّي للمتطرفين في المنابر وإطفاء فتيل البارود.

وفي هذا الصدد يقول محمد أصيلة، وهو الماني - مغربي يعمل في بلدية هيلدن، وهي بلدة مجاورة لموينشنغلادباخ: «اولئك المتطرفون الإسلاميون يملأون الفراغ وحسب، لأنهم يقدمون أجوبة بسيطة لأسئلة كثيرة التعقيد».

ومن جهتها تقول جماعة «دعوة الى اللجنة» إن عضويتها تتألف من 400 شخص ولذا فيحق لها تمثيل الإسلام. لكن هذا عدد صغير بالمقارنة مع 9 آلاف من الأتراك في موينشنغلادباخ وحدها... ويعيش معظم هؤلاء حياة غربية على غرار «مواطنيهم» الألمان لأن «الوطن» مشترك بين سائر أعراقه.