الأقباط متحدون - الوضع الدولي والاقليمي للكنيسة القبطية الارثوزكسية
  • ٠٦:٥٨
  • الاثنين , ٢٤ اكتوبر ٢٠١٦
English version

الوضع الدولي والاقليمي للكنيسة القبطية الارثوزكسية

سليمان شفيق

حالة

٢٧: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٤ اكتوبر ٢٠١٦

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

الكنيسة بين حصار الطوق الاسلامي والهيمنة الروسية

سليمان شفيق

 يلاحظ في الفترة الاخيرة الدور الروسي "السياسي والكنسي" في المنطقة ، وتكاد تكون روسيا هي البلد الوحيد الذي يدرك ابعاد ان استعادة دورها السابق لابد ان يمر عبر ارثوزكسيتة .. ليست محاولة لاقحام الدين في السياسة ولكن على مدى التاريخ تم استخدام الأديان (كل الأديان) في الصراعات السياسية.

وفي القرن الماضي بدا الغرب في استخدام الدين في الحرب الباردة منذ عام 1948 وقد رسم استراتيجيته على الأساس التالي: -
إظهار وإبراز الضغوط التي تمارسها الدولة السوفيتية الشيوعية على الكنيسة الروسية وكنائس شرق أوروبا وتسويق هذا "الاضطهاد" في الداخل الروسي/ السوفيتي/ الأوروبي باعتباره اضطهاد ديني للكنيسة

- دعم جهود كنائس الكتلة الشرقية في المهجر لمواجهة الشيوعية من الخارج بالتعاون مع مجلس الكنائس العالمي (تأسس عام 1948) وكنائس الشرق الأوسط.

(أدرك الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والبابا القديس كيرلس السادس منذ أواخر الخمسينيات أبعاد هذه الاستراتيجية وتأثيرها على مصر، وفي نفس الوقت رفضت الكنيسة الرومانية المجلس والكنيسة القبطية ومن ثم عمل غلى مساعدة الكنيسة القبطية على النأي بنفسها عن استغلالاها في المخطط. )

- استخدام الدين الإسلامي ومراكزه الروحية والثقافية في الشرق الأوسط في شيطنة الشيوعية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بما لا يسمح بتمدد الفكر الماركسي والشيوعي وحتى الاشتراكي على التمدد في الفضاء الساسي والفكري للشرق الأوسط.

في ضوء هذه الخبرة التاريخية للكتلة الشرقية مع استخدام الدين في الحرب الباردة أصبح من الواضح ان دول هذه الكتلة وعلى رأسها روسيا قد اختطت لنفسها استراتيجية جديدة تستخدم فيها الدين كأساس لتصنيف الأعداء والأصدقاء في الساحة الدولية، خاصة وأن للمسيحية الأرثوذكسية موقع مهم في مشروع الدولة القومية الروسية كما يصدره الرئيس بوتين، فالكنيسة الروسية قائدة الأرثوذكسية العالمية مواجهة الغرب (البروتستانتي).

وعلى الرغم من أنه من غير الواضح حجم وحدود استخدام بوتين للكنيسة في مخططه الاستراتيجي للدولة الروسية وأمنها القومي إلا أن تحركات الكنيسة في الفترة الأخيرة نحو الفاتيكان والكنائس الأرثوذكسية في الشرق الأوسط والاهتمام بعقد المؤتمر المسكوني للكنائس الأرثوذكسية، كل هذ التحركات تؤكد أن هناك تصور واضح للدولة الروسية وكنيستها للتوجه الاستراتيجي الذي يخدم أمن البلاد القومي ومصالح الكنيسة.

الكنيسة الروسية والكنيسة القبطية بدأ اهتمام الكنيسة الروسية بالكنيسة القبطية في الربع الأول من القرن التاسع عشر، ولدينا من هذه الفترة محاولتان لضم الكنيسة القبطية للكنيسة الروسية. كانت المحاولة الاولى في وقت ولاية محمد علي، حين أرسل قيصر روسيا مبعوثا للبطريرك القبطي بطرس الجاولي يعرض عليه وضع الكنيسة القبطية تحت حمايته، وجاءت المحاولة الثانية في عهد الخديوي سعيد (أثناء حرب القرم) وقام بها أحد الأساقفة الروسيين والذي أقنع بطريرك الاسكندرية للروم الأرثوذكس بالتنازل للبطريرك القبطي كيرلس الرابع تمهيدًا للإدماج الكامل للكنيسة القبطية للكنائس البيزنطية لكن المسعى لم يكتمل لوفاة البطريرك القبطي.

وطوال القرن العشرين القيصر (١٩١٤-١٩٨٩) كانت هناك زيارات متبادلة بين الكنيستين خاصة في فترة الستينيات والسبعينيات لكنها لم تكن في إطار الحماية أو الاندماج. في منتصف الثمانينات بدأ البطريرك المسكوني للكنيسة الأرثوذكسية من مقره الأوروبي في جينيف محاولة لإنهاء الخلافات بين العائلتين الأرثوذكسيتين وعمل على صياغة اتفاقية للاعتراف اللاهوتي المتبادل وبدأ في عرضها على الكنائس المختلفة للحصول على موافقتها وقد وافقت عدة كنائس على الاتفاقية منها الكنيسة القبطية (جاءت الموافقة على أساس أن الاتفاقية تقر ما تؤمن به الكنيسة القبطية، كما أنها لا تمس بأي شكل من الأشكال استقلال الكنيسة).

غير أن الكنيسة الروسية كانت أبرز المعارضين للاتفاقية وقادت حملة لمنع الكنيسة القبطية من أن تكون ضمن الكنائس الأرثوذكسية المعترف بها عالميًّا (وهو أمر لا يزعج الكنيسة القبطية على الإطلاق إذ تعتبر نفسها أهم كنائس العالم كونها كنيسة الإسكندرية العظمى) ولا زال الموقف المعلن للكنيسة الروسية من الاتفاقية كما هو لم يتبدل. في السنوات الاخيرة بدأ الموقف في الكنائس الأرثوذكسية البيزنطية يتبدل، فنحن نلحظ اهتمامًا غير عادي من المؤسسات المسيحية في روسيا وبلدان أوروبا الشرقية بكل كنائس المنطقة الأرثوذكسية، في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والسودان فضلًا عن مصر. فعلى سبيل المثال قامت جمعية البرلمانيين الأرثوذكس ومقرها في اليونان بالعديد من الزيارات إلى مصر واستضافت العديد من البرلمانيين في مؤتمراتها.

أيضًا كان استقبال الكنيسة الروسية للبابا تواضروس في زيارته الأخيرة إلى موسكو استقبالًا حافلًا وكبيرًا وأكد على أن هناك تغيرًا إيجابيًّا ما في الموقف الروسي من انضمام الكنيسة القبطية للأرثوذكسية العالمية، ويضاف لذلك معلومتان، الأولى أن أحد أهم الأساقفة المعترضين على الكنيسة القبطية وهو أسقف جزيرة آثوس وهي مقر روحي غاية في الأهمية للكنائس الأرثوذكسية قد استقال من منصبه منذ عدة شهور، الأمر الآخر أنه تم عقد اجتماع كبير للكنائس أرثوذكسية في الاسبوع الثاني من شهر مارس 2015 اتفق فيه الحاضرون على استمرار النقاش في الكثير من الملفات الحساسة مثل العلاقة مع الغرب والعلاقة مع الإسلام، والاهم انهم اتفقوا على عقد المجمع المسكوني للكنائس أرثوذكسية في عام ٢٠١٦ والذي سيعقد لأول مرة منذ ١٢٠٠ عام (يتعثر انعقاد المؤتمر نتيجة لوجود مشاكل داخلية بين الكنائس المشتركة .

من الواضح ان تحركات الكنائس والمؤسسات الأخرى ليست بعيدة عن التحولات السياسية، فحسبما تقول مصادرصحفية روسية مطلعة فان لديهم قناعة بأن هناك قوسًا من الدول الإسلامية تحيط ببلدانهم يمتد من بلدان الاتحاد السوفيتي السابق ويمر بتركيا والبانيا لينتهي في البوسنة وهذا القوس بالنسبة لهم مصدر خطر، خاصة وأنهم يربطون الإرهاب بالإسلام، وبناء عليه فإنهم يحاولون ضم الكنائس المسيحية في العمق الإسلامي لهم. المؤشرات كلها تؤكد على أن هناك رغبة من الكنيسة الروسية على فرض زعامتها للأرثوذوكسية العالمية وضم الكنائس المشرقية لها بتنازلات ترضيها ومن ثم تقوي من موقعها أمام الخطر الإسلامي والتهديد البروتستانتي. ويبدو أن الدولة الروسية تستخدم هذه الورقة بحرفية كبيرة ليس لكونها أو لكون قادتها متدينين ولكن لأنها تعلمت الدرس مما حدث للاتحاد السوفيتي.

تري هل هناك دارسين في الشئون الدولية بالكنيسة القبطية الارثوزكسية يدركون ذلك ؟ اشك !!!!