بقلم: أيمن عبد الرسول
لا أستطيع الكُفر بهذا البلد، ولا القسم به، لكنني كمواطن من حقي أن أمشي في شوارعه آمنًا مطمئنًا، لا تستهدفني المتفجِّرات ولا السيارات المفخَّخة، لا أحتفل بعيد الميلاد المجيد تحت ظل سيوف المجاهدين الدمويين القتلة، بلا دين، دينهم الحقد والسم والدس، دينهم وبئس ما يدينون به، هو الدم.. ملعون من يهدر دم الإنسان لمخالفة في أي شيء، ملعون القتل باسم الله، ملعون كل من سوَّلت له نفسه استحلال الدم لأي سبب كان!
ملعون بالقانون لا الشريعة، فالشريعة لا تنصر أعداءها، ولا تحمي نصوصها مخالفيها ـ أي شريعة بالمناسبة ـ ولا يشذ الإسلام عن هذه القاعدة، فهو كدين مصدره السماء، يتهم السابقين عليه بالكفر، ولا يعترف بمن يخالفونه، ولا يقبل من لا يقبلونه، هذه طبيعة الدين، أي دين إقصائي، انتقائي، براجماتي، يداعب أحلام معتنقيه بما ليس لهم، منه فيه، لذلك يجب أن يتعلم المواطن الذي يروح شهيدًا على صليب أو مصحف، أن الدين ضد الدين، ولا دين على مستوى النظر، لمن يعرف معنى النظر، والنظر الديني بطبيعته أعور، ينظر إلى الدنيا بمنظور الآخرة، ويبيع صكوك الغفران، ويشتري من المؤمنين به دماءهم وأموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة، لا حسن الجوار في الدنيا ولا المواطنة!
وآه من المواطنة.. تلك المنظومة الغائبة عن وطني، وبني وطني الذين ينتمون إلى المسجد والكنيسة ولا ينتمون بأغلبيتهم لهذا البلد، والقانون غائب عن هذا البلد، ووالد يورث من ولد، الكل يخلف ما وعد.. وأولئك يقولون: الرب معي فلا يعوزني شيء، وهؤلاء يقولون: فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون!
إن الحادث الإرهابي الذي تعرضت له كنيسة في مواجهة مسجد في مدينتي "الإسكندرية"، لهو الحصاد المر للاعتصام بحبل الدين في مواجهة أرض الوطن، الوطن الذي يستوعب الدين وتتجاوزه الأديان، تعاملت الأجهزة الأمنية باستخفاف مع تهديدات القاعدة، تعاملت الأجهزة الأمنية بعنف ضد متظاهري كنيسة العمرانية، تهاونت الدولة مع متظاهري يوم الجمعة بعد الصلاة المطالبين بعودة كاميليا شحادة ووفاء قسطنطين، وسب البابا شنودة والكنيسة والأقباط، تهاونت الأجهزة الأمنية مع ظاهرة زكريا بطرس وهو يسب نبي المسلمين، تهاونت الأجهزة الأمنية مع السلفيين الذين يكفِّرون الأقباط والبهائيين ليل نهار على المنابر، وفي الفضائيات، وعبر الزوايا والأنفاق!
وكأن الأمن هو المكلف بحماية أبناء الوطن من أنفسهم، نحمل الأمن المسؤولية، وعندما يقوم بواجبه حاسمًا نتهمه بانتهاك حقوق الإنسان، ونتهم الدولة بأنها بوليسية، وإذا وقعت الواقعة وتفجرت الأوضاع نطالب بإقالة وزير الداخلية، أي غباء هذا الذي يقوم به السياسيون والمعارضون وقطاع الطرق، والمتسولون، والسلفيون والمتأقبطون، والمزايدون على الوطن والنظام، والمتاجرون بدماء الشهداء من كل ملة ودين وطائفة، فهل كتب على هذا البلد أن يحكمه المماليك، وأن يعيش تحت مظلته العبيد الذي يغضبون باسم الله أكثر من غضبهم لدمهم!
كم مسجد نهى خطيبه الجمعة الفائتة مصلِّيه عن الاحتفال برأس السنة الميلادية لأنها من أعياد النصارى، وكم من مدعٍ سلفي وإرهابي بالقول، نهى المسلمين عن مُبادأة النصارى بالسلام والتهنئة، وكم شيخًا من مشايخ الفضائيات ألهب خيال مشاهديه المتعصِّبين بمعاصي ليلة رأس العام في الكنائس بخياله المريض وأساطيره المؤسِّسة للطائفية ضد الأقباط؟!
"بالروح بالدم نفديك يا صليب".. "بالروح بالدم نفديك يا مصحف" هتافات تتردَّد بين أنصار الله بأي اسم يسمونه، المهم أنهم يتعاركون على أرض الوطن، ويعانون نفس المعاناة تحت ظل الوطن، وكل منهم يدعي امتلاك الوطن، والوطن في الحقيقة ليس مسجدًا أو كنيسة، الوطن هو القانون، والشرعية الدستورية، لا المصحف ولا الإنجيل.. ويجب محاسبة كل من يشجع الإرهاب، ومن يحاول تبريره، ومن يتصدى للترويج لمقولة التكفير، أحد أهم مفاتيح القتل باسم الله، باسم الدفاع عن الدين، فمنذ أن غاب شعار الدين لله والوطن للجميع، أصبح الجميع من كل صوب يريدون أن يجعلوا الوطن للمسجد أو الكنيسة، لا لوم على مسجد يحلم أن يصبح وطنًا يخصه، ولا على كنيسة تقوم بدور الوطن اللوم واللعنة والحرب على قوانين لا يتم تفعيلها، وتنتقي أهدافها بعناية القنَّاصين، ممن لا ظهر له.. الحادث الأخير يقول الكثير!
الإرهاب لا دين له، كنت سأكتب هذا المقال بعنوان "يلعن دين الإرهاب"! وحذرني صديق من سب دين الإرهاب، قائلاً: ستعرِّض نفسك للتكفير من الإرهابيين، فقلت له مسرعًا على العكس، يجب على من يرى أنني أسب دينه، أن يحاكم، ويعدم لأنه يعتنق الإرهاب دينًا!
وتذكرت الحصاد المر من الفرز الطائفي والاقتتال على الهوية والعقيدة، وأن كل الحروب كانت وراءها أسباب تمييزية بين دين وآخر أو دولة وأخرى، الدم غالي الثمن ودماء المصريين تهون على المصريين مسيحيين ومسلمين من أجل الصراع على ملكية الله، ولا يتظاهرون من أجل الدفاع عن وحدة الوطن.. تفر دموعي على شهداء الدم، ويبكون من أجل دينهم، الإنسان أبقى من كل شيء.. الإنسان.. هو الوطن.. والوطن لا يقدره في بلادي سوى الذين دفعوا ضريبة الدم في الدفاع عنه، فمن يبكي على وطن سالت دماء مواطنيه أقباطًا ومسلمين على يد الإرهاب الذي لا دين له ولا وطن!
وأخيرًا.. ربما كان الحادث مؤامرة خارجية ضد هذا الوطن، إلا أن هذا المخطط الخارجي لم يكن لينجح إلا في مناخ داخلي يحتفي بالإرهاب.. وباسم الله!