ليس خفى إلا ويستعلن!
منير بشاي
الاثنين ٣١ اكتوبر ٢٠١٦
بقلم منير بشاى
قال السيد المسيح "لأنه ليس مكتوم لن يستعلن ولا خفى لن يعرف"متى 10: 26. وهذا ينطبق على المعاصى التى يرتكبها البعض فى الظلام ويظنون ان احدا لن يراهم. وايضا ينطبق على الافتراءات التى يرتكبها البعض فى الخفاء فى حق الأبرياء للتشهير بهم واغتيال سمعتهم. كل هذه الامور لن تظل مخفية، فالحق لا يمكن كتمانه، ولابد ان يظهر يوما للجميع.
منذ أيام نشرت ال (بى بى سى) البريطانية تقريرا عن ما يجرى فى عالم الانترنت وكيف يتم استغلاله من عصابات الجنس التى تستهدف بعض الرجال العرب. ويحكى التقرير ما حدث لشاب فلسطينى يعيش فى ايطاليا. تبدأ القصة عندما جاء للشاب طلب صداقة على (السكايب) من سيدة فاضافها الى قائمة الاصدقاء دون تفكير. وفى اليوم التالى تظهر الصديقة الجديدة للدردشة. وتتطور الدردشة الى الحديث فى الجنس وتنتهى بأن يشترك فى افعال جنسية امام الكاميرا. بعد ذلك يتلقى الشاب رسالة من السيدة للدردشة. ولكن بدلا من السيدة يظهر رجل ليبلغ الشاب أن ما حدث تم تسجيله فى فيديو وانهم على استعداد لارساله لقائمة الاصدقاء التى حصلوا على صورة منها والتى تشمل امه وافراد عائلته. ويعرضوا علي الشاب ان يدفع مبلغا كبيرا كثمن لعدم نشر الفيديو. ويقول التقرير ان هذا العمل شائع وان كثيرين يقعون فى شراك تلك العصابات ويدفعون ثمنا باهظا نتيجة ذلك.
ما حدث للشاب الفلسطينى وابتزازه ماليا كثمن لكتمان العار الذى يرتبط بركن مظلم فى حياته، هذا قد اشار له السيد المسيح قبل 2000 عام حين قال "لذلك كل ما قلتموه فى الظلمة يسمع فى النور وما كلمتم به الاذن فى المخادع ينادى به على السطوح" لوقا 12: 3. ولذلك فالتحدى امامنا هو ان تكون حياتنا فى الخفاء مطابقة للعلن وان لا ننطق او نعمل فى الخفاء ما نخشى ان يسمعه او يعرفه احد. وللاسف هناك من يعيشون حياة الازدواجية بين ما هو مخفى وما هو معلن، وهو ما لا يرضى الله وما يعرضهم للفضيحة بين الناس.
ولكن من ناحية اخرى يجب ان نعرف انه ليس كل ما يقال ضد الآخرين دائما يمثل الحقيقة. فهناك حالات يتم فيها تلفيق اتهامات ضد ابرياء. ومن الممكن تركيب صور عن طريق الفوتوشوب لاثبات ادعاءات كاذبة. واحيانا تنتهى الاتهامات الكاذبة بصدور احكام قضائية ظالمة يستخدم فيها شهود زور يبيعون ضمائرهم لمن يدفع.
قصة يوسف هى خير مثال على هذا. ذلك الشاب العبرانى الذى يذكر عنه الكتاب المقدس انه "كان الرب مع يوسف فكان رجلا ناجحا". ولكن الشاب الناجح يوسف الذى وصل الى اعلى المراتب لم تخل حياته يوما من المشكلات. بل ربما عانى من الظلم اكثر من معظم الناس.
تبدأ قصة يوسف بأن اباه كان يحبه اكثر من اخوته لأنه كان ابن شيخوخته. وصنع له اباه قميصا ملونا وهذا جعل اخوته يبغضوه. وتزداد البغضة وتتحول الى حسد عندما حلم يوسف حلما واخبره لاخوته انه مع اخوته حازمون حزما فى الحقل واذ حزمته قامت وانتصبت فأحاطت بها حزم اخوته وسجدت لحزمته. ثم حلم ايضا ان الشمس والقمر واحد عشر كوكبا ساجدة له. وهذا الحلم اغضب حتى اباه لانه افترض ان اباه وامه واخوته جميعا سيسجدون له (تكوين 37)
وفى يوم من الايام ذهب اخوة يوسف ليرعوا، وبعد ذلك أرسل اباهم يوسف ليفتقد سلامة اخوته. ولما رأى اخوته يوسف قادما من بعيد تآمروا ليقتلوه. ولكن أخاه رأوبين انقذه من القتل فطرحوه فى بئر فارغة. ولما رأوا قافلة للاسماعيليين قادمة فى طريقها الى مصر باعوه لهم.
وتتجمع قطع اللغز واحدة بعد الاخرى. ولكن الصورة تتعقد قبل ان تكتمل. فيوسف يتم بيعه فى مصر لرجل اسمه فوطيفار. وفى بيت فوطيفار تراود امرأته يوسف على نفسها. ولكن يوسف يرفض ويقول لها "كيف اصنع هذا الشر العظيم واخطىء الى الله" تكوين 39: 9
كان يوسف يتقى الله، ويعيش حياته فى محضر الله، فكان يرى الله امامه فى كل تفاصيل حياته. ولذلك فقد رأى فى ارتكابه المعصية مع زوجة فوطيفار ليس فقط خيانة للرجل الذى استأمنه على بيته وعلى إمرأته ولكن أيضا خيانة لله الذى كان يضعه امامه فى كل حين.
ورغم ذلك بدا وكأن يوسف قد منى بالهزيمة نتيجة امانته. فبدلا من ان ينجو اذ به يتهم بمحاولة اغتصاب المرأة الشريرة. وبدلا من تكريم امانته اذ بالشر يبدو وكأنه قد انتصر. وتكون النتيجة ان يوضع يوسف فى السجن.
وتتلاحق الحوادث عندما يحلم فرعون حلما بسنى القحط التى ستأتى على ارض مصر ويتم التعاملات الالهية مع فرعون التى عن طريقها يعرف بقدرة يوسف على تفسير الاحلام ويقتنع انه لا يوجد احكم من يوسف ليقوم بادارة البلاد خلال سنوات القحط. فيخرج فرعون يوسف من السجن ويجعله الرجل الثانى فى مصر.
الخلاصة ان الشر قد يبدو كما لو انه انتصر فى معركة ولكن حتى هذا النصر فهو بسماح من الله والى حين. ولكن الحرب لابد ان تكون فى صالح الحق لأن الله لا ينهزم. "سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجرى ويخرج مثل النور برك وحقك مثل الظهيرة" مزمور 37: 5 و 6
وكما ان الشر فى الخفاء يوصم صاحبه بالخزى امام الجميع، فمن يكون امينا فى الخفاء سيجازيه الرب خيرا امام الجميع " ابوكم الذى يرى فى الخفاء يجازيكم علانية." متى 6: 6
Mounir.bishay@sbcglobal.net