الأشياء العسرة الفهم !
البروتوبرسفيتيروس أثناسيوس حنين
الاربعاء ٢ نوفمبر ٢٠١٦
البروتوبرسفيتيروس اثناسيوس حنين
بحث فى العلاقة النصوص الاصلية للكتاب المقدس والترجمات العصرية وحياتنا الروحية ورؤيتنا اللاهوتية
الأب الدكتور اثناسيوس حنين
طلب منا احد الاصدقاء الأحباء ’ بعد أن قرأ بعناية ’ بحثنا المتواضع عن اصول بعض الكلمات المفصلية فى الكتاب المقدس من النصوص الاصلية ’ اى من اليونانية ’نقول طلب منا عمل بحث أكثر تفصيلا ’ ولما كانت طلبات الاحباء وشركاء الروح الواحد أوامر ’ ها نحن نلبى النداء طالبين صالح الدعاء.
بادئ ذى بدء نكرر ونؤكد على حقيقة أساسية وهى أن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ’ مهما تعددت الترجمات ولقد سمعت عن أن هناك جهود لتوصيل الكلمة للصم والبكم بطرق وأشكال متنوعة.
اذن لماذا نصر على القرأة من النص الأصلى ’ الجواب نجده عن الرسول بطرس وهو يتكلم عى رسائل شريكه فى البشارة بولس (تذهلنى الايقونة البيزنطية لبطرس وبولس وهما يتعانقان بحب وحنان بعد خلاف غلاطية"قاومته علانية لأنه كان ملوما" الذى لو كان قد حدث بين انسانين عديمى الفهم لانقسمت اللكنيسة من القرن الاول !)’ نقول أن الرسول بطرس هو الذى لفت انظارنا الى خطورة عدم الفهم وعدم العلم على فهمنا للكلمة حينما يقول "لذلك أيها الاحباء اذا انتم منتظرون هذه اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس ولا عيب فى سلام . واحسبوا أناة ربنا خلاصا .كما كتب لكم اخونا الحبيب بولس ايضا بحسب الحكمة المعطاة له كما فى الرسائل كلها ايضا .....التى فيها أشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الفاهمين كباقى الكتب ايضا لهلاك نفوسهم "2بطرس 3 :16 .
حقا هذا تصريح فى منتهى الخطورة لأننا ’ ربما ولاول مرة ’ نسمع عن العلاقة بين التفسير والعلم والفهم والتحريف ’وليسمح لى القارئ الكريم أن نعود الى الأية البطرسية من الاصل اليونانى ’ ونكرر أن النص القبطى لا يقل جمالا .
(Καί τήν τού Κυρίου ήμών μακροθυμίαν σωτηρίαν ήγείσθε,καθώς καί ό άγαπητός ήμών άδελφός Παύλος κατά τήν αύτώ δοθείσαν σοφίαν έγραψεν ύμίν ,ώς καί έν πάσαις ταίς έπιστολαίς λαλών έν αυταίς περί τούτων ,έν οίς έπιστολαίς ,έν οίς έστι δυσνοήτά τινά, ά οί αμαθείς καί άστήρηκτοι στρεβλούσιν ώς καί τάς λοιπάς γραφάς πρός τήν ίδίαν αύτών άπώλειαν )
يعوزنا الوقت والمساحة لتحليل هذا النص الالهى تحليلا لغويا شاملا ’ ولكن سنقف عند بعض التعبيرات ’ كلمة (متكلما ) العربية الفاندايكية فى اليونانية (لالون) وهى التى نسمعها’ حسب ظننا ’ فى اللغة الدارجة (يلالى ) ومن يلالى لا يتكلم فقط بل يصرخ ويصيح ويزعق ويزيط ! أما الصفات (غير العلماء ) فالترجمة العربية اكثر حنانا من النص الاصلى لانها فى اليونانية تعنى (الجهلة (الاماسيس) وهى من الالفاء الالغائية كما نسميها فى القواعد (وماسو) اى اتعلم واتتلمذ ومنها (ماسيتس) تلميذ ’ اللى ما لهمش كبير يتلمذوا عليه وعلى ايديه وتحت رجليه زى كل العلماء والاباء الحقيقيين وما تعلموش حاجة -واصل-على رأى الصعايدة وبيعملوا علماء!!! ).
نأتى الى موضوعنا وهو ايات وكلمات عسرة الفهم يحرفها(دياستريفلونوا أى احول الامر عن اتجاهه الاصلى ) الجهلة وغير الدارسين لهلاك ’ ليس نفوسهم فقط بل من يسمعهم أيضا (هذا ما سماه احد الحكماء وعظ وتفسير الديلفرى والتيك أوى على الفضائيات وعلى المنابر وناقص يقولوا كل عظتين ديلفرى عليهم واحدة هدية !!!).لعل أحد ملامح الهلاك الذى يتحدث عنه الرسول بولس هو فى عدم معرفة أصول الكلمات مما يؤدى الى فصل النص عن تاريخه والتاريخ عن لاهوته واللاهوت عن ناسوته والناسوت عن جسده الذى هو الكنيسة والكنيسة عن الانسان وواقعه وأماله وتقديسه ’ أبعد ذلك كله هلاكا !!!
نعود الى الحبيب والحبوب يوحنا اللاهوتى ليس لأنه يسبح ويمرح فى ميتافيزيقيات لا ارجل لها وفى لاهوت غنوسى لا ناسوت له ’ بل لانه لاهوتى تجسد الكلمة وكلمة التجسد’ وهو أول من قاوم الغنوسية أى تفريغ الكلمة من جسدها وتاريخها وحسبها ونسبها ’ وهذا معناه عند الفاهمين ’ ان يوحنا أعطى لكل كلمة زخمها اللاهوتى-الانسانى بعد أن عمد ماضيها الثقافى الوثنى ولم يتجاهله أو يلغيه ’ نص انجيل يوحنا حينما نسمعه باللغة اليونانية معزوفة موسيقية راقية .(الله لم يره أحد قط .الابن الوحيد الذى هو فى حضن الأب هو خبر)
(الله لم يره أحد قط .الابن الوحيد الذى هو فى حضن الأب هو خبر) يو 1 :8
(Θεόν ούδείς έωρακεν πώποτε ό μονογενής υίός ό έν ών είς κόλπον τού πατρός ,έκείνος έξηγήσατο )
الله لم يره أحد قط رؤية العيان حسب كلمة (ايوراكين ) ’ ولكن هذا لا يمنع الرؤية بالروح (الثيؤريا) فى القلب للمجاهدين بالروح والحق حسب مقاريوس المصرى. الكلمة الهامة هنا هى (خبر ) وهى ترجمة لا بأس بها ولكنها لا تعطى كل المعنى ’ فالكلمة اليونانية (أكسيجيساتوا) هى فعل (أكسيجوا)أى أشرح وأفسر والقارئ منا كتب تفاسير بلغات أنجليزية exsgesis exegese ’أو فرنسية يعرف (الاكسيجيسيس) أى التفسير والشرح ’ اذن الابن الوحيد لم يقوم باخبارنا بمعلومات عن الله الاب ’ بل لقد شرحه لنا وكشف عنه فى ناسوته ’ ربما نقدر أن نقول أن الانبياء قد (خبرونا ) عن الله الأب ببعض الأخبار ولكن المسيح أظهره لنا (الله الرب ظهر لنا مبارك الأتى باسم الرب ) نرتل فى الليتورجية البيزنطية ليوحنا الذهبى الفم.
(فى وسطكم قائم الذى لستم تعرفونه)
(Μέσος δέ ύμών έστηκένόν ύμείς ούκ οίδατε )
سنتوقف قليلا عن فعل (تعرفونه) وهو قى الاصل (أيذاتى) والفعل (أيذا((Οίδα
معناه أن اعرف الامر معرفة يقيينة اختبارية جيدة ’ وفعلا نحن نعرف أن اليهود فى اورشليم ’ حسب النص ’ حينما ارسلوا كهنة ليسألوا يوحنا من أنت ؟ (يوحنا 1 :19 ) قال لهم انه (فى وسطكم قائم الذى لستم تعرفونه )’ كما عرفناه نحن ولمسته ايدينا (1 يوحنا 1 )ينا ’ أى معرفة اختبارية ’ لانهم كانوا ’ أى كنهة اليهود ’ يعرفوه معرفة نظرية وظيفية ناموسية ولهذا عاندوا وقاوموا وطاردوا من يعرفه معرفة اختبارية لاهوتية مملوئة نعمة وحقا !
(هذا هو حمل الله ًألذى يرفع خطية العالم )يوحنا 1 :29
)ίδέ ό άμνός τού Θεού ό αίρων τήν άμαρτίαν τού κόσμου)
سنتقف عند كلمة (خطية هامارتيا) وهى كلمة هامة جدا فى الحياة واللاهوت المسيحى ’ وهى من الكلمات التى عانت من الترجمات التى حولتها وحرفتها الى مفهوم اخلاقى باهت بلا غنى روحى ولاهوتى ’ الكلمة فى الاصل أتية من الفعل (هامارتانوا) ’وهى فى اليونانية القديمة الكلاسيكية تعنى (الانحراف عن الهدف عند التصويب فى الميدان ) ’ هنا ينجلى المعنى فالخطية هى فقدان الرؤية والاخفاق فى التصويب ’ كون الجندى الذى لا يصيب الهدف يهرب من الميدان او يكذب او يسرق فهذه كلها نتائج الخطية الاولى وهى فقدان الهدف ’ واذا ما اراد الجندى التوية لن يقول انه كذب او حلف وسيحاول ان لا يفعل ذلك مرة أخرى ’ لان قائده لن يصدقه بل عليه لن يعود الى الميدان ويصحح الهدف ولا يخطئ (هامارتانوا )مرة أخرى لئلا يكون له العقاب الذاتى والموضوعى أشر !اذن الخطية بمعناها اللاهوتى والروحى والكتابى هى (فقدان الهدف وعدم القدرة على التصويب الدقيق ) وهذه ليست أخطأ اخلاقية لنصلحها بالمحاولات والتداريب بل هو عطب ومرض عضال أصاب الارادة والبصيرة ففقدت القدرة على التصويب على الهدف و يحتاج الى شفاء بالنعمة وتحول جذرى فى أليات التفكير وتوجه البصر والبصيرة وهذا هو معنى التوبة والقداسة والثيؤسيس (الميطانيا ’ ميطا تعنى ما بعد ونوس اى الذهن والعقل والحدس ’ نقصد مرحلة ما بعد العقل الساقط الهامارتولوس نوس ).
نأتى الى عرس قانا الجليل ونتوقف عند الأية التى تقول (هذه بداية الأيات ’ فعلها يسوع فعلها يسوع فى قانا الجليل فأمن به تلاميذه )يوحنا 2 :11 .
Ταύτην έποίησε τήν άρχήν τών σημείων ό Ιησούς έν Κανά τής Γαλλιλίας καί έφανέρωσε τήν δόξαν αύτού καί έπίστευσασν είς αύτόν οί μαθηταί αύτού).
الكلمة التى ترجمها فاندايك المرسل الامريكى الى الشرق فى القرن السابع عشر ’ (الايات ) هى الكلمة اليونانية (سيميا) أى العلامات أو اشارات للدلالة على الطريق ’ ويذكر الكبار فى السن منا كلمة (النافور ) حينما كنا اطفالا ونقف امام كشك السكة الحديد حيث يقوم عامل التحويلة بفتح السنافور او تنزيل السنافور ’ وفهمنا بعدها أنها الكلمة اليونانية (سيمافوريفس ) وهى من كلكتين (السيما ) اى العلامة و(الفوريفس ) أى الحامل والكلمة نستعملها فى (الثيوفوروس أى حامل الله ) ’ اذن ما فعله يسوع فى قانا الجليل هو بداية العلامات والاشارات على سلطان لاهوته ’ لان العلامة والاشارة نرلها ونفهمها ونفحصها بينما الاية ترسلنا الى قوى غيبية لا نفهمها وهعذا ليس هو معنى الاية والمعجزة فى المسيحية ليست هى غيبيات وميتافيزيقيات ومعطلات للعقل بل حاضرات وفعاليات ولاهوتيات وتنويرات للعقل والبصيرة ’ ولهذا أمن به تلاميذه لأنه (أظهر مجده ) ’ والمجد هى كلمة هامة (الذوكسا ) وهى تعنى قدرة الانسان الحر على التعبير عن رأيه فى مدينة أفلاطون النموذجية ’ الذوكسا من فعل (ذوكيو) أى أعبر عى رأى وأومن آ العلاقة بين الامان (البيستسيس ) و(الذوكسا) علاقة عضوية قائمة على الفهم والعمق والتعقل والاستبطان.
تصل اهمية كلمة السما أى العلامة فى أنها دخلت فى تموين علم لغوى جديد ’ حسب {اى الدكتور نصر حامد ابو زيد الذى حاول نزع هالة التنزيل الاعمى عن لغة القرأن بدراسة اشكاليات القرأة وأليات التأويل وهذا هو عنواان كتابه’ الذى جلب عليه المتاعب من أيات الله !!! (وقد رأيته فى مؤتمر للقبطيات فى فيينا حزينا على ما ألت اليه العقول فى المحروسة وكان يترجى أن يأتى النور من مسيحيى مصر !)الذى يجب أن يقرأه كل من ينشغل بالتفسير ’ نقول أن علم (السيمو طيقا) هو علم جديد يزعم القدرة على دراسة الانسان دراسة متكاملة وذلك من خلال دراسة أنظمة العلامات(السيميا ) التى يبتدعها الانسان ليدرك بها واقعه ويدرك بها نفسه(نصر حامد ابو زيد: أشكاليات القرأة وأليات التفسير- مكتبة مدبولى ص 51 ). نختم هذه العجالة بكلمة لا تقل أهمية عن ما سبق ’ وتخص الكلمة التى يترجمها فاندايك فى الترجمة البيروتية بكلمتى (الشعب والجمع ) ففى يوحنا 6 :22 نقرأ :
(τή έπαύριο ό όχλός έστηκώς πέραν τής θαλασσης ....)
Ότι άγαθός έστιν άλλοι έλγον ,ού , άλλά πλανά τόν όχλον )
(Ό λαός ό καθήμενος έν σκότει είδε φώς μέγα , )
الكلمة التى يترحمها مرة بالجمع ومرة بالشعب لا تتفق مع النص الاصلى لأن (الاوخلوس ) ليس هو الجمع بل هو الحشود التى لا عقل لها أى الرعاع (اللى طبلة تلمهم وعصا تفرقهم’ صناع الدكتاتور وعباد البشر)
هذا الرعاع ليس هو الشعب (اللأوس) ويظهر الفارق حينما نقرأ اية متى 4 :16 (الشعب الجالس فى الظلمة أبصر نورا ) لأن الشعب يريد ويقدر أن يرى نورا بينما الرعاع والحشود لا يريدون ولا يقدرون على رؤية النور ’ فى يوحنا 7 :12 (وكان فى الجموع مناجاة كثيرة من نحوه بعضهم يقولولون انه صالح وأخرون يقولون لا بل يضل الشعب ) هنا لا يحب أن يترجمها بالشعب بل بالرعاع (الاوخلوس ) لأن الشعب الفاهم (اللاؤؤس ) لا يمكن بسهولة تضلليله . حتى نلتقى فى حلقة جديدة ’ دعونا نلتقى فى الصلاة الرب فى وسطنا.