الأقباط متحدون - لا للعقوبات الجسدية في المدارس
  • ٢١:٥١
  • السبت , ٥ نوفمبر ٢٠١٦
English version

لا للعقوبات الجسدية في المدارس

د. عبد الخالق حسين

مساحة رأي

٥٧: ١٠ ص +02:00 EET

السبت ٥ نوفمبر ٢٠١٦

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

د.عبدالخالق حسين
العنف بشتى أنواعه، الجسدي والكلامي، يحتل حيزاً واسعاً في الثقافة العربية-الإسلامية الموروثة (culture). وأكاد أجزم أن ثقافة العنف هذه هي السبب الرئيسي في تخلف هذه الشعوب وعدم استقرارها وازدهارها، وأحد أهم المعوقات أمام الديمقراطية. فالديمقراطية التي نحلم بها، هي نتاج تربية حضارية تبدأ من العائلة مروراً بالمدرسة والجامعة والمجتمع والسلطة...الخ. وهناك شبه إجماع لدى الفلاسفة، وعلماء التربية، أن أهم مرحلة تؤثر في حياة الإنسان وتشكل شخصيته ومستقبله، هي مرحلة الطفولة، إذ كما قال الفيلسوف البريطاني برتراند راسل: "الحرب تبدأ من رياض الأطفال".

المجتمع العراقي معروف بالقسوة و ثقافة العنف، فالإنسان العراقي مقموع في جميع مراحل نموه وتطوره، من المهد إلى اللحد، يتعرض للعنف منذ الرضاعة. ومما ينقل عن موروثنا الاجتماعي في هذا الصدد أنه عندما يأخذ الأب طفله إلى (الكتاتيب)، أو المدرسة لأول مرة، يقول للمعلم "لك اللحم ولي العظم"، أي من حق المعلم أن يضرب الطفل حتى يهرس لحمه، ولكن دون أن يكسر عظامه، وهذا العنف يرافقه في جميع مراحل الحياة.

وبهذه التربية القاسية القائمة على العنف، ليس من المتوقع أن يتحول هذا الإنسان إلى ديمقراطي حقيقي يحترم الرأي الآخر المختلف بمجرد إسقاط حكم البعث الفاشي. فصدام حسين وناظم كزار، وعلي صالح السعدي، ومئات الألوف من أمثالهم الذين مارسوا، ومازال أمثالهم  يمارسون العنف، هم نتاج هذه الثقافة الاجتماعية التي تقدس العنف. فقد كشفت الدراسات في علم النفس وعلم الاجتماع، أن معظم المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم ضد الأطفال وخاصة الجرائم الجنسية، كانوا هم ضحايا هذا النوع من الجرائم في طفولتهم. كذلك معظم القادة السياسيين الذين اضطهدوا شعوبهم كانوا قد عاشوا طفولة قاسية مثل صدام حسين وهتلر وغيرهما.

مناسبة هذا المقال هي مشاهدتي لفيديو قصير (دقيقتين)، نرى فيه معلماً سادياً يوجه عقوبة جماعية لأطفال مدرسة ابتدائية في محافظة ميسان، نشاهد طابوراً من الأطفال الصغار في حالة رعب وفزع، كل ينتظر دوره لهذا العقاب الجماعي الذي هو على شكل صفعة على الوجه، تليها جرة أذن، وضربة بالعصى على الظهر. أرجو من القراء الكرام مشاهدة هذا الفيديو قبل مواصلة قراءة ما تبقى من المقال، وهذا هو الرابط:
(حالة ضرب واعتداء على تلامذة اطفال في مدرسة الزهاوي في العراق/ ميسان)(1)


لا شك أن سلوك هذا "المربِّي" مقرف ومؤلم إلى أبعد الحدود. ورغم أن الحادث  قد مر عليه عام، وعلمتُ من صديق أن وزارة التربية عاقبت المعلم بالفصل، إلا إن هذا الإجراء الفردي لا يكفي إطلاقاً وبلا فائدة. فالمعلم الذي قام بهذه الفعلة الشنيعة كان بالتأكيد يعتقد أنه قام بواجبه المقدس، لكسب مرضاة الله وإعجاب الشعب، لأن ما قام به هو مقدس في الثقافة الاجتماعية (العصا لمن عصى) و(لك اللحم ولي العظم). 

نشرتُ مقالاً قبل 8 سنوات، بعنوان (دعوة لحظر العقوبات الجسدية في المدارس)(2). والغريب أني تلقيت تعليقاً من أستاذ جامعي متقاعد، مختص في الأمراض العصبية وعلم النفس، استنكر دعوتي تلك، قائلاً، إذا ألغت الدولة العقوبات الجسدية (Corporal punishment)، فسيقوم الطلبة بالاعتداء على المعلمين، ولا يبقى أي هيبة واحترام لهم.
لا شك أن هذا الاحتمال وارد، إذ نلاحظه في الدول الغربية التي ألغت هذه العقوبات، ولكن نسبة تجاوز الطلبة على المعلمين قليلة جداً جداً، وهي لا تختلف عن نسبتها في الفترة التي كانت تمارس فيها العقوبات الجسدية. إضافة إلى أضرار العقوبات الجسدية على نفسية التلميذ ومعنوياته وأدائه الدراسي، ومستقبله، وبالتالي على المجتمع.

فالمطلوب من المعلمين والمدرسين أن يقيموا علاقة حب واحترام بينهم وبين تلامذتهم لكي يحب التلامذة معلميهم و دروسهم ومدرستهم. ولكن الحالة التي شاهدناها في الفيديو، تنتج العكس، إذ ليس صعباً علينا أن نتصور مشاعر هؤلاء الأطفال الصغار الأبرياء وهم يتلقون الإهانات والصفعات على وجوههم. لا شك أن مشاعرهم هي الكراهية للمعلم والمدرسة والدروس، إضافة إلى أنهم يتدربون على العنف، وسيمارسونه فيما بينهم وعلى غيرهم في المستقبل، سواء على أطفالهم، وعوائلهم، أو تلامذتهم إن صاروا معلمين. وبهذه الطريقة تتكرر دورات العنف في المجتمع الذي صار مرتعاً خصباً لإنتاج الإرهابيين.  
في الحقيقة، العنف ليس المشكلة الوحيدة التي تعاني منها المدارس العراقية، وإنما هناك أزمات عديدة وعلى مختلف مستويات التعليم، من الابتدائية إلى الجامعة، في تدهور مستمر، يهدد الجيل بكارثة التجهيل. فهناك  تقصير متعمد في جميع المجالات، سواءً على مستوى الأبنية، إذ مازالت بعضها طينية تفتقر لأبسط القواعد الصحية، أو طباعة الكتب المدرسية التي مازالت تطبع في الخارج رغم توافر المطابع الحكومية المتطورة(3)، أو لا أبالية المعلمين والمدرسين، واستخدام العنف...الخ.(4)

وفيما يتعلق باستخدام العنف مع التلامذة، كتب لي صديق، وهو كاتب متميز، بعد اطلاعه على مسودة مقالي هذا، التعليق التالي: ((... وأنا اتواصل مع قريب لي تعرض ابنه للضرب المبرح لأن المعلمة تكره ام الطفل فقررت الانتقام من الطفل، ولاحقا كتب الطفل انشاءاً ممتازا فاعطته علامة صفر كرها وحقدا على امه.. طلبتُ منهم ان يرفعوا الامر الى التربية فقالوا: "ستكون النتيجة انهم سوف يرسبونه في صفه كما حدث مع فلان وفلان وفلان...".)) أنتهى.

لا شك أن لهذا التردي المريع في المدارس العراقية، نتائج وخيمة في مستوى تعليم أبناء هذا الجيل ومستقبله. لذلك اضطر كثيرون نقل أطفالهم إلى مدارس القطاع الخاص رغم ما يكلفهم ذلك من مبالغ فوق طاقة البعض منهم، ولكن من أجل أن يضمنوا لأطفالهم تعليماً أرقى، ومستقبلاً أفضل.

لذلك، وكإجراء عملي وإنساني للتخلص من جميع النواقص والمشاكل التي تعاني منها المدارس الحكومية نقترح ما يلي:
أولاً، على البرلمان العراقي تشريع قانون منع العقوبات الجسدية في جميع مراحل التعليم في العراق، وذلك لمنح التعليم وجهاً إنسانياً وليس عدوانياً.
ثانياً، نهيب بوزارة التربية والتعليم، العمل الجاد للتخلص من جميع السلبيات التي أشرنا إليها أعلاه، وكتب عنها زملاء آخرون، أدرج روابط مقالاتهم في هامش هذا المقال، مثل مقال الإعلامي السيد سالم مشكور(3)، ومقال الأكاديمي أ. د. محمد الربيعي(4).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- فيديو: حالة ضرب واعتداء على تلامذة اطفال في مدرسة الزهاوي في العراق/ ميسان
https://youtu.be/q2NQHgDj3-0

2- عبدالخالق حسين:  دعوة لحظر العقوبات الجسدية في المدارس
http://www.akhbaar.org/home/2008/12/60277.html

3- سالم مشكور: كوارث التعليم عندنا!
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/219614.html

4- أ. د. محمد الربيعي: وزير التربية.. الرجاء تقديم استقالتك!
http://www.akhbaar.org/home/2016/11/219840.html

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع