عرض: إسحق إبراهيم
كتابنا محور عرض اليوم هو للمؤلف السيد ياسين مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجية وأستاذ علم الاجتماع وقد حصل على حصل على جائزة مبارك فى العلوم الاجتماعية عام 2007.
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر / يناير 2008 وعدد الصفحات للكتاب 299 صفحة من القطع المتوسط
يشرح الكتاب أسباب التراجع والتخلف في المنطقة العربية محاولاً تقديم حلولاً مبتكرة للتقدم والخروج من درك التيارات السلفية والرجعية التي تريد العودة بنا إلى مئات السنين، وتوصّل "السيد ياسين" في القسم الثامن والأخير من الكتاب إلى أن هناك وجوه ثلاث للثقافة العربية.
الأول: ينطلق من الماضي، وآخر من الحاضر، وثالث بالمستقبل.
يسعى الوجه الأول –السائد- إلى إعادة اختراع التقاليد ذلك نتيجة تفاعلات شتى دولية وسياسية واقتصادية وثقافية، حيث تسود المجتمع العربي موجة عارمة من العودة للدين، والذي يتمثل في انتشار مظاهر التدين الشعبي بين مختلف الطبقات وكذلك انتشار الفكر الخرافي الذي يستند إلى أسانيد دينية وشيوع الفكر المتطرف الذي يلوي عنق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تعبيراً عن رؤية مغلقة للعالم تقوم على أساس التكفير والتحريم.
وأصبحت معركة الإسلام المعاصر هي الحجاب على سبيل المثال وليس السلوك المتخلف لجماعات شتى من المسلمين يرفضون الانفتاح على العالم ويعولون على تقليد السلف في الملبس وليس لسلوك.
صاحب هذا الفكر تراجع للفكر العلماني الذي يفصل بين الدين والدولة لحساب الفكر المتطرف.
أما وجه الحاضر العربي في مواجهة العاصفة فتعرض له الكاتب من خلال طرح هذا السؤال: كيف سنتفاعل مع العولمة بتجلياتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاتصالية؟ إن اختلاق حكم برفض العولمة لهو حكم متعجل لأن العولمة نشأت رأسمالية لكنها ستتجاوزها لتصبح عملية عالمية واسعة المدى ستنقل الإنسانية كلها على اختلاف ثراء أو فقر الأمم إلى أفاق عليا من التطور الفكري والعلمي والتكنولوجي. وبعبارة أخرى ستحدث آثاراً ايجابية لم تكن مقصودة لدى مَن هندسوا عملية العولمة على حد قول المؤلف، وبطبيعة الحال نحن في حاجة إلى منهج جديد صحيح للتعامل مع ظاهرة العولمة بكل أبعادها فهي ظاهرة تاريخية غير قابلة للارتداد لا نستطيع أن نقف أمام حصاد تقدم إنساني تم عبر قرون من الماضي وأسهمت فيه شعوب وحضارات شتى، هل يمكن محاربة الإنترنت على سبيل المثال.
إضافة إلى وجود تجليات سياسية منها رفع شعارات الديمقراطية والتعددية الفكرية واحترام حقوق الإنسان. وفي هذا السياق تواجه الدول العربية تحديات خطيرة حيث أن التعددية السياسية مازالت معقدة بعض الدول التي لا تريد تطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان زعماً بأنها تتعارض مع الخصوصية الثقافية!!
يقدم "السيد ياسين" رؤية بناءة تخص المستقبل، هذه الرؤية في رأي الكاتب ينبغي أن تنطلق من مفهوم التنمية المستدامة وتقوم على دعائم ثلاث الحرية السياسية والعدل الاجتماعي والانفتاح الثقافي على العالم. أما عناصر الإستراتيجية العربية المنفتحة فهي:
•ضرورة رسم خريطة معرفية للاتجاهات الأيدلوجية في الوطن العربي تساعد على فهم الواقع العربي الذي نريد التعبير عنه وتحدد ملامح التغيير، فهل صحيح أن أيدلوجية التيارات الإسلامية المتشددة هي السائدة في الوطن العربي أليس هناك مجالاً للتيارات الليبرالية؟!
• تبني موقف متشدد رشيد من ثلاثية الماضي /الحاضر/ المستقبل، يمكن للإعلام أن يلعب دوراً مهماً في الدعوة إلى الدراسة العلمية للتراث بأنماطه من خلال التأكيد على ضرورة التوعية بممارسة التأويل بمناهجه المتعددة حتى يتواءم النص التراثي حتى لو كان نصاً دينياً مع متغيرات العصر.
• لابد من وجود منهج علمي وافي لدارسة الحاضر العربي ويقوم باستشراف المستقبل في ضوء المتغيرات في بنية المجتمع العالمي.
• حصر لمشكلات التواصل الثقافي العربي والعلاقة بين الإسلام والغرب، والتطرف الديني، والمشكلات الناجمة عن الإرهاب، والهجرات العربية إلى أوربا وو... مشكلاته التفرقة بين المقاومة والإرهاب.
في القسم سابع المعنون بتحديات الثقافة العالمية يقدم السيد ياسين تساؤلات مهمة في الثقافة العربية: لماذا تقدم الغرب وتخلفنا نحن؟ وكيف نحقق التقدم؟ هل يتحدث الإسلام ليصبح عصرياً كما نادى الشيخ "محمد عبده" أم بترك التراث كله واحتذاء النموذج الغربي سياسية واقتصاد وثقافة كما نادىَ المفكر "أحمد لطفي السيد" أم بالتركيز على التصنيع والتكنولوجيا كما نادىَ المفكر الاشتراكي "سلامه موسى"؟ كيف يمكن الحفاظ على الخصوصية في ظل العولمة؟ كيف يمكن حل العلاقات المتشابكة بين الدين والسياسية؟
وأضاف "ياسين" أن فكرة الحرية من ضروريات الحياة، وشرطاً أسياسياً للوجود الإنساني وأن أهمية التيار الليبرالي لا تكمن في انتشار أفكاره عبر الكتب والجرائد والمجلات والمؤسسات التعليمية ولكن بوجود أنصار ينجحوا في تولي السُلطة وهذا حدث في فترات سابقة في عديد من البلاد العربية مثل مصر وسوريا ولبنان والعراق وتونس لكن مع فشل تحقيق العدالة الاجتماعية أصبحت الممارسة شكلية فظهرت أنظمة عسكرية حاولت أن تحقق العدالة الاجتماعية على حساب الحرية السياسية.
خصص الكاتب القسم السادس لتناول سمات المعلومات باعتبارها رمز العولمة وقال إنها غير قابلة للاستهلاك أو التحول أو التفتت لأنها تراكمية بحسب التعريف وتقوم على أساس المشاركة والتجميع وكذلك قوة المعلومات في استبعاد عدم التأكد وتنمية قدرة الإنسان على اختيار أكثر القرارات فاعلية.
وأكد وجود إرادة سياسية لدى دول متعددة لتدعيم عملية بناء المجتمع المعلومات العالمي خصوصاً فيما يتعلق باستحداث مبادئ قانونية جديدة ومعايير تشجيع البنى التحتية المعلوماتية والربط بينها لكن تبقى المشكلة في قدرة الجماهير على النفاذ إلى مصادر المعلومات وتكلفة الوصول إلى مصادر المعلومات.
ويرتبط بهذا ما طرحه المؤلف في القسم الرابع: "خريطة معرفية للعولمة" بوجود أطروحات أربع للعولمة
إعادة توزيع الثروة يتبناها أنصار الاشتراكية الذين يرون أن التنمية الاقتصادية السياسية الاجتماعية لا تحد فقط بالهياكل الرأسمالية ثم أطروحة الرأسمالية التي تتسم بأنها ليست واحدة في كل مكان حيث أن الأنظمة الرأسمالية متعددة ثم أطروحة التحديث وترى حتمية سيادة القيم الأمريكية سواء بصورة صريحة أو ضمنية وأخيراً أطروحة الثورة التكنولوجية.
وأكد السيد ياسين في القسم الثالث أن الترابط الوثيق بين أزمة العقلانية العلمية وباقي الأزمات لا يمكن حلها دون أن يتم حل أزمة الشرعية وأزمة الهوية فلابد أن تسود رؤية للعالم قائمة على الحرية والعلمانية والديمقراطية.
نحتاج لمشروع حضاري شامل يتوقف على القدرة على تثبيت وترسيخ القيم الجديدة من خلال ممارسات سياسية ويبقى الأمل مفتوحاً في حدوث تحالف حي عن طريق إطلاق مشروع حضاري قومي حقوقي جديد عناصره من الحفاظ على الهوية الثقافية الإسلامية واعتبارها رافداً أساسياً لتطوير المجتمع وإثراء الشخصية الإنسانية والعدالة الاجتماعية خاصة أن المشروع الإسلامي يتسم بغموض الشعارات وعدم القدرة على الحوار مع التيارات السياسية الأخرى أما المشروع الليبرالي فقد تجاهل العدالة الاجتماعية بينما النموذج الماركسي بعيد ومنعزل تماماً عن الجماهير ولم ينجح في تجديد الفكر.