الأقباط متحدون - ترامب الرافض للأقليات(اسبانية، أفريقية ومسلمة): هل تنتعش كوكلاكس كلان في عهده نتيجة مخططاته تلك؟
  • ٢٠:١٣
  • الخميس , ١٠ نوفمبر ٢٠١٦
English version

ترامب الرافض للأقليات(اسبانية، أفريقية ومسلمة): هل تنتعش كوكلاكس كلان في عهده نتيجة مخططاته تلك؟

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٤٨: ١٠ ص +02:00 EET

الخميس ١٠ نوفمبر ٢٠١٦

دونالد ترامب
دونالد ترامب

 ميشيل حنا الحاج

ككاتب ومحلل سياسي ومفكر يتابع قضايا المنطقة والقضايا الأخرى في العالم، لا أعتقد أن دونالد ترامب، الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، سينفذ الكثير من التهديدات التي أطلقها خلال حملته الانتخابية.  فتلك كانت لمجرد التميز عن منافسته هيلاري كلينتون، وليبدو وكأنه يطرح شيئا جديدا مخالفا لما طرحه أسلافه، اضافة الى اللعب على مشاعر الأميركيين من أصل أبيض، ليقفوا وراءه مؤآزرين، ومرجحين فوزه حتى في ولايات تعاضد تقليديا الحزب الدمقراطي.  
 
 ومع ذلك، لا بد من دراسة النتائج التي قد تترتب على احتمالات تواجد ولو بعض الجدية لدى ترامب، اللغز كما وصفه البعض،  في تحقيق رؤيته الراغبة في التعامل مع عدة قضايا منها منع المسلمين من القدوم للولايات المتحدة، وبناء جدار على امتداد الحدود مع المكسيك ليحول دون تدفق المهاجرين المكسيكيين والاسبان على الأراضي الأميركية، اضافة الى  طرد أحد عشر مليون أنسان يقيمون في أميركا بطريقة غير شرعية، وكان الرئيس أوباما يفكر بمنحم الجنسية الأميركية وتحويل اقامتهم الى اقامة شرعية.
 
والواقع أن هناك سور غلى امتداد جزء كبير من الحدود مع المكسيك، لكنه لم يحل دون تدفق المهاجرين المكسيك والأسبان من دول أميركا اللاتينية بأعداد وفيرة، بحيث بات تواجدهم في الولايات المحاذية للمكسيك، تواجدا واضحا وملموسا ويكاد يبلغ نسبة الثلاثين بالمائة من السكان. وهذا دفع هذه الولايات الأميركية ككاليفورنيا وتكساس وأريزونا ونيو مكسيكو، لوضع يافطات في الشوارع الداخلية والطرق الخارجية، باللغتين الانجليزية والاسبانية، ليتمكن من قراءتها أولئك الذين هم من أصل اسباني، والذين بات يعضهم سكانا دائمين في تلك الولايات. بل ووضعت أيضا يافطات كهذه وباللغتين، على مداخل المحال التجارية والمكاتب والشركات والساحات والحدائق العامة، بحيث بات الزائر لمدينة ما، يتساءل ما اذا كان في الولايات المتحدة أم في مدينة مكسيكية.
وفي حركة توحي بالارتداد عن فكر العولمة الذي باتت تتجه اليه الدول المتحضرة، توعد ترامب خلال مرحلة الدعاية الانتخابية، بعدم السماح للمسلمين بالقدوم للولايات المتحدة.  وورد هذا في وقت باتت فيه (الاسلامو فوبيا) قد ظهرت في الولايات المتحدة منذ تفجيرات أيلول 2001، وتفاقمت بعد ظهور الدولة الاسلامية وما نفذته من اعمال وحشية. وكشف بعض العرب والمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة، وذلك ضمن برنامج بعنوان "نقطة حوار"  بثته بي بي سي في التاسع من تشرين ثاني، أن حوادث التعرض للمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة نتيجة مشاعر الاسلامو فوبيا، قد ارتفعت في هذا العام، لتبلغ 53 حالة، كما ذكرت الدكتورة عبير كايد، المحاضرة في جامعة هاوورد الأميركية، وأكده الدكتور نهاد عوض، رئيس مجلس العلاقات الاسلامية الأميركية التي شكلت للتعامل اداريا أو قضائيا مع حالات كهذه.
 
وربما لم يتطرق دونالد ترامب كثيرا أثناء حملته الانتخابية، للأميركيين من أصل افريقي (أي السود)، والذين قضى عددا منهم مؤخرا نتيجة اطلاق نار عليهم من شرطة بيض البشرة،  نتيجة مجرد الاشتباه بكونهم يحملون سلاحا وينوون استخدامه ضدهم. ولكن لعب ترامب على مشاعر الأميركيين العنصرية من أصل أبيض، من المرجح أن يرفع عدد الاعتداءات ( التي باتت مرتفعة أصلا في عهد الرئيس أوباما)  على الأميركيين من أصل أفريقي، مما سيؤدي الى تأجيج مخاوف أولئك أيضا من البيض،  كما تأججت مخاوف الاسبان والمسلمين منهم، مما يكشف عن مدى خطورة اللعبة التي مارسها دونالد ترامب في حملته الانتخابية. 
 
ويفسر الأستاذ صبحي غندور، رئيس مركز العلاقات العربية الأميركية في برنامج آخر من برامج ال"بي بي سي" بعنوان نقطة حوار، أن ما حدث فعلا على أرض الواقع في تلك الحملة الانتخابية، هو انقلاب على النتائج التي تحققت في عام 2008 وأدت الى صعود (لأول مرة)، أميركي أفريقي من القاطنين في احدى جزر هاواي، والذي انحدر من أب مسلم... الى سدة الرئاسة الأميركية. فنتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة،  شكلت ردة فعل غير مباشرة، بل انقلابا معاكسا ضد السود (لكون أوباما أسود) وضد المسلمين، لكون أوباما منحدرا من أصل اسلامي، كما فهمت أو استنتجت من طرح الأستاذ غندور. وقدر الأستاذ غندور، أن الرئيس أوباما لن يبقي مسألة الدولة الاسلامية بدون حل ليقوم الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالتعامل معها، بل سوف يسعى لحلها حربا  (بتحرير الموصل والرقة) قبل أن يغادر البيت الأبيض بعد سبعين يوما تقريبا. 
 
وقد يكون في طرحه ذاك بعض الحقيقة، نظرا لكون فوبيا الدولة الاسلامية، كانت واحدة من العوامل التي استثمرها دونالد ترامب بذكاء، الى جانب عامل المهاجرين الاسبان،  والمقيمين اقامة غير شرعية في الولايات المتحدة وعددهم بالملايين، وكثيرون منهم من المكسيكيين والاسبان... كوسيلة لتحذير الأميركيين  من أصل أبيض (أجدادهم كانوا أصلا من البيض القادمين من الدول الأوروبية)، مما اعتبره مخاطر على مستقبلهم. فهذا وذاك، أدى الى  رص صفوفهم وراءه. ونتيجة لذلك، هرولوا جميعا بدون تردد، للادلاء بأصواتهم لمصلحة ترامب، احتجاجا منهم على أولئك الأغراب الذين يسرقون منهم وظائفهم، متناسين أنهم على أرض الواقع، أن معظمهم يمارسون الوظائف والأعمال من الدرجات الدنيا التي يترفع البيض عن ممارستها.  ونتيجة لذلك الاندفاع، بلغت نسبة الذين أدلوا  بأصواتهم في تلك الانتخابات 63 بالمائة، وهي نسبة عالية قد تكون غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الأميركية الحديثة.
 
ولكن اذ ا كان الرئيس دونالد ترامب  قد استطاع اللعب على مخاوف البيض العنصرية والطائفية من الاسبان والمسلمين والسود، كي يتمكن من الجلوس على كرسي الرئاسة، فانه قد اهمل ما قد ينطوي عليه سلوكه ذاك من مخاطر، أقلها أربعة مخاطر (اضافة الى احتمال تعذر التنفيذ ومواجهة اعتراضات دولية ومن منظمات حقوق الانسان الدولية). وهذه المخاطر هي:
 
أولا) انتعاش الروح القومية لدى البيض، ومع انتعاشها قد تكون هناك عودة لظهور منظمة كوكلاكس كلان التي نشطت في القرنين الماضيين، وتسببت خلال نشاطها، بازهاق أرواح الكثيرين من الأبرياء من الأميركيين من أصل أفريقي، كما تسببت بازهاق عدد من المسيحيين المنتمين لطائفة الكاثوليك، حيث كان جملة المنتمين لمجموعات كوكلاكس كلان، من المنتمين للكنيسة البروتستانية.  وهكذا اضطهدوا السود وبعض المسيحيين معهم.
 
ثانيا) احتمال حدوث تمرد في صفوف الاسبان بمؤازرة من السود والمسلمين. وقد يشارك فيها أيضا الهنود الحمر الذين هضمت حقوقهم، وهمشت أعمالهم، وقتل البيض القادمون على بلادهم منذ اكتشفها كريستوفر كولومبوس، قرابة الاثني عشر مليون هندي (كما تقول الويكيبيديا في أحد صفحاتها)، ويوصفون عادة  بالهنود الحمر.  
 
ثالثا) اذا اشتد الصراع بين المكسيك والولايات المتحدة التي يطالب رئيسها الجديد ببناء جدار كجدار برلين على امتداد حدود البلدين، أن تلجأ المكسيك للمطالبة باستعادة أربع ولايات أميركية، كانت أصلا ولايات مكسيكية، وبقدرة  قادر، ربما كانت الحروب أحد أسبابها، انتزعت من المكسيك وضمت للولايات المتحدة. ومن بعض تلك الولايات، ولاية تكساس الغنية بالنفط، وولايتي أريزونا ونيو مكسيكو، وولاية كاليفورنيا، أكبر الولايات الأميركية قاطبة والتي تضم الكثير من الصناعات وأهمها صناعة الأفلام السينمائية في هوليوود التي هي مدينة من مدنها.  واذا بدأت المطالبات بولايات أميركية لم تكن أصلا أميركية،  قد تطالب روسيا أيضا بولاية آلاسكا الغنية بالنفط ، والتي اشترتها الولايات المتحدة منها قبل العديد من السنوات بثمن بخس، علما بأن أحدا لم  ينس بعد، استعادة روسيا من أوكرانيا مؤخرا، لشبه جزيرة القرم. 
 
فروسيا الضعيفة لم تعد ضعيفة، وباتت في مرحلة انتعاشها الحالية، تتطلع لاستعادة أراض خسرتها في مرحلة ضعفها.  بل قد يمتد الأمر لأن تنبعث الرغبة لدى البرتغال واسبانيا أيضا، في غمار هذه المطالبات، لتطالب بدورها باستعادة بعض الولايات الأخرى التي باتت توصف لاحقا بالأميركية، وكانت اصلا اسبانية أو برتغالية. فطالما أن الولايات المتحدة بتبنيها للدعوة الاسرائيلية بحقها في استعادة فلسطين، استنادا الى ادعاء  بأنها قبل سبي اليهود، قبل آلاف السنين، كانت تعيش على أراضيها بعض العشائر اليهودية القادمة أصلا من مصر...لم تدر بأنها قد أرست مبدءا قانونيا بجواز استعادة الآحرين أيضا، أراض كانت لهم  في المدى القريب (وليس البعيد) ككاليفونيا وتكساس وآلاسكا وغيرها.
 
  رابعا) خرجت مظاهرلت عديدة في عدة  ولايات أميركية،  وخصوصا في ولايتي نيويورك وكاليفوريا، محتجة على انتخاب دونالد ترامب رئيسا. والواقع أن ولاية كاليفورنيا بالذات، والتي هي أكبر الولايات الأميركية، فيها حملة ناشطة منذ فترة،  تطالب بانفصال الولاية عن الولايات المتحدة وتطالب باعلانها دولة مستقلة. وبلع الأمر حد تعيين موعد لاستفتاء سكان الولاية في الربع الأول من عام 2019، لتحديد رغبتهم في البقاء ضمن الاتحاد الأميركي أو الانفصال عنه، واعلان كاليفورنيا دولة مستقلة.  وتحمل هذه الحملة الواسعة عنوان CALEXIT 2019. ويقدم المشرفون على الحملة التي حصلت على موافقة الادارة المحلية لاجراء الاستفتاء، تسعة أسباب تبرر التوجه نحو الانفصال، منها سببان جوهريان. فولاية كاليفورنيا لم يكن لها منذ عام 1876، دورا فاعلا في اختيار رئيس جمهورية الاتحاد.
 
والمثال الأخير على ذلك، أن الولاية أأرسلت 55 مندوبا للكلية الانتخابية مؤيدين لهيلاري كلينتون، لكن دونالد ترامب هو الذي فاز بالرئاسة. والسبب الجوهري الثاني الذي يستند اليه دعاة الانفصال،  أن ولاية كاليفورنيا لديها احتياجاتها الاقتصادية الخاصة والتي تجعلها بحاجة لسياسة هجرة خاصة بها. ولكن  ما  يؤدي الى احباطها، قوانين الهجرة المركزية التي تقررها لها 49 ولاية أخرى ولا يقررها  مواطنو ولاية  كاليفورنيا على ضوء احتياجاتهم الخاصة.  ولا أود الافاضة بتوقع الصدام المباشر بين ولاية كاليفورنيا والمكتب البيضاوي في واشنطن بعد  جلوس ترامب عليه. فبينما يريد ترامب بناء سور مرتفع يحول دون عبور المكسيكيين الى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية، فان ولاية كاليفورنيا التي سيكون الجزء الأكبر من السور المقترح على أراضيها وعلى حدودها، لا تبدو مرتاحة كثيرا  لهذا التوجه. 
 
فهذه الخطوة الهامة المتمثلة بطرح احتمال استقلال الولاية على الاستفتاء، والشبيهة بتوجه اسكتلندا نحو الاستقلال عن المملكة المتحدة، قد تلقى أو لا تلقى نجاحا. ولكنها تشكل نذير خطر بوجود احتمالات الانفصال لدى بعض الولايات.  واذا كانت قد بدات في كاليفورنيا، فقد تتجه لاحقا الى ولاية نيويورك ثم ولاية نكساس، وهي الولايلت الأكبر والأهم في الولايات المتحدة، مما قد  يشكل نذير شؤم على احتمال تفكك الولايات المتحدة، كما تفكك من قبل الاتحاد السوفياتي والاتحاد اليوغوسلافي. 
 
ومن هنا، ورغم أن هذه النتائج الأربع  ربما فيها بعض المغالاة، فأنه  من المرجح أيضا أ ن يتراجع دونالد ترامب عن الكثير مما طرحه خلال حملته الانتخابية، وأن يرشده  مستشاروه  وبعض أصحاب القرار في المؤسسات الأميركية الأخرى، الى مخاطر خطوات كهذه، لأنك اذا لعبت بعش الدبابير، سيقولون له، فان الكثير من القرص واالعقص سيطولك. والأرجح أن يتراجع ترامب عن الكثير من طروحاته، خصوصا وأنها قد استنفذت الغرض من ورائها، وهو وصوله الى الكرسي العتيد في المكتب البيضاوي الذي يزين البيت الأبيض.