ادخلوا الجسمانية بهدوء ووقار
ليديا يؤأنس
الجمعة ١١ نوفمبر ٢٠١٦
بقلم: ليديا يؤانس
الضوء خافت جدًا، يكفي بالقليل لأن تري موضع قدميك، ربما بعض أضواء الشموع تجذب إنتباهك إلي وجود صورة أو أيقونة، فتقِف مُتأملًا مُتعبدا.
يوجد صخرة في داخل المكان قد لا يسمحون لك بالإقتراب منها، ولكنك ستجد نفسك مَشدودًا مُفعمًا بالأحاسيس المُؤلمة لتذكُرك إياه وهُوّ يُصلي صلاته الأخيرة ويتناجي مع الآب في يوم ما قبل الصلب.
هذا الجو الرومانتيكي أو بمعني أصح الروحاني، يأخُذك لكي تتذكر وتعيش الحدث المأساوي، الذي مر عليه أكثر من ألفي عام، الحدث المُتمثل في الخيانة والإعتقال ثم الصلب.
أنها الضيعة أو البستان ويُدعي جثسيماني، حيث اعتاد يسوع الذهاب للصلاة، أنها الصخرة التي جلس عليها يسوع للصلاة والتأمل، وعُرفت بالأكثر حينما صلي بها الصلاة الأخيرة قبل صلبة، ولذا تُعرف أيضا باسم "مغارة المعصرة" لأنها شهدت الآم يسوع ودموعه.
في اليوم السابق للصلب، أخذ تلاميذه، وقال لهم أجلسوا ههنا حتي أمضي وأصلي هناك، ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي (يعقوب ويوحنا)، وابتدأ يحزن ويكتئب، وقال لهم نفسي حزينة جدا حتي الموت .. أمكثوا ههنا وأسهروا معي، ثم تقدم قليلا وخر علي وجهه وكان يُصلي قائلا: يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت.
صلي يسوع ثلاث مرات، أن يُجيز الآب عنه هذه الكأس بحسب مشيئته، كان مُتألما وكان يتصبب عرقا وعرقه مثل قطرات الدم وفي النهاية أطلق مقولته الشهيرة "فلتكن مشيئتك".
أخذ المؤمنون في القرن الرابع والخامس يُكرمون هذه الصخرة وأطلقوا عليها اسم "صخرة العذاب".
وعلي هذه الصخرة المُقدسة، حيث كان يسوع يصلي، وحيث قبض عليه الجند في مغارة الجسمانية، وبين أشجار الزيتون، في القرن الرابع، وبالتحديد حوالي 386 م، تم بناء أجمل وأعرق كنيسة في القدس، والتي عرفت:
باسم "كنيسة الجسمانية"،
أو "كنيسة الجثمانية"،
أو "كنيسة كل الأمم/ الشعوب" "Church of All Nations" وذلك لإشتراك عدد كبير من الدول في بناؤها،
أو "كنيسة النزاع الأخير / الكرب" "Church of the Agony" لأنه في هذا المكان قاسي المسيح الآمات ما قبل الصلب، حيث يقول الكتاب أنه كان يُصلي مُتصببًا عرقًا مثل قطرات الدم.
جثسيماني بستان في جبل الزيتون في مدينة القدس، أنه يقع علي سطح الجبل فوق الطريق الواصل بين القدس وبيت عنيا.
أما أصل كلمة جثسيماني فيعود للغة الأرامية "جت شمنا" أي "معصرة الزيت" أي في البستان الذي صلي فيه يسوع صلاته الأخيرة، قبل تسليمه أولا لرؤساء الكهنة والسنهدرين ثم للرومان ليصلبوه.
وهي مكان يصفه متي ومرقس بأنه "ضيعة" أي مكانا مُحاطًا بالسياج (متي 36:26 ؛ مرقس 32:14)
ويقول عنه يوحنا أنه بستان (يو 1:18)
أما لوقا يوصفه بالمكان (لو 39:22)
وكان يقع علي جبل الزيتون عبر وادي قدرون (يو 1:18)
من البروتوكول الخاص بهذة الكنيسة المعروفة بإسم "الجسمانية" أو "الجثمانية" ان يلتزم الزوار بالهدوء والصمت، لكي يستطيعوا أن يعيشوا الحدث كما حدث مع يسوع.
الكنيسة الحالية بنيت في الفترة ما بين 1919 – 1924 وذلك بدعم مالي من عدة دول من دول العالم والغالبية دول أوربية ولذا أطلقوا عليها كنيسة كل الأمم / الشعوب.
صمم مبني الكنيسة المهندس الأيطالي أنطونيو بارلوزي.
الكنيسة الحالية مبنية علي موقع كنيستين قديمتين، الأولي كنيسة صغيرة بُنيت علي عهد الصليبيين في القرن الثاني عشر وهجرت في القرن الرابع عشر، والكنيسة الأخري بازيليك بيزنطية وكان دمرها زلزال في عام 746 م.
ويمكنكم مشاهدة أجزاء من الفسيفساء من الكنيسة البيزنطية القديمة تحت الواح من الكريستال في أرضية الكنيسة، ولذا من المُلفت للنظر الفسيفساء في الأرضية والسقف، أما السقف فهو عبارة عن عدة قباب.
يزين صدر الكنيسة الفسيفساء الرائعة التي تصور مشهد عذاب يسوع في البستان، أما في الجوانب بداخل الكنيسة فيصور مشهد قبلة يهوذا، ومشهد القبض علي يسوع.
يوجد بالكنيسة ثلاثة أروقة ومرسوم عليهم رسومات ترمز إلي الدول التي شاركت في بناء الكنيسة.
كما أن أهم شئ في الكنيسة هي الصخرة التي صلي عليها يسوع وهي تقع بجانب الجدار الشرقي، وموجودة في نهاية رواق الكنيسة الأوسط، كما أن الرواق يوضح بالرسومات التي علي جدرانه اللحظات الأخيرة للسيد المسيح قبل إعتقاله وصلبه من قبل الرومان
أما واجهة الكنيسة فهي مُدعمة بصف من الأعمدة في أعلاها لوحة فسيفسائية تصور المسيح علي انه حلقة الوصل بين الله الآب والبشرية أي ان المسيح قام بالمُصالحة بين الآب وبني البشر، وهذه اللوحة للفنان الأيطالي ليوناردو دافنشي.
أيضا أهم ما يُميز الكنيسة هو إحتضانها لثمان شجرات زيتون قديمة، يقولون أنها ترجع إلي زمن الرب، وهو أمر مُستبعد لأن يوسيفوس المؤرخ اليهودي يقول، ان تيطس الروماني قد إجتث كل الأشجار حول أورشليم عند حصاره لها، ولكن بالرغم من ذلك فما زالت هذه الشجرات تُعتبر من أقدم أشجار الزيتون ذات الأوراق العريضة بالعالم.
أكيد كُلنا، استمتعنا بزيارة هذه الكنيسة المقدسة، التي تُعتبر من أروع الكنائس بالأراضي المقدسة، وكما دخلنا الكنيسة بهدوء ووقار، سنُغادر الكنيسة أيضًا بهدوء ووقار، لأن هذا هو بروتوكول الكنيسة، حيث يشارك الزائر نفس الأحاسيس التي كان يسوع يعيشها في صلاته علي هذه الصخرة بهذه الكنيسة المقدسة.