بقلم: مينا ملاك عازر
لا أعرف ما الذي دفعني أن أكتب بهذه الطريقة؟ فأنا أشعر أنني فقط محتاج لأن أضخ جرعة من المشاعر على الورق، بل محتاج لأن أغوص داخل نفسي،  وأشركك حبيبي القارئ في ذلك، لا تسلني لماذا؟ ولكن أرجوك أن تشاركني رحلتي، فنفسي تشتاق إلى أن يرتحل إليها أحد، ولا أجد خير منك ليرتحل إلى داخلها، ليرَ معي ما بداخل تلك النفس التي طالما أرَّقتني.

أشعر أنني وحيد رغم أنني في وطني، وبين أهلي، ومن أحبهم ويحبونني! أشعر أن نفسي مكلومة، رغم أنني تفحصتها غير مرة ولم أجد بها جرحًا، بل لم أجد خدشًا! أشعر أن دموعي تنزل ولا أجد على وجناتي دمعة! أشعر أنني أبتسم ولا تتحرك شفتاي! أشعر أنني حزين ولا يدق قلبي.. أشعر بأنني لا أشعر، وفقط أتمنى أن أشعر! أتمنى أن أحلم بغد- أيًا كان هذا الغد- ولا أستطيع! قد يكون الخوف الذي يملأني هو الذي يمنعني، مع أنني لم أعتاد الخوف، ولم أعرفه، ولا أحبه. أشعر أنني ميت وأنا حي، وأشعر أنني حي وأنا ميت! أشعر بأنفاسي تتلاحق وكأني أجري، مع أنني لا أتحرك. وأشعر أن أنفاسي ساكنة
كأني رحلت عن دنياكم، مع أنني أكتب لك المقال، أشعر بكل ما هو متوافق مع بعضه، وبكل ما هو متناقض! أشعر ولا أشعر! وأكتب كأنني لا أكتب!!!

ترى كل هذا لأني مكلوم لشهداء أبناء وطني.. ترى كل هذا لأني صرت أخشى على الوطن من عدو مجهول لا أستطيع قتاله. كنت أعرف أن عدوي وعدوك وعدو وطننا هو الفساد، هو الظلم، هو المحسوبية، والمحاباة، والاستبداد، والضعف الإداري، والفقر.. كنت أظن أنهم الأعداء وفقط، لكنني يوم السبت فجرًا،
اكتشفت أنهم ليسوا الأعداء الوحيدين. قد يكونون الأعداء الأساسيين، لكنهم ليسوا وحدهم من يعادونا؛ فقد يكون وجودهم في حياتنا استجلب علينا أعداءًا
آخرين، كالإرهاب، والإجرام، أو كعدو لم أعلمه متستر وراء كل قلب غاضب من ماذا لا أعلم!

وهكذا تسير الحياة بنا بلا شطوط، نبحث عن مرسى ولا نرسى.. نبحث عن نهار ولا يأتي.. نبحث عن حلم ولا نستطيع حلمه.. تتكسر أحلامنا على أحجار الشوارع وأرصفتها.. تتحطم مع زجاج النوافذ والسيارات.. تتلطخ بالدماء، ولا نعرف كيف السبيل لنمحها؟!!!

قلت لك، أني لا أستطيع قتل هذا العدو، ليس فقط لأنه مجهول، ولكنني أشعر أن عجزي سببه هو الآخر مجهول. سببه قد يكون ثقافتي غير الدموية، أو قد
يكون أشياء وأشياء لا أعرفها، وللأسف لا أستطيع أن أعرفها.. كل ما أعرفه أن لديَّ حالة ملل.

أكتب لك وقطرات اليأس تسبقني إلى السطر التالي. في كل سطر كتبته عشت حياتي في الماضي متسلح بالأمل.. استغني عن منْ ظلموني وقهروني، وأنا واثق أن القادم أفضل. أرفع رأسي دائمًا، وأنا أشعر أني مقبل على غد أجمل. أعلن عن ضيقي وضجري، وأنا متأكد أن هناك حلم أجمل مما أحلمه سيتحقق. أنظر إلى نفسي المكلومة وأبحث عن جرحها ولا أجده؛ فأستشيط غضبًا. أبحث عن يد حانية تضمد جرحي، فلا أجد لا اليد ولا جرحي؛ أجد فقط دم ينزف من نفسي! وأبلغ آيات الألم حين تنزف النفس، وتئن بلا صوت، وأنت عاجز عن مداواتها. أبشع حالات اليأس أن ييأس من لا ييأس، ويفقد الأمل من كان الأمل سلاحه في حياة بلا أمل.

هل تعرف أن تقاتل؟ هل تجيد فنون الصراع؟ هل تثق بأنك قادر على الدخول في معركة لا يهم أن تكسب أو تخسر؟ المهم فقط أن تدخل معركة؟!! إن لم تكن
قادرًا على الدخول في معركة بغض النظر عن ثقتك في مكسبها أو لا، فأنت تعلن خسارتك كل معاركك قبل أن تبدأ. منَ فينا لا يحلم أن يكون قادرًا أن يدافع عن نفسه بنفسه بدون أن يحتاج لمن يدافع عنه؟ منْ فينا لا يحلم ألا يدخل في معارك ويعيش في سلام؟ وهل حلم السلام بعيد؟ وهل فقدنا حقنا في الحلم؟ لماذا أرى عينيك دامعتان حائرتان؟ لماذا تنظر لنفسك في المرآة؟  لماذا تبكي وكأنك تبكي على نفسك؟ لماذا تبحث عن وطن وأنت في وطنك أو هاجرته، وقادر على أن تعود إليه؟ هل تخشى إن عدت إليه ألا يعود هو إليك؟!!

عزيزي، ما أقسى أن ترحل بداخل نفسك فتجدها غير موجودة، قد هجرتك لأنك غير قادر، أو قل عاجز، عن أن تدافع عنها، وعن أن تحييها، وعن أن تبعث فيها الأمل، وأن تقيمها من سقطتها!!

المختصر المفيد، لو فيه سلام في الأرض وطمان وأمن لو كان مفيش ولا فقر ولا خوف وجُبن لو يملك الإنسان مصير كل شيء أنا كنت أجيب للدنيا ميت ألف ابن عَجَبي !!