''أنا زي أبوك''.. سر جملة أخرجت ''مجدي مكين'' من الدنيا
أخبار مصرية | مصراوي
الجمعة ١٨ نوفمبر ٢٠١٦
يوم عادي في حياة سائق "كارو" ووالده، تحول في ظرف استثنائي إلى يوم عصيب، بدأ بفرحة رزق، وانتهى بمأتم، قصة قصيرة حزينة لشخص مصري يُدعى مجدي مكين، فاضت روحه، وتوارت جثته خلف الثرى، وعليها آثار تعذيب، الضحية خارج الدنيا، والمتهم ضابط شرطة. مصراوي يروي تفاصيل قضية "مجدي" على لسان ابنه وشريكه في العمل مينا.
صباح الأحد الماضي، اصطحب مجدي مكين ولده مينا لإنجاز عملهم المعتاد، اشترى الابن كمية صغيرة من السمك، فيما انتظر الأب على ظهر عربته الـ"كارو" ممسكا بلجام حصانه الهزيل، وبعد أن أتم الابن عملية الشراء؛ انطلقت العربة تجوب شوارع حي الزاوية الحمراء الشعبي، أملا في تحصيل مبلغ يتناسب مع متطلبات العائلة الكبيرة، يروي الابن مينا مجدي.
مع حلول ساعات الليل، كانت العربة شاغرة بالكامل، بعدها طلب الأب من ولده التوجه صوب المنزل لإطعام أسرته، فيما توجه الأول لإحضار غذاء جواده المنهك بعد يوم عمل طويل "ربنا رزقنا بـ120 جنيه، اداني 80، وخد معاه 40"، فما كان من الابن إلا أن أبلغ والده بانتظار الأسرة لقدومه السريع.
على رأس ناصية مسكنه بحي الزاوية الحمراء بالقاهرة، قابل الأب أثنين من أصدقائه القدامى، عرض عليهم اصطحابهم في طريقه إلى حي الأميرية؛ حيث يشتري غذاءً لحيوانه كعادته كلما توافرت الأموال لذلك، رحب الصديقين على الفور، وانطلق الجمع في سلام.
تأخر الوالد عن القدوم، بدا الأمر غريبا، ظل الاختفاء مستمرًا حتى صباح اليوم التالي، قبل أن يتصل أحد الأقارب بالابن القلق، يطالبه بالمجئ سريعا لمستشفى الزيتون التخصصي بحي الأميرية، وبعد أن وطأت قدماه أرض المشفى، علم "مينا" بمقتل والده قبل ساعات، انفجر الشاب الثلاثيني في البكاء، حاول العم تهدئته، وقبل أن تحضر عائلة القتيل بالكامل، كانت التساؤلات تنهش عقل الابن المفجوع.
أصرت العائلة الاطلاع على جثة القتيل، فيما جاءت موافقة إدارة المشفى ثقيلة. غير أن النظرة الأولى للأب المُكفن بقماشة بيضاء، تحيطها الماء المختلج بقطرات الدماء، على "تروللي" بغرفة المشفى المثلج، أثارت الشك في نفس الجميع.
أصرّ "مينا" الكشف عن جسد والده، "لقينا تورم في وشه، كدمات في صدره، وجرح كبير في راسه"، يتذكر "مينا" بصوت محشرج. غير أن الطامة التي أصابت الجميع بالهلع، عندما قلب أحدهم جثته الهامدة على وجهها "ضهره مشوه لحد المقعدة، جزء من كيس الخصية مقطوع، فخده كأن حد سلخ اللحم، لقينا طعنة في فتحة الشرج منظرها مش طبيعي زي ما يكون تعرض لهتك عرضه" يردف الابن بأسى.
منظر الأب المشوه؛ أعاد مينا إلى الخلف سنوات، الأسئلة تدور داخل عقله المتوقف بفعل الصدمة، يسأل نفسه في صمت "ازاي هنعيش بعده، 12 بني آدم عايشين على حسه، ده احنا تحت الصفر، عايشين يوم أه ويوم لأ، بالبلدي كده إحنا ميتين مش عايشين"، قبل أن يسيطر عليه تساؤل وحيد "مين اللي قتل أبويا؟".
في حوالي الخامسة من فجر يوم الاثنين؛ وصلت النيابة العامة مقر المستشفى التي تحتضن جسد القتيل، حسب "مينا"، أمرت بتشريح جثة "مجدي"، الرفض كان موقف عائلة "مينا" منذ البداية، غير أن إقناعهم بأن ذلك الإجراء يحفظ الحق لصاحبة، دفع العائلة لتغيير قرارها بالموافقة، وقبل أن تنتقل الجثة إلى المشرحة "صورنا منظر أبويا البشع، عشان نحفظ حقه".
بعد ساعتين من دخول "مجدي" مقر المشرحة، تم تسليم الجثة لذويها "استلمناها متكفنة، وجايبين له الصندوق كمان"، أحسّ الشاب الثلاثيني "إنهم عايزين يداروا على الجريمة بسرعة"، يقولها في تحدي. بعدها تم دفن جثة "مجدي"، وسط دعوات الأهل بالرحمة.
بالأمس الأربعاء، تقابل "مينا" مع أصدقاء الأب المتوفي، في مقر النيابة، سألهم الابن عن تفاصيل وفاة الوالد، فيما جاءت حكايتهم كما نقلها "مينا" في حديثه لـ"مصراوي" كالتالي.
في الطريق إلى مقصدهم صدمت سيارة "ميكروباص" عربة بائع السمك "أبويا قاله مش تفتح يا عم.. السواق شتمه"، تعالت أصوات السائقين، في الوقت الذي كانت تمر فيه دورية أمنية.
ترجل الضابط من سيارته، كيل من السباب لكلا السائقين، قاطع "مجدي" حديثه "بتشتمني ليه، أنا من سن أبوك ترضى حد يشتم أبوك"، وهو ما زاد الغضب في نفس الضابط الذي زاد من سبابه تجاه "مجدي"، بعدها اشتاط الرجل الخمسيني موجها حديثه للضابط "ربنا ينتقم منك"، وهو ما أثار غضب نقيب الشرطة الذي انهال عليه بالضرب المُبرح.
بعدها أمر الضابط الثلاثيني سائق "الميكروباص" بالانصراف، في حين أمر بالتحفظ على بائع السمك "جره من لياقة القميص، سحله على الأرض، وبقى يضربوا بالرجل ويدوس عليه في الشارع".
قبلها تعدى أمناء شرطة على أصدقاء القتيل بالضرب، قبل أن تصطحب القوة الأمنية الثلاثة إلى قسم الأميرية، حسب رواية "مينا".
بعد أن وصل القتيل إلى قسم الشرطة، استمر الضابط في ضربه،قبل أن يطرحه أرضًا "نيمه على وشه، كلبشه من ورا، بقى يدوس على ضهره من فوق لتحت بالجزم وقعد يضرب فيه بعنف"، بعدها غادر "مجدي" الحياة.
اصطحبه الضابط إلى مستشفى الزيتون التخصصي التي تبتعد عن القسم مسافة قليلة، وجه له أحد الأطباء سؤالًا "أنت قابض عليه إمتى؟"، فجاء رد الضابط "الساعة 3 ونص"، فنظر الطبيب إلى ساعته وقال له "يعني أنت قابض عليه دلوقتي حالا"، فعقب الضابط الشاب "لا، من ربع ساعة أو نص ساعة كده"، بعدها استلمت المستشفى جثة القتيل ومنها إلى غرفة الموتى بها، حسب رواية ابن القتيل "مينا" نقلا عن شهود عيان.
ينتظر "مينا" برفقة عائلته تقرير الطب الشرعي، متمنيًا أن يحصل على حق والده المُهدر حسبما يرى، خاتما كلماته "أملنا في ربنا كبير أن حقه ميضعش؛ لأنه لو ضاع بكرة تبقى معايا ومع غيري.. ده مش ظابط بيحقق القانون ولا بيحقق العدل اللي ربنا قال عليه، ده وحش في صورة بني آدم".