بقلم: صموئيل طلعت فكري
منذ صغري تعلمت أن اكون مراجعًا ومتذوقًا لكل كلمة سأقولها، ولكل مشاعر أعيش فيها، وتعلمت الصراحة والفضفضة للآخرين، و كنت أول من يدرس الأمر قبل قوله و قبل نشره.
وقفت صامتًا شاكرًا ربي أمام ما حدث في الإسكندرية ليس فقط من الضحايا، ولا من المصابين، بل من بشاعة الجريمة، واتهام جهات ليس لها دخل بالأمر، فالاتهام كله لأعداء الله، وللأشرار وأتباع إبليس(الشيطان).
لم ولن أتهم أحدًا بهذه الجريمة، ولا بما سبقها من جرائم قتل لم نعتاد عليها في مجتمعنا الشرقي البسيط اللطيف الاجتماعي، مجتمع النكتة الخفيفة والضحكة البسيطة ومجتمع البساطة والمحبة المتبادلة، وكرم الضيافة والتعاون المتبادل بين كل أطرافه ومعتقداته، فلذلك أعتز وأفتخر بأني مصري وولدت بصعيدها وعشت بجوار شواطئها، وحدائقها وتعلمت في مدارسها وجامعتها.
مصر ستظل بلد محبوبة للكل برغم مايفعله فيها الأعداء والإرهاب. مصر مستهدفة لأن الله يعمل فيها وشعبها يرجع له و يتوب عن كل ذنوبه، ويحب الدين و تعاليم الكتب السماوية.
و لكن دعوني أن أدخل في موضوعي "الحزن الإيجابي"، يبدو لك عزيزي القاريء صعوبة فهم العنوان او الاصطدام به في ايجابية الحزن و الاكتئاب، ولكن أروم من كل قلبي أن تصل لك الفكرة المبسطة المختصرة المفيدة من هذه المقالة البسيطة.
ساتحدث من دستوري الرئيسي وكتابي الرسمي والثابت على مدى الأجيال وهو الكتاب المقدس "كلمة الله"، وهذا ليس تعصبًا مني بل لأنه كل حياتي، وإني أتغذى عليه يوميًا، وإني لا أتطرق إلى كتب أخرى لأني معي المصدر الرئيسي الذي لا يتغير، كلمة الله الحية الفعالة الباقية إلى الأبد.
تتحدث كلمة الله عن الحزن بمعنيين كما نحن نعرف، يوجد حزن سلبي واكتئاب سلبي، وآخر إيجابي. السلبي يعني حزن على فقد شخص أو شيء، ولن يرجع مرة أخرى أو حزن على خسارة شيء لن يرجع أبدًا، ويظل الإنسان متمسكًا بحزنه، ولكن شكرا لله الذي أعطانا نعمة النسيان لننسى حزننا وهمنا ونتكل عليه، ولكن يوجد بعض الناس يتمادون ويستمرون في حزنهم وكآبتهم حتى موتهم بسبب شيء غير نافع بلا جدوى. رأيت وجوه الناس مظلمة ومسودة ودموعهم كثرت في الأيام الماضية، بسبب ما حدث، ولا داعي أن نتحدث مرة أخرى عن ما حدث لأن كل الإعلام وقف مع الحدث، وتحدث عن كل جوانبه، ولكن الحزن والاكتئاب زاد عند البشر بسبب البيئة المحيطة بهم الممتلئة من المصائب والبلايا والاحباطات والمفشلات، ونشر صور وفيديوهات على كل الصفحات والإنترنت والمجلات، بما يحدث من حولنا تثير الجدل ويصعب على الإنسان تحمل ما يراه فيها من دماء و أشلاء وجثث وضحايا، وهذا غفلناه في الأيام الماضية، ولم نقدر أطفالنا وبراءتهم وضعف أنفسهم في تحمل رؤية شيء مثل هذا، فزاد الحزن وزاد الهم وزاد الخوف في قلوب الناس، وأصبح الاكتئاب مرضًا معديًا، ومنتشرًا ومستوطنًا في مجتمعاتنا التي كانت صاحبة الكاريكاتير الحقيقي والنكتة الخفيفة والإبداع في الكوميديا و الهزار.
كفى حزنًا سلبيًا، كفى اكتئابًا سلبيًا لا يفيد بل يضر الإنسان في نفسه وروحه وجسده ويؤدي به إلى أمراض قد يصعب علاجها وتؤدي به إلى الموت.
يقول الكتاب المقدس:
"لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم – الإنسان ربما يحزن بأشياء فانية ربما العدو يكبرها في فكرة وأيضًا الإعلام المحيط بنا ولكن الله يدعونا أن لا نحزن، لأننا إذا سلمنا له كل مالنا من حياتنا وقلوبنا، فلا نحزن لأننا معه وفي يده ومتكلين عليه، فهو القدير العالم بكل شيء الغفور الرحيم الذي يغفر لنا ويسامحنا عن معاصينا وفجورنا مهما كانت صعبة.
أما عن الحزن الإيجابي والاكتئاب اللإإيجابي والوقفة الحقيقية مع النفس، فهي التي يدعونا الله إليها اليوم، وأدعوكم إليها اليوم لنتحد فيها معًا.
تقول كلمة الله:
في إنجيل القديس متى البشير:
طوبى للحزانى لأنهم يتعزون
طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله
طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات
فمن هنا نقدر أن نستنتج أن الحزن الإيجابي الحقيقي الذي يجب أن يكون في قلوبنا وفي حياتنا، هو على خطايانا ومعاصينا وعلى مايدور حولنا من شر، وأن ندعو الله أن ينقي قلوبنا لنراه في حياتنا يعمل بشكل واضح، ونعاينه بالإيمان في كل طرقنا وفي عملنا وكل حياتنا، والحزن الحقيقي الإيجابي يولد فينا الشعور بالتوبة، للتخلص من المعاصي والخطايا والذنوب كما في كلمة الله في تعاليم القديس بولس الرسول.
لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة، وأما حزن العالم فينشئ موتًا.
أعتقد أن الفكرة الرئيسية وصلت. وفي نهاية الأيام نرى هكذا، والذين يبكون كأنهم لا يبكون والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون والذين يشترون كانهم لا يملكون.
كل هذا في الأيام الاخيرة التي تدعونا إلى الاقتراب إلى الله ومحبته والتوبة وترك الخطايا
فيقول الكتاب:
من يكتم خطاياه لا ينجح، و من يُقر بها و يتركها يرحم.
أتمنى من كل قلبي أن نعيش الحزن الحقيقي، والاكتئاب الحقيقي في وقفة مع أنفسنا، ولتغيير سلوكنا وللتوبة عن شرنا وعن ما فعلنا من خطايا الفكر والعادات السيئة والحسد والنميمة والخصام والحلفان والشتيمة والزنا، والبعد عن الله والانشغال بالأهواء والشهوات والعواطف الخبيثة والخداع وراء ابليس. ليتنا نتوب إلى الله و نصرخ له أن يرحمنا ويسامحنا ويطهر قلوبنا وينقينا ويطهرنا من كل خطية وذنب ومعصية، فنعيش لله بالإيمان ونتكل عليه ولا نحزن لأن كل حياتنا ملك له إلى الأبد، حتى مصيرنا الأبدي سيضمنه كما وعد لنا.
لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.
ربنا معك وأصلي من كل قلبي ان تكون الفكرة قد وصلت لك بكل معانيها.
ليتنا نحزن عما نعيش فيه من ابتعاد عن الله وعن فجورنا ومعاصينا ونقول له: قلبًا نقيًا اخلق فينا يا الله – طهرنا من معاصينا – اغفر لنا ذنوبنا – ارحمنا وخلصنا مما نحن فيه.
الله معك