ماريو منير
"لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك .لأنك اذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا"(اتى4 :16)
نصيحة اوصى بها بولس الرسول تلميذه تيموثاوس ، فقد أدرك بولس الرسول حجم المسئولية الملقاة على عاتق تلميذه الذى أصبح اسقفا ، فبعد ان كانت لديه مهمة واحدة فقط وهى خلاص نفسه (لاحظ نفسك) ، اصبح لديه مهمة اخرى وهى خلاص من حوله من المؤمنين ولم يتم ذلك الا من خلال التعليم (لاحظ التعليم) ، لذلك أكمل بولس الرسول نصيحته لتيموثاوس مستطردا " لأنك اذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك
أيضا"...
تعود العلاقة بين المسيحية والتعليم إلى العصور المسيحية المبكرة وقد دعى آباء الكنيسة إلى ضرورة التعليم لكل عضو في الكنيسة، إن كان طفلًا أو معتنقًا للمسيحية، وذلك استنادًا إلى تعاليم الكتاب المقدس. على مر العصور أسست الكنيسة المسيحية أسس النظام التعليمي الغربي. من بدايتها واجهت الجماعة المسيحية تحديات خارجية وداخلية لإيمانها، مما دعا إلى تطوير واستخدام الموارد الفكرية والتربوية من أجل الدفاع عن الإيمان. ويطلق على هذا النوع من الرد اسم اللاهوت الدفاعي هي مجال اللاهوت المسيحي الذي يهدف إلى تقديم أساس عقلاني
للإيمان المسيحي والدفاع عنه ضد اعتراضات من خلال فضح العيوب الظاهرة في نظرات عالمية أخرى. وقد أخذت الدفاعيات المسيحية أشكالاً كثيرة عبر القرون، ابتداء من بولس الطرسوسي ومروراً بأوريجانوس وأوغسطينوس، وحتى المسيحية الحديثة من خلال جهود الكاتبين من مختلف التقاليد المسيحية مثل سي. إس. لويس. واستدل الدفاعيون المسيحيون بالأدلة التاريخية، والحجج الفلسفية، والتجريبات العلميّة، والإقناع الخطابي وغيرها من التخصصات.
الكنيسة الأرثوذكسية والتعليم
لعبت الكنيسة الأرثوذكسية أدوارًا مماثلة في التعليم، وكان لها تأثير كبير
على اللغات واللسانيات وعلم النحو؛ فمثلًا أوجد الراهب الأرمني ميسروب ماشدوتس الأبجدية الأرمنية ، ووضع القديسين كيرلس وميثوديوس الأبجدية الكيريلية. كما تطور علم قواعد اللغات خاصةً تلك التي اكتسبت أهمية دينية خاصة مثل اللغة اللاتينية التي أعتبرتها الكنيسة الكاثوليكية لغة مقدسة واللغة اليونانية في الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية واللغة السريانية للكناس ذات التراث السرياني؛ وعُرف القديس أفرام السرياني كأحد رواد
تطور هذه اللغة. أمّا في المجال التعليمي فقد دعمت الكنيسة التعليم في الإمبراطورية البيزنطية، فأنشأت المدارس
والمعاهد وأهمها جامعة القسطنطينية التي كانت تُدرّس الفلسفة والقانون والطب ونحو اللغة اللاتينية واليونانية وبلاغتها، في حين نشطت المدارس الأكاديمية الفلسفيّة والفلكيّة في الإسكندرية وأهمها مدرسة الإسكندرية المسيحية، وبنيت أيضًا المدارس الرهبانية التي ركزت على الكتاب المقدس واللاهوت والليتورجيا، لكنها تضمنت أيضًا تعليم نصوص أدبية وفلسفية وعلمية في المناهج الدراسية، وبذل الرهبان الأرثوذكس جهودًا في نسخ المخطوطات الكنسية، وكتب الأدب القديمة. أدى سقوط القسطنطنية والتي كانت المدينة الرائدة في العالم المسيحي من حيث الحجم
والثراء والثقافة، إلى هروب وهجرة العلماء البيزنطيون والرهبان الأرثوذكس إلى أوروبا الغربية حاملين معهم العلوم والفكر اليوناني والبيزنطي والتي كانت إحدى الأسباب الرئيسية في احياء الآداب اليونانية القديمة والدراسات النحوية والأدبية والعلميّة في إيطاليا مطلع عصر النهضة ومن ثم كافة أنحاء أوروبا.
كان لكهنة الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية بعد سقوط القسطنطنية فضل في نشر التعليم، وقد أعتبروا التنويريين والمربين لمجتمعات أوروبا الشرقية،
فقد كان لرجال الدين وأسرهم دور في محو الأمية في أوروبا الشرقية. ونشروا أيضًا علم النحو
وعملوا على ترجمة الكتب والمؤلفات إلى اللغات السلافية. وصدرت أول الصحف في أوكرانيا بدعم من الكنيسة. وقد لعبت أيضًا زوجات وبنات الكهنة أدورًا هامة في رفع المستوى التعليمي لدى المرأة في مجتمعات شرق أوروبا. كذلك كان الأمر بالنسبة لإكليروس أوكرانيا الغربية الكاثوليكي الشرقي، إذ شكّل رجال الدين وأبناؤهم سلالات كهنوتية لعبت أدواراً هامة في الثقافة والتعليم ورفع مستوى التعليم والجامعات والاقتصاد وقادت المجتمع الأوكراني غربي.
وقد أدرك الآباء اهمية التعليم المسيحى وكان لهم اعمال كثيرة ابرزها مافعله البابا كيرلس الرابع
(ابو الاصلاح) حيث ما أن وجد نفسه المسئول الأول عن الشعب حتى جعل التعليم اهتمامه الأول في وقت كان حكام مصر من الإنجليز والأتراك يتبنون القول: "أن الشعب الجاهل أسلس قيادة من الشعب المتعلم". كان يشغله الجانب التعليمي، فاهتم بإحضار أساتذة ماهرين، وإعداد برنامج تعليمي على النسق الأوربي، وكان اهتمام البابا موجهًا أساسًا إلى بناء الشخصية، مشدّدًا على حسن تربية الأولاد، مؤمنًا بأنه لا يمكن للكنيسة أن تنمو إلا برجال المستقبل المتعلمين.
أنشأ البابا المدارس والمكاتب لصنوف المعرفة واللغتين القبطية والعربية وأصول الديانة وقواعدها.
وجعل المدارس مفتوحة أمام الجميع، وأنشأ مدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية بجوار الكنيسة المرقسية الكبرى.
كان التعليم مجانًا، يقدم لهم الكتب والأدوات المدرسية مجانًا، وبذلك سبق الحكومة في هذا المضمار بأكثر من قرن من الزمان. وكان يباشر إدارة المدرسة بنفسه، فأوجد حجرة خاصة له في المدرسة حيث كان يفتقد المدرسة يوميًا، وكان يحضر بنفسه مع الطلبة منصتًا للأساتذة.
جاء في كتاب مصباح الساري ونزهة القاري لإبراهيم الطبيب ببيروت عام 1282ه، في حديثه عن مصر ومدارسها:
[وفي حارة الأقباط مدرسة عظيمة يعلمون فيها اللسان القبطي
القديم والتركي والإيطالي والفرنساوي والإنجليزي والعربي.
وهم يقبلون فيها من جميع الطوائف وينفقون على التلاميذ من مال المدرسة. وهذه بناها البطرك كيرلس القبطي، وأنفق عليها نحو ستمائة ألف قرش، وكل هذا بخلاف ما تعهده في بلادنا من الإكليروس وأوجه الشعب.]
أنشأ أيضًا مدرسة وكنيسة في حارة السقايين.
واهتم أيضًا بإنشاء مدرسة لاهوتية للشبان حتى يمكن سيامة كهنة متعلمين... وإن كانت لم تدم هذه المدرسة.
أنشأ دارا للكتب.
اشترى مطبعة لنشر الفكر، وهي المطبعة الثانية في مصر بعد المطبعة الأميرية التي اشتراها محمد علي أيام
ولايته.
كما انه اهتم بتعليم الفتيات.
يذكرنى موقف حدث لصديق لى ....كان هناك رجل من قريته حاصلا على شهادة الدبلوم وكانت بصيرته التعليمية ليست بالقدر الكافى فمرت الايام واصبح كاهنا فقط لكونه طيب القلب ومهذب الاخلاق ، وحينما وقف يعظ شعبه القروى البسيط اذ به ينطق بعبارة شديدة الخطورة فقال " السيد المسيح قال من نظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه ، صحيح يااولادى الزنى القلبى اصعب بكتير من الزنى الجسدى" ، وقعت هذه العبارة
على أذن صديقى وقع الصاعقة وقال فى نفسه " ايه الكلام اللى بيقولوا ده،الشباب البسيطة هيقولوا احنا عملنا
الاصعب (الزنى القلبى) والباقى سهل (الزنى الجسدي) وهيكون عقابه من ربنا سهل برضه"، بالطبع لايدرك هذا الكاهن حجم الكلمة الخارجة من فمه التى ستكون بمثابة خلاص او عثرة للآخرين و لايقدر ان يستوعب خطورتها لاننا كما قلنا من قبل بصيرته التعليمية غير كافية لان يقف ويعظ شعبا ، فنحن لانلومه ولكن نلوم من اختاره ليشغل هذا المنصب الحساس الذى جعله اب روحى لشعب قريته يستشيرونه ويأخذون كلامه عن ثقة.
ولهذا السبب شدد بولس الرسول على تلميذه الأسقف تيموثاوس بأهمية التعليم لأنه اذا فعل ذلك سوف يخلص الذين يسمعونه أيضا.