شجرة الأرز اللبنانية، وسفيرة العرب، وجارة القمر، والصوت الملائكي، وياسمينة الشام، وصوت الحب، وصوت الأوطان وسيدة الصباح، هي نهاد رزق وديع حداد، التي لقبوها فيما بعد بـ"فيروز"، المغنية اللبنانية التي وصلت بصوتها للنجوم إن لم تكن تخطتها.
ولدت نهاد، أو فيروز، في حارة زقاق البلاط في العاصمة اللبنانية بيروت، لأسرة بسيطة الحال، كان يعمل والدها بمطبعة جريدة تدعى "لوريون"، بدأت فيروز مشوراها الفني في سن الخامسة عندما اكتشفها محمد فليفل، أحد الأخوين فليفل اللذين لحنا النشيد الوطني السوري.
كاد والدها أن يقضي على مشورها الفني قبل بدايته حتى، حيث رفض أن تُغني ابنته أمام العامة، قبل أن يقنعه "فليفل" بالتحاقها بالمعهد الوطني للموسيقى وضمها لفريقه، وافق الأب ولكنه اشترط عليه أمرين، أولهما أن تُؤدي فقط الأغاني الوطنية، وثانيهما أن يرافقها أخوها جوزيف خلال سنوات دراستها بالمعهد.
قبل أن تُتم فيروز عامها الأول في معهد الموسيقى الوطني، التحقت بالإذاعة اللبنانية، وكان أول راتب تقاضته فيروز من الإذاعة 100 ليرا، ثم قام حليم الرومي مدير الإذاعة بتأليف أول أغانيها، لتكون انطلاقتها الحقيقية.
اشتهرت أغاني فيروز بقصر مُدتها، على عكس ما كان سائدا في ذلك الوقت، كما قدمت مئات الأعمال مع الأخويين رحباني، فقد شكلا مثلث القمة، حيث ذاع صيتهم، واشتهرت أغانيهم بتنوع مواضيها، فأغانيهم تحدث عن الحب والألم والحزن والوطن والأطفال والقدس.
على الرغم من أن السيدة فيروز قدمت أكثر من 15 مسرحية، حيث لُقبت "بمكلة المسرح"، وكان أكثرها من تأليف وتلحين الأخوين رحباني، لكنها لم تُقدم سوى ثلاثة أفلام فقط، والذي لا يعرفهم الكثير من الناس خصوصا الأجيال التي لم تعاصر بدايات فيروز، والتي عرفتها فقط كمطربة، وهذه الأفلام هي "بياع الخواتم"، "سفر برلك"، بالإضافة إلى "بنت الحارس".
"بياع الخواتم" هو أول فيلم للسيدة فيروز، من إخراج يوسف شاهين، وقصته مُقتبسة من مسرحية تحمل نفس الاسم، ذلك عام 1964، وتتناول أحداث الفيلم شخصية من نسيج اسمها راجح يخترعها المُختار، الذي يقوم بدوره نصي شمس الدين، ويُهم الضيعة بأكمالها أن راجح هو عدوهم، وفي خلال الأحداث يعترف المختار لابنة أخته ريما، الذي تقدمها فيروز، أن هذه الشخصية من وحي خياله وأنه فعل ذلك ليكون مؤثرا عند أهل الضيعة، ولكن ما لم يتوقعه المختار أن يتحول راجح لحقيقة، فقد ارتكب شابان من شباب الضيعة جرائم سرقة وأزعجا أهالي الضيعة، ولفقا هذه الأفعال لراجح، وفي خضم هذه الاضطرابات ظهر رجل طويل قوي البنية، الذي تبين أنه راجح، ولكنه في الأصل بياع خواتم، أنه يقصد الضيعة في هذا اليوم من كل سنة ليبيع الخواتم في "عيد العزابي" لشباب وبنات القرية، لينفضح أمر الشابين ويعاقبا أحدهم بالزواح من العرافة التي سرقها، والآخر بالعمل هندها لسداد ما سرقا منها.
وبعد ثلاث سنوات من فيلمها الأول، قدمت فيروز فيلمها الثاني "سفر برلك" من إخراج هنري بركات، ذلك عام 1967، تدور أحداث الفيلم في عام 1914 عندما كانت لبنان تحت الاحتلال العثماني، وللقضاء على المقاومة الشعبية استولت القوات العثمانية على كل مخازن القمح، وحكمت جميع الناس بالعمل في تقطيع الحطب، حيث كانت تعيش عدلا، التي تقوم بدورها فيروز، في الضيعة مع جدتها وكانت تنظر خطيبها الذي كان في طريقة لإحضار بخواتم الزواج، ولكن قوات من العثمانيين قبضوا عليه ليعمل بالسخرة في تطيع الحطب، ومن خلال محاولة عدلا للبحث عن عبده اكتشفت أن عمتها، وابنة عمتها من المقاومة، وفي خضم تلك الاضطرابات علم العسكر العثماني من خلال جواسيسه في الضيعة أن أفرادا من المقاومة مجتمعين في بيت عدلا، وعندما علمت عدلا قامت بتهريبهم من البيت، وبعد الكثير من الأحداث يقرر مجموعة من المقاومة على رأسهم عبده، بعد تهريبه، الإبحار في مهمة، لتقف عدلا في نهاية الفيلم على شاطىء البحر تنادي على خطيبها الذي يعدها بالعودة، ويطلب منها ارتداء الخاتم.
وفيلمها الثالث الذي كان من إخراج هنري بركات أيضا وتأليف الأخوين رحباني، هو "بنت الحارس"، والذي تم تصويره عام 1968، بدأت أحداث الفيلم عندما قام مجلس مدينة كفر غار الفاسد، بإعفاء حارسين المدينة من عملها، والحارسين هما أبو نجمة، ومساعده صالح، ليجد الحارسان نفسيهما بلا عمل ولا يقدران على إعالة أسرتهما، فقررا السفر لكسب العيش، حيث سافر أبو نجمة إلى بيروت ليعمل عتال بأحد المواني، لتصطدم "نجمة"- فيروز- بالحياة غير الآدمية التي يحياها والدها ولعمله الشاق، وتحاول إقناعه بالعودة إلى الديار إلى أنه يأبى، لتقرر "نجمة" أن تتخفى في زي رجل لترهب المدينة وتجبر مجلس الإدارة على إعادة والدها ومساعده، وبعد أن تنجح في خطتها وتفضح فساد مجلس المدينة، يعود والدها للعمل من جديد، ويعود لبلدته.