الحرب على الأذان.. بين مصر وإسرائيل
مقالات مختارة | عبد الناصر سلامة
الجمعة ٢٥ نوفمبر ٢٠١٦
البعض أصبح يشكو من ارتفاع صوت الأذان، مطالبين بترشيده، وقد يكون لهم حق، إلا أن البعض الآخر من المتفرنجين يطالبون بمنعه، قد يرى هؤلاء وأولئك أن الصوت فج، أو مرتفع، أو مزعج، وقد يرون أن الأذان نفسه لا يتناسب مع تطور الحياة، وقد يرون أنه بلا معنى، ذلك أن الإنسان ليس فى حاجة إلى تذكِرة بالصلاة مثلاً، وقد يرونه من الممارسات البلدى، أعنى هنا عكس البارتى، على اعتبار أن بعضهم غربيو الهوى، وقد يرونه من العادات القبلية أو البدوية كما يقال الآن عن الحجاب، أى ليس شأناً إسلامياً، وقد يرونه من الماضى، (وبلاش نتكلم فى الماضى، الماضى دا كان كله جراح).
هناك من يرى أن الأذان يزعج الأطفال، فى الوقت الذى يشارك فيه أطفال هذا الزمان بكثافة منقطعة النظير، فى حفلات غنائية تصُم الأُذن، نتيجة ارتفاع صوت الديچيهات والأجهزة الموسيقية، هم نفس الأطفال الذين أصبحت السماعات والوكمان جزءاً أصيلاً من حياتهم فى الشارع والنادى وكل مكان تقريباً، هم نفس الأطفال الذين أصبحت الموسيقى الصاخبة جزءاً من حياتهم اليومية حتى فى المنزل، ربما استطاع الأذان، الأخف وطأة، تنبيههم إلى الصلاة، للمساعدة فى خلق فاصل زمنى روحانى، يتوسط كل هذه المغريات الصاخبة، التى أصبحت من أمراض العصر، ليس بمعناها المعنوى فقط، وإنما بمعناها الحسى والجسدى أيضاً، وإلا لما كانت الأمراض النفسية والعصبية على هذا القدر من الانتشار، خاصة فى أوساط الصبا والشباب.
أعتقد أن كل من يعيشون فى كمباوندات ومناطق مغلقة، بمنأى عن العامة، يمكنهم فيها عدم استخدام ميكروفونات بالمساجد، أو عدم التعامل مع الأذان عموماً، ماداموا قد ارتضوا ذلك، إلا أننا فى مناطقنا الشعبية أو العشوائية أو القروية، ارتضينا الأذان من كل المساجد والزوايا فى وقت واحد، نتبرّك به، لم ينغص حياتنا أبداً، بل على العكس تماماً، لذا دعونا وشأننا، لا تُحرّضوا علينا، على الأقل انطلاقاً من مبدأ الحرية فى ممارسة الشعائر، ويمكنكم فى الوقت نفسه تجنب هذه المناطق، حتى لا تتعرضوا يوماً ما لذلك الأذى الذى تُصدِره ميكروفونات المساجد.
فى عقيدتنا، نحصل على أجر أو ثواب، كلما رددنا خلف المؤذن ما يقول، لذا فإننا ننتظر الأذان للحصول على هذا الأجر، فى عقيدتنا بعد أن نسمع الأذان ونتوضأ، نذهب إلى المسجد مستغفرين، ففى كل خطوة نخطوها حسنة، فى عقيدتنا أن المسلم إذا سمع الأذان، فعليه أن يتوجه إلى المسجد فوراً، ويترك سائر الأعمال الدنيوية، قال الله تعالى (فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) سورة النور.. فى الماضى كانت الدعوات إلى منع قرآن الفجر، وكان لهم ما أرادوا، ثم كانت الدعوات إلى منع قرآن الجمعة، وكان لهم ما أرادوا، ثم خطبة الجمعة، وكان لهم ما أرادوا، ثم الصلاة عموماً من خلال الميكروفون، وأيضاً كان لهم ما أرادوا.. اتركوا الأذان وشأنه، حتى لا نخشى من الطلب القادم.
بالمناسبة لمن لا يعلم، الأذان نَصٌ منزّلٌ من عند الله تعالى، فى أكثر من رؤيا على أكثر من صحابى، قال عنها رسول الله «صلى الله عليه وسلم» إنها رؤيا حق، أى ليس اختراعاً بشرياً يمكن التعامل معه بالإيجاز والمنع، قد نطلب الترشيد، وقد نطلب الأصوات الحسنة، وقد نطلب توحيده، وقد نطلب أى شىء آخر، وكلها أصلاً مطالب شرعية، إلا المنع بحجة المرض أو النوم أو المذاكرة أو الضجيج، أو أى شىء من هذا القبيل، لم يعد ذلك أمراً مستساغاً، ففى المجتمع من أوجه الضجيج والضوضاء الكثير، مما لا يطالب أحد بمنعه، لكن يبدو أن منع الأذان هو بداية النهضة المصرية، أو هكذا يرى البعض للأسف.
ما أراه أكثر أسفاً، دون استنكار المتفرنجين، هو تلك الإجراءات الإسرائيلية بمنع الأذان فى فلسطين المحتلة، وبصفة خاصة فى المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، وهو الإجراء الذى استندت سلطات الاحتلال فى اتخاذه على الإجراءات المصرية، أو على البعض ممن يعتبرون أنفسهم علماء دين فى مصر، وعلى بعض البرامج التليفزيونية لدينا أيضاً، وبعض المقالات، إلا أن الكنائس هناك انتفضت لهذا الإجراء، وقامت من ناحيتها ببث الأذان فوراً، الذى انطلق أيضاً من عدد كبير من المنازل، فى رسالة واضحة فحواها: إلا شعائر الله، أو إلا الأذان، الذى نسمعه فى معظم العواصم الأوروبية تقريباً، دون منغصات، أو دون إجراءات من هذا النوع.
لا أدرى مع كل هذه الكوارث من حولنا، وكل القضايا المعقدة، التى لا نجد فى الأفق أى حلول لها، نشهد من يقفز على الأوضاع ليرى أن مشكلة المجتمع تكمن مثلاً فى الأذان، أو أن مشاكل أطفال مصر تكمن فى ذلك الأذان الذى يزعجهم، لا والله، لو أننا اعتدنا الذهاب إلى المسجد حال سماع الأذان، لكان الحال غير الحال، ولو أن أطفالنا قد نشأوا على ذلك، لما كان هناك عبدة شيطان، ولا عبدة إنسان، ولا كل هذا الجنان، الذى تعانى منه مجتمعاتنا الآن.
فقط أود التأكيد على أن أى مراقب متخصص فى أوضاعنا البائسة هذه، سوف يكتشف أن هناك أمراً ما، غير معلوم، هو السبب فى كل هذا الستر، ذلك أن إدارة الأوضاع لا يمكن أبداً أن تحقق أى استقرار، أو اكتفاء ذاتى، أو ستر من أى نوع. بكل بساطة، وأرجو ألا أكون مغالياً، أستطيع التأكيد على أن هناك بيننا من يقيمون الأذان، ومن يقرأون القرآن، ومن يقومون بالليل والناس نيام، ومن يتوجهون إلى الله طوال الوقت بالتضرع والدعاء، وهؤلاء هم سر هذا الستر، اتركوهم وشأنهم، لعلنا نعيش بدعائهم.
نقلا عن المصري اليوم