الفاشية الدينية والوطنية
مقالات مختارة | اسامة غريب
الجمعة ٢٥ نوفمبر ٢٠١٦
كل مرة يتم فيها ارتكاب جريمة داعشية تنشط الآراء، منددة بتراث ابن تيمية، متهمة إياه بالتسبب فى ملء العقول بالأفكار العنيفة، والواقع أن أصحاب هذا الاتهام لم يبتعدوا كثيراً عن الحقيقة، خاصة بعد انتشار جريمة قتل الأبناء للآباء والأمهات، والتى صارت ظاهرة متكررة فى أوساط البلدان التى تصدّر فكر الدواعش، ويكفى تصفح الصحف العربية لنعرف إلى أى درك انحدرنا. ورغم أن تراث ابن تيمية نشأ فى دنيا مغايرة، وكان مرتبطاً بزمن آخر وظروف أخرى لا علاقة لها بزمننا، إلا أن أفكاره وآراءه المتعلقة بقتل الأب المشرك مازالت تشكل الأساس لدى المؤمنين المختلين، الذين يرون أن فعل قتل الوالدين يمثل لديهم أعلى درجات الولاء والبراء!
غير أنه لا يصح الحديث عن الداعشية الدينية دون التطرق للداعشية الوطنية التى تعيشها شعوبنا التعيسة، وهى حالة أخرى من حالات الولاء والبراء يُبديها نفر من مهاويس الدولة الوطنية.. تلك الحالة التى تدفع البعض فى البلاد التى خاصمها العقل إلى وضع الحذاء الغليظ فوق الرأس والوقوف به فى أكبر الميادين لالتقاط الصور والتباهى بالأمر، باعتباره من مظاهر الشرف الرفيع. هذا النوع من الوطنية المغشوشة الكاذبة عرفته كوريا الشمالية وسوريا وعراق صدام وليبيا القذافى، كما لاتزال تتجرعه الجماهير البائسة فى كل بلد رضى أهله بالذل، ظناً منهم أن الأمان سيكون قرينه بالضرورة، فإذا بالذل يفاجئهم ويأتى وحده!
إن فكرة الولاء والبراء قادت شقيقين فى مدينة الرياض إلى قتل أمهما، مطلع الشهر الماضى، بعد أن أصدرا حكما بإعدامها تأثراً بالشيوخ الدواعش، الذين وضعوا للناس الكتالوج الذى يصنفون ويفرزون على أساسه الكافر من المسلم. والأمر نفسه يحدث عند الفاشيين الوطنيين، الذين يصورون أن الولاء للزعيم يعلو على الولاء للأسرة، وأن المواطن الشريف الذى يستحق الرعاية والحنان هو المواطن الذى يُبلغ عن أبيه ويشى بأخيه ويقود البوليس السياسى إلى مخدع أمه، لأنه سمعها تتفوه بانتقاد للزعيم المُلهَم الضرورة الذى أتى فى موعده مع الجماهير.
ليس هناك فرق بين أبوبكر البغدادى وصدام حسين وأشباهه.. النوعان يراهنان على العبث بالجمجمة وملئها بالأفكار التى تضعك مع الفرقة الناجية.. الفرقة صاحبة الولاء للشيخ أو للجنرال، حتى لو دفعك هذا الولاء إلى قتل أقرب الناس إليك، لتبرهن لـ«البغدادى» أو «صدام» أنك رجله المخلص الذى يضع الولاء له فوق أى ولاء.
الفاشية الدينية هى صنو للفاشية الوطنية.. كلتاهما تستجيب للنوازع البدائية فى النفس البشرية، وتغذى فيها الميل نحو الإحساس بالتميز والاستعلاء على الآخرين، والشعور بأن الجماعة التى ينتمى إليها هى شعب الله المختار، وهى الجنس الأعلى الذى يتفوق بالإيمان والمعرفة والوطنية على غيره ممن لا يستحقون الحياة، ويتعين إبعادهم عن مسار التاريخ حتى يستقيم الدين أو تستقيم الدولة وتصفو ممن يعكرها ويزعجها.
والحقيقة أن الحرب التى تقودها الدول العربية ضد داعش سببها الحقيقى هو تقاطع المصالح والمنافسة على عقل ووجدان المواطن التعيس، الذى تحاول كل الأطراف أن تشده فى اتجاهها، حتى تكاد تقطّع أوصاله.. فبئس النموذجان!.
نقلا عن المصري اليوم