باحث يطرح فكرة المصالحة بين الإسلام و العلمانية
السبت ٢٦ نوفمبر ٢٠١٦
نشر الأديب والشاعر ياسر أنور مؤخرا مقالا بعنوان "المصالحة بين الإسلام والعلمانية " قال في بدايته ربما لا نبالغ إذا قلنا إن (منظومة الفكر و العقل العربي) القائمة على (الثنائيات الوجودية) هي أحد أسباب التراجع الحضاري منذ قرون . فالعقلية العربية ترى الأمور و الأشياء من خلال منظورين اثنين ... الإيمان والكفر ، الحق و الباطل ، الصواب و الخطأ ، العلماني و الإسلامي ..و هي تتجاهل في تلك النظرة مساحات كبيرة متدرجة للانتقال من حالة إلى حالة أخرى مضادة ... فالإسلام ليس صيغة واحدة ليس فقط على المستوى التشريعي (التراث الفقهي خير شاهد على ذلك ) ولكن على المستوى العقدي أيضا (الفرق الإسلامية وقراءتها المختلفة للعقائد الإسلامية).
وأوضح أنور في مقاله " أن علم أصول الفقه تحدث عن مساحات الانتقال بين المتضادين .. فالانتقال من الحلال إلى الحرام يمر بمراحل بـ (الفرض- الواجب- المندوب-المستحب-المكروه كراهة تنزيه- المكروه كراهة تحريم ... ) إلى غير ذلك من الدرجات التشريعية .. فإن العقل العربي لم يستفد من تلك المرونة التشريعية و المنهجية .. وظل يعيش في منفى من الثنائيات المتضادة حتى رفع شعار (من ليس معي فهو ضدي) ، ومارسه بأقصى درجة من درجات التطرف .. ليس فقط على المستوى الشعبي ، ولكن - وهذا هو أحد ملامح الأزمة – على المستوى النخبوي ... فوجدنا ساسة و مثقفين و مفكرين وكتابا يطالبون بأقصى درجات الإبادة مع كل من يختلف معهم في مواقفهم السياسية و الفكرية حتى وصلنا إلى هذه الدرجة من الانقسام و التشظي ، وحتى لم يعد ثمة شيء يمكن أن نتفق عليه !
وكشف ياسر ان الخلل الفكري و المنهجي سمة من سمات تيار بعينه ... بل هو سمة واضحة لكل أطياف الفكر المصري و العربي ... حتى فوجئنا – ونحن نبحث عن قشة ننجو بها من الغرق – فوجئنا بردود أفعال عجيبة ومثيرة على مبادرة واشنطن حول قضية هوية الدولة ، و هي القضية التي ما كان ينبغي لها أن تطرح ابتداء ..لأنها كانت سببا رئيسا في حالة الانسداد السياسي و التراشق الفكري و الانقسام الأيدلوجي .. ليس بطبيعتها .. فهي قضية ليست عصية على الحسم ، ولكن لطبيعة العقليات الثنائية التي أثارتها و تثيرها .. و هي عقليات لا تمتلك بنية معرفية ذات رؤية مستنيرة بل هي عقليات حادة التفكير ، ثنائية الرؤية ..
وأشار انه أصبح الهاجس لدى كثير من المتابعين لتحولات المشهد السياسي الراهن .. ليس هو كيفية التغيير ، ولكن (و ماذا بعد؟) فالبدائل المتاحة متشابهة إلى حد كبير .. و لذلك فإن النتائج أيضا لن تحمل أي نوع من الاختلاف مع تغيير المشهد السياسي. ويبدو أن هذا المأزق ليس جديدا .. و لم يكن أحد نتائج ثورات الربيع العربي .. بل هو مأزق قديم متجذر في العقلية العربية عبر تاريخ طويل لكنه طفا إلى السطح مع صدور كتاب الشيخ على عبد الرازق (الإسلام و أصول الحكم ) عام 1925م" .
وبين الأسباب و السياقات التي دفعت علي عبد الرازق إلى نشر كتابه هذا في ذلك الوقت .. فقال "إن عاصفة الخلافات و الردود و المحاكمة التي صاحبت ظهور الكتاب تؤكد ما نشير إليه و نحذر منه و هو أن جزءا كبيرا من تأزم المشهد السياسي و التراجع الحضاري يكمن في طبيعته في عقلية النخبة السياسية و الثقافية التي تصر على التعامل مع القضايا الكبرى بتلك الثنائيات الحادة .إنني إذن أستطيع أن أؤكد أن أكثر المنظرين الإسلاميين و العلمانيين ( الأسماء معروفة )هم العامل الأساسي في تكريس حالة التراجع الحضاري الذي تعانيه الأمة .. و أن الاستبداد السياسي ما هو إلا نتيجة للاستبداد الفكري و المذهبي .. وأن أي إصلاح حقيقي لا يمكن أن يبدأ من تغيير شكل الدولة السياسي .. بل يبدأ من تغيير المنظومة الفكرية و البنية المعرفية للعقل العربي.إن الإلحاح على فكرة عدم الالتقاء بين العلمانية و الإسلام هي إحدى سمات الثنائية الحادة للعقل العربي .. لأنه لا يوجد إسلام واحد .. و علمانية واحدة بل هناك درجات من القراءات و الممارسات الإسلامية ، وهناك درجات من القراءات و الممارسات العلمانية أيضا . ولذلك فإني أرى أن المساحات المشتركة بين الإسلام الواقعي و الحضاري (و ليس الافتراضي أو الفقهي) يمكنه أن يلتقي مع العلمانية الواقعية لا المستوردة .. بل إنني أذهب إلى أبعد من ذلك وأرى أن العلمانية الغربية و التخلص من الكهنوت لم تكن إلا نتيجة للاحتكاك بالفكر الإسلامي عن طريق ترجمات القرآن الكريم وكتب الفلسفة و الفكر الإسلامي التي دفعت أوروبا إلى التخلص من ميراثها القديم .. وإقامة علمانية غربية على أسس إسلامية ! " .
يا سر انور شاعر وأديب مصري له عدة مؤلفات أهمها "فض الاشتباك بين العلمانية والإسلام "